سرد

رواية الحـرز (49)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

جامع مدينة غدامس القديمة (الصورة: عن الشبكة)

49

 نفخ عازف الغيطة العجوز في غيطته.. صاحبته جوقة البنادرية بعزف متقن.. انساب النغم عبر بوق الغيطة قويا.. تماوج كما يتماوج غصن داعبه النسيم.. تنقلت اصابعه المعروقة بين فتحات قصبة الغيطة برشاقة ومهارة.. خرج من بوق الغيطة لحن ساحر بديع طالما انتظره الناس.. أما اولئك الذين اجتمعوا في البيوت الملاصقة فقد شرعوا بالرقص على وقع النغم.

 سنوات طويلة لم يشنفوا آذانهم بسماع عزف الكهل.. بعضهم راهن على فشله في إكمال وصلة الاستفتاح التي عادة ما تكون قصيرة.. آخرون أكدوا على نجاحه.. بعض الشباب يسمعون عزفه لأول مرة اجتمعوا في بيت أحدهم.. أما الصبية فقد تمكنوا من التسلل إلى البيت.. اثنان لم يتفطن لهما أحد تسللا إلى بيتها.. لكنهما سرعان ما فرا خوفاً بعد أن شاهدا سحابة دخان تغطي تمانحت البيت.

 وقف الطفل وسط التمانحت.. اصابته حالة وجد عنيفة.. شرع يقفز على وقع اللحن بانتظام.. خافت الشقيقة ان يصاب بمكروه.. تمتمت بالأذكار.. كانت يده تمسك بالتميمة تحاول انتزاعها من عنقه.. لكنه توقف عن ذلك ما ان انهى العازف وصلة الاستفتاح..حصد على اثرها الكثير من الاستحسان ليس من البنادرية فحسب.. بل كل من وصل عزفه الى مسمعه.

 كان الطفل يدور حول نفسه في دائرة باتساع فراغ التمانحت.. يصطدم تارة بجدار او بالشقيقة وتارة بالقادم الغريب منتظرا استئناف العزف.

 أشار القادم الغريب لها أن تستعد لمشاركته الرقص.. ذكرها بما عليها فعله لاسترجاع طفلها الضائع.. هزت رأسها عدة مرات.. مسحت لها الشقيقة عرقها قبل ان تغطيها برداء الرقص.

 شرع العازف الكهل في عزف وصلة جديدة.. وصلة معروفة لكل عاشقي اللحون.. وصلة عادة ما تعزف عندما يشتد الوجد بأحدهم ويطول به الأمر.. يعزف هذا الحن ليصرعه هو وقرينه المتلبس به من أمة الخفاء.

استغربوا عزف هذا اللحن في وقت مبكر كهذا.. كانت تلك تعليمات القادم الغريب.. حتى العازف الكهل استغرب ذلك حين طلب منه ذلك.

لكن الأمر مختلف في تمانحت البيت.. اللحن المعزوف ساعدها على الوصول السريع لحالة الوجد.. الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها الوصول للغاية.. جثت على الأرض.. كان الطفل لا يزال يدور حول نفسه في حماسة.. يصدر منه صوت أقرب لحنين الناقة.. اقترب من وسط التمانحت وقف أمامها.. أخذا يرقصان معا.. يدوران حول بعضهما.. رش القادم الغريب شيئا في الجمرات.. ارتفعت سحابة بيضاء من الموقد الذي عادت جمراته للحياة.. غطتهما السحابة..
لم تعد الشقيقة ترى شيئا.. فقط تسمع حنين الطفل.. القادم الغريب كذلك اختفى في مكان ما.

مقالات ذات علاقة

مـجــدداً

مفتاح العلواني

رواية الحـرز (15)

أبو إسحاق الغدامسي

طماطم حكيّة وقطن وفراغ

آمال العيادي

اترك تعليق