بدون مقدمات تقحمنا قصة “ضلعٌ أعوج” للكاتبة هدى القرقني في عقدة ”Knot” تجتمع فيها العوامل الثلاثة لمنطق نظام القص: الواقعي والمتخيل والرمزي بترتيب أسبقية ex-sistance وقوع الحدث، وتناسق consistance المتخيل، والفجوة Gap التي يحدثها الرمزي في السردي…
القصة محكية بضمير السارد في موقفين.. الموقف الأول: “صحا من نومه ليذهب الى الحمام.. توقف فجأة أمام غرفة والديه، الباب موارب ولم يكن مقفلا كالعادة أثناء النوم، وضوء الممر الخافت جعله يرى جسد والده وهو منحن على أمه، شعر ان ركبتيه تخذلانه وقلبه يخفق بشده وجف حلقه..“…
نحن هنا إزاء حدث يلم بالسارد بضمير طفل لم يتجاوز السابعة: علاماته المؤثرة تظهر عليه: وجهه مبلل بالدموع، وسرواله مبلل أيضاً، وركبتيه تخذلانه وقلبه يخفق بشده وحلقه جاف. هنا نشهد الارتدادات العاطفية لأبن يرى أبيه إزاء أمه في وضعية مؤلمة له، إشارة إلى ضرب الأم. وقد صارت عارضاً مرضياُ sinthome.. ساعد ذلك مواربة باب غرفة نوم الوالدين، وخفوت ضوء الممر بأن جعلاه يرى جسد والده وهو منحني على أمه فيما يمكن تسميتها بنقطة تقاطع الواقعي بالمتخيل. كما أن الحدث يقع بالنسبة للابن في مكان خصوصي غرفة نوم والديه، والسبب في تحوله من الارتداد العاطفي إلى المرضي إنما يكمن في تلك الوضعية التي هي جد مرتبطة بسقوط محور أساسي في النظام الرمزي. فباب غرفة النوم متروك في وضع لا مقفول ولا مفتوح بل موارب، والممر الدي يمر بالغرفة إلى الحمام ضوؤه خافت لا شديد ولا منعدم جعل الأبن يرى الأب بجسده في وضع منحني على الأم بدون تحديد لفعل ما من فاعل الأب على مفعول به الأم.
الجملة المفسرة “هذه الليلة كان شجارهما عنيفاً تعالت أصواتهما وبكت أمي كثيراً” بمثابة جسر للموقف الثاني صار يردد سؤاله لنفسه: ”.. هل سيقتلها؟”. وهو يتسلل الى غرفته وقد امتلأ وجهه بالدموع وتبلل سرواله!! جلس على سريره وهو يفكر ماذا سيفعل؟ انه لم يتجاوز السابعة من عمره، نظر الى اخيه الصغير في السرير المقابل وجده مستغرقاً في نومه، ليته يستطيع ان ينام مثله هو لا يستطيع ان يذهب مرة اخرى الى غرفة ابيه لينقذ أمه“ العارض المرضي يبدو عبر جملتين من المقطعين 1) “توقف فجأة أمام غرفة والديه“.. 2) “هو لا يستطيع ان يذهب مرة اخرى الى غرفة ابيه لينقذ أمه“.. هنا تلحظ صياغة النسبة تغيرت من “غرفة والديه” إلى “غرفة أبيه“ وهذا التغيير هو ضربٌ من التشكيل أو الصياغة التطويرية التي تساعد الذات الساردة على أن تتجاهل بعض الحقيقة في حين تؤسس وتقيم بعضها الأخر.
تنمو أحداث القصة التي تصنع واقعها وتتركب في عُقدة تنفرج بـ (لحظة التنوير)، وهي النقطة التي ينحل فيها هذا التعقيد لصالح تفاعل القارئ مع السارد وتنجز هذا الأمر ببلاغيات الكتابة كالكناية عن الخوف والحزن والألم: بـ”ظل جالساً في سريره خائفاً، لم يغير ملابسه، ضم ركبتيه الى صدره واسند جبهته عليها“ والمجاز “غافله النوم وهاجمته الكوابيس وأفجعه الاستيقاظ“ والاستعارة “وقع على الأرض وتسللت الشمس من النافذة وعانقت وجهه الصغير“.
القصة التي تكتب نفسها، بدون تدخلات الراوي العليم تغير مضمون الحقيقة الموضوعية بالمفارقة وهنا تأتي الجملة الخاتمة للقصة رابطة الاستعارة بالإزاحة، والتكثيف بالمجاز “خرج مسرعاً وقد اعتلت وجهه ابتسامة مرتبكة عندما سمع صوت أمه في المطبخ تعد الافطار، وقد فتحت الراديو كعادتها تستمع لإخبار الصباح وصوت فيروز..” بالأدبية الفرويديةـ اللا كانية نصل إلى حل العقدة بالتغيير في الوظيفة الأبوية بآلية رمزية تخدم خلاص الطفل من الشرَك الأمومي.. إذ يتأتى الانفصال عن الأم والفصل نتيجة لدخول المرموز باسم ”الـ ـ أب“ المؤسس لقانون الآخر الكبير، ونظامه الرمزي الذي يجعل من تحقيق رغبة “الأبن” مستحيلاً. وهنا تضطلع استعارة سطوة اسم “الـ ـ أب” بمكان رغبة الأم فتحل الوظيفةُ الأبوية محل الوظيفة الأمومية.