ــ الثقافة تساعد على الفهم والإدراك ثم الانطلاق نحو الهدف ــ
ــ الثقافة مصدر وعي الإنسان، تؤثر على قراراته وتصرفاته
هذه الكلمة “ثقافة” إذا ما تم تطبيقها بالفعل وباقتناع ورؤية، ستُعتبر المدخل الرئيسي لنهضة ليبيا، ويجب أن تبدأ من قمة الهرم في السلطة.. المسؤول في المؤسسة.. المسؤول في المدرسة.. المسؤول في الجامعة.. والمسؤول في الأسرة.. والمسؤول في كل مكونات الدولة. ثم تنطلق الثقافة لتعم كافة أرجاء الوطن. وهناك آليات وأساليب لنشر الثقافة وتعميمها والإسراع في تطبيقها. وهناك عامل مهم هو صيانة مشروع نشر الثقافة لاستمراريتها وتطويرها. الافتقار إلى الثقافة أو ربما نختصرها هنا في كلمة (التخلف) اعتبره من أكبر مصائبنا التي نعاني منها الآن..
الدول المتطورة التي نراها الآن في العالم الأول والعالم الثاني نجدها قد سبقت الدول المتخلفة في العالم الثالث لأنها تعمل جاهدة على تثقيف سكانها بكافة الوسائل المتاحة. لقد بنت لنفسها منظومات رائعة في التثقيف من خلال الديموقراطية في الانتقاء وفي حرية الرأي، وشجّعت ذلك بسن قوانين تحمي المواطن في مؤلفاته واختراعاته ووفرت له الكتب والمعلومات بكافة انواعها عن طريق المؤسسات التعليمية وعن طريق الصحافة الحرة. كما أن هذه الدول وضعت مقاييس ومعايير وقوانين صارمة لتحمي الجميع ولتعطي لكل ذي حق حقه ولتردع المخطيء. وضعت الحوافز التشجيعية بشتى الوسائل لاستخلاص أفضل ما يتمتع به الإنسان من ابداع كامن يمكن أن تستفيد منه الدولة.
فالدولة تُخطط والإنسان يُنفذ. حيث أن الإنسان هو الآلة والأداة. وعليه فإن هذه الدول تعرف جيداً أن جودة الآلة تعتمد على مكوناتها من الأجهزة الدقيقة داخلها التي تعمل طبقاً لطريقة التصميم والصنع. وإذا لم تكن تلك الأجهزة والأدوات مصنوعة بشكل دقيق ومن معدن فائق فإن الآلة لن تعمل بشكل جيد. وهذا ينطبق على الإنسان الذي هو بمثابة الآلة كما ذكرنا.. يعمل في منظومة الدولة التي يخطط لها أهل السلطة ويصممونها بالطريقة التي يرونها لتطور الدولة في المستقبل، ويضعون تصاميمهم هذه على فترات زمنية ترتبط كل واحدة منها بالفترة التي تليها والتي تسبقها لكي لا ينفلت زمام الأمور في التصميم والأداء وتغيرات العصر. كل دولة وكل نهضة وكل عصر له رؤوسه التي اجتمعت وبادرت ونفذت عملية تطور الوطن، وذلك هو الانتصار الأكبر.
اكتشف الأوروبيون أن طريقهم الوحيد للتطور هو بطلب العلم وتثقيف سكانهم وهذا لن يأتي الاّ بمنح الحرية والديموقراطية لتخرج الابداعات وتستفيد منها الدولة. وهذا بالضبط ما حدث خلال فترة النهضة الأوروبية في القرن الرابع عشر منطلقة من فلورنسا في ايطاليا ثم انتشرت بشائرها وخيراتها على بقية الدول الأوروبية، فظهرت الاختراعات والمنافسات، وانتشرت المصانع لتسهيل حياة الإنسان، وتعددت الاختراعات الطبية للتخلص من الأمراض التي كانت متفشية في أوروبا فصنعوا الأمصال للتخلص من الأمراض المعدية القاتلة، وتوسعت رقعة الجامعات والمؤسسات العلمية الى أن وصلت أوروبا الى ما هي عليه الآن واستفادت منها كل دول العالم… الثقافة في نظري تبدأ من رؤوس السلطة لتكون الأساسات سليمة.. ولتكون عملية نشر الثقافة على عموم الوطن قد صُمِّمت بكفاءة ووعي ورؤية واضحة لوضع مسيرة الوطن على الطريق الصواب خلال المدى القصير والمتوسط والطويل.
لو عدنا الى تاريخ تطور الأمم لوجدنا (واحسرتاه على أيام خلت)! أن العالم العربي والإسلامي تطور لأن الاسلام نشر حرية الفكر والثقافة ولم يضع فروقات بين البشر بمختلف أجناسهم، وعليه كان انتشار الدين الاسلامي في العالم نور أخرج أمم من الظلمات، بما في ذلك أوروبا نفسها. وربط الإسلام الحضارة القديمة بالحضارة الحديثة من خلال الثقافة العربية والإسلامية التي ترجمت الكتب اليونانية بما فيها من علوم لتنقلها الى الحضارات التي تليها. وانفتحت الأفاق بفتح الاسلام الأبواب على مصاريعها لكافة الأجناس التي دخلت الإسلام فظهرت حضارة جديدة ابهرت العالم كله، وكثرت الكتب والعلوم، فكان الأوروبيون يرسلون أبنائهم الى الأندلس ليتعلموا عند العرب العلوم المختلفة والصناعات التي اخترعها العرب ومن بينها صناعة الورق والاسطرلاب والبوصلة والطب والرياضيات والفن وغير ذلك.. هذا دليل على أنه لا فرق بين الأمم الاّ الثقافة كما ذكرت إذا ما وُضعت لها القوانين التي تحميها وتحمي مُـتلقيها.
لـيبيـا الوطن:
لقد مرت ليبيا بفترة طويلة من الدمار المُمنهج، ليس فقط للبنية التحتية وما يتبعها، بل دمار لعقل الإنسان الليبي وتفكيره ووضعه في بوتقة فكرية بلون واحد أخضر اللون تلوّن صاحبه في لون الحرباء الأخضر وأصبح يتغير مثلها بالضبط بالوان مختلفة حتى ينال غايته ثم يعود الى لونه الأخضر باستمرار.. هذا اللون ضيّق أفق المواطن الليبي ونكّد على حياته وجعله لا يبحث الاّ عن كيف يمكنه أن يعيش ويحمي نفسه وأسرته من ارهاب الدولة.. وحُرّمت عليه الثقافة من خلال حرق الكتب ومنع الصحافة الحرة التي كرّسها الطاغية للتهليل والتطبيل لنفسه.. وعليه نسى المواطن الليبي شيء اسمه الثقافة وعاش في عطش ثقافي قاتل أثر على حياته وسلوكه حتى بعد نجاح ثورة السابع عشر من فبراير. فما يحدث الآن على الساحة في ليبيا من خراب كله نتيجة لانعدام الثقافة في المجتمع الليبي. الثقافة التي كان يمكن أن توصلنا الى لغة الحوار لأنها الطريق الوحيد للوئام وتضميد الجراح وحل مشاكلنا ـ يجب وضع الكلاشنيكوف الى جانب واعتماد لغة الحوار فكلنا ليبيين مهما اختلفت أرائنا، وكلنا ضحية لنظام أكل كل ما حوله ثم أصبح يتآكل من الداخل حتى فتك صاحبه بأبنائه وعائلته وبنفسه، والآن ليبيا تُعاني من الفراغ السياسي لأنها كانت دولة الرجل الواحد.
لا ننس أن ليبيا مرت أيضاً بمرحلة طويلة من الاستعمار الإيطالي قبل ذلك، فوجد الطاغية أن ليبيا جاهزة لجبروته وطغيانه، وربما أنا شخصياً أجد أن فترة الثمانية عشرة عاماً من العهد الملكي هي الفترة التي كانت عاملاً مهما في انقاذ الشعب الليبي من التخلف بعض الشيء، فانتجت نخبة من المثقفين قلقلوا حياة الطاغية طيلة فترة حكمه والدليل على ذلك شدة الفتك التي تبناها الطاغية ضد تلك النخبة بالتهجير القسري ونصب المشانق ومجزة بوسليم والاغتيالات في شتى أنحاء العالم. فبرأيي كان لهذه النخبة دور كبير وهام في الاطاحة بنظام الطاغية.
الثقافة تُهذّب الرّوح وتقوّي فكر الإنسان وتفتح له الأفاق بإذن الله تعالى. وكما ذكرت أعلاه فإن الدولة تحتاج الى الإنسان المثقف لتنفيذ برامجها في بناء كينونتها لتصبح في مقدمة الدول في كافة المجالات. الثقافة نور يضيء طريق الإنسان ويضيء طريق الأمم، وعلى الصعيد الشخصي نجد أن الثقافة تفتح لك الأبواب على مصاريعها، وتُحسّن من جودة استيعابك وأدائك.. الثقافة تجعلك تتمتع وتستوعب كل شيء خلقه الله لك في هذه الدنيا.. الثقافة تجعلك ترى الأشياء في أجمل مظاهرها.. وتحذرك من المخاطر لتبتعد عنها وتنجو منها.. لكي تسلك الطريق المناسب في الحياة.. الثقافة نور يخترق الأغوار والأعماق فيظهر ما كان خافياً ومنيعاً ضد حواسك العطشى لنيل العلم من منابعه المتعددة التي توفرت لنا عن طريق التكنولوجيا التي يعيشها العصر الحديث (عصر المعلومات) بحق وجدارة.
الثقافة تساعدك على شق طريقك في الحياة.. وتساعدك على التعبير عن ما يختلج في مكامن نفسك.. وتساعدك على فهم الآخرين.. القريبين والبعيدين منك.. فتُحسّن من أدائك وتصرفاتك.. أي أنها تخلق الوئام بين أفراد الأسرة الواحدة .. وتدعم علاقاتك مع الآخرين.. وإذا ما استُخدِمَتْ الثقافة بأمانة وبشكل سليم فإنه يمكنها أن تقرب من وجهات النظر بين الأمم وتحل المشاكل العالقة من الماضي السحيق مثل العنصرية والحروب والفقر.. وما الفروقات التي تحدث بين أبناء التسعة شهور الاّ من جراء الثقافة.. حتى وإن كانت مكوناتنا البيولوجية مختلفة.. أو كنا من أوطان مختلفة.. فالفرق بيننا هو كلمة “ثقافة”.. حيث من خلال الثقافة التقت أمم وتعاونت، والتقى بشر وتعاونوا على أعمال خيرية في منظمات أسسوها لمحاربة الأمراض والفقر والأضرار المحيقة بالبيئة.. أنت كإنسان فريد (لا أحد مثلك) “مُبرمج” من خلال جيناتك ومن خلال ما تمر به في طفولتك عن طريق أسرتك، وهذا خارج عن ارادتك ولكنك تستوعبه وتستفيد منه، أو ربما تتضرر منه.. ومن هنا تنتقي ما تشاء من الثقافة المتوفرة بحرية لدمج كل المكونات التي يمكنك أن تقوم بتطويعها لصالحك.
المواطن الليبي وثورة فبراير المجيدة:
بسبب موقع ليبيا الجغرافي على الشاطيء الجنوبي من البحر المتوسط، وتبؤها قمة القارة الأفريقية (تاجاً على رأس أفريقيا)، فقد عانت من ويلات الغزاة طمعاً في خيراتها، ولم تسنح الفرصة للمواطن الليبي لينال من الثقافة حقه.. كونه مواطناً مُستعمراً من قوات خارجية.. وعليه لا يحصل الاّ على الفتات من كل شيء بسبب كونه مواطناً من الدرجة الثانية أو الثالثة حتى. والاستعمار لا يأتي بالخير على الشعوب المُستعمرة، بل يأتيها بالفتك والتفقير والإفساد ليحكم في راحة وهناء، فهو يعرف جيداً أن التجهيل يساعد المستعمر في الحكم. وهكذا استفاد الطاغية (المتخصص في التاريخ حسب قوله) من هذه المقولة لتجهيل الشعب الليبي، وافلح الى حد كبير في ذلك، فما ترونه الآن على الساحة من فوضى وجهل وتقاتل على السلطة والمال سببه غياب الثقافة، ثقافة الإحساس بالوطنية، ثقافة سعة المدارك والنظر الى الأمام، ثقافة الروح والوجدان، ثقافة كل شيء في حياة الإنسان الليبي. فهم الآن يتقاتلون على السلطة والمال ويدسّون المكائد لبعضهم البعض بسبب غياب الثقافة.. ونسوا أو تناسوا أن ليبيا تتعرض إلى خطر التقسيم وهناك ألف حجّة وحجّة لاحتلال ليبيا طبقاً لقوانين الأمم المتحدة.. وعندها فقط، ستتوحد الأحزاب والكتل التي تتقاتل الآن على السلطة.. ستتوحد لمحاربة العدو المغتصب ويبدأ النضال من جديد!
والله مهزلة ما بعدها مهزلة.. أجدها مُضحكة ومُبكية في نفس الوقت.. ومن خلال الجهل نسوا أن هناك خيرات كثيرة في ليبيا تكفي دولة يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة ليعيشوا في رخاء ورفاهية.. ولكن في غياب الثقافة نجدهم يمارسون الجشع والكذب والنصب والاحتيال، ويسمحون للأعداء بالدخول بين صفوفهم.. لأن الأعداء نالوا من الثقافة قدراً أوسع ليستفيدوا من الغير.
وهكذا أحذّر من أن كلمة “ثقافة” هذه يمكن استخدامها بعكس ما يُراد بها، فهي سكين ذي حدّين، وهذا بالضبط ما فعله الطاغية، مثلاً استخدامه ثقافة التجهيل، ثقافة التصفيق والتهليل للحاكم، ثقافة القتل، ثقافة الكراهية، ثقافة الحسد، ثقافة الإقصاء، ثقافة الأنانية، وبيع الوطن بابخس الأثمان من خلال ثقافة النهب وثقافة خلق البلابل.. وثقافة جعل المواطن الليبي دائماً يعيش حياة العازة حتى يتسنى للطاغية تنفيذ مآربه، ألم تسمعو بـ (جوّع كلبك يتبعك) حاشى الشعب الليبي.. ولكنهم هكذا اعتمدوا مثل هذه التسميات ولم يخجلوا في بثها بين المواطنين.
ما تحتاجه ليبيا الآن هو البدء في عملية تخطيط دقيق وبتفعيل فعّال لبرنامج تثقيف المجتمع، بدءاً من رؤوس الكوادر، بدءاً من قمة الهرم. تثقيف الأسرة، تثقيف الأم، تثقيف الأب، تثقيف المدرس، تثقيف الأطفال، تثقيف أئمة المساجد، تثقيف كل من يمكنه تثقيف الآخرين. هي عملية هرمية تبدأ من “فوق” وتنشر خيراتها على الجميع.. وأول نقطة في تنفيذ هذا البرنامج هي تثقيف الجميع باعتماد عنصر “الالتزام” في أداء أعمالهم.. والتخلي عن آفة اللامبالاة التي غرسها الطاغية في المجتمع من خلال الاحباط والفقر وغسل المخ، والتخويف والترهيب.
نرجو أن تبدأ الدولة الآن وبدون تأخير في وضع استراتيجية لتثقيف وتوعية الشعب الليبي. يجب وضع ميزانية لهذا البرنامج من خلال القيام بتأسيس “ورش تثقيف وتوعية” ثابتة ومتنقلة… صدقوني أن هناك معادلة دائماً تعمل بنجاح: كلما اعتمدت عنصر “تفعيل الموجب” كلما تحسّنت الأوضاع واستمرت في التحسن… كلما خضعت لعنصر “السالب” كلما زادت المشاكل في التفاقم. وعليه كلما تقوى عودك كلما تحسن مستوى معيشتك.. وكلما ضعفت ووهنت كلما غرقت في المصائب لا سمح الله. فإذا ما بدأنا في تفعيل برنامج التثقيف سنجد أن كل شيء في ليبيا سيكون أفضل من سابقه. لا شك لدي في ذلك. واضافة الى برنامج التثقيف والتوعية، يجب أن تقوم الدولة بتدريب الكوادر الليبية كل في مجالات تخصصها وأن تهيء لها البيئة والحوافز. فهكذا تُبنى الدول.
ليبيا الآن تُعاني بالفعل من مخلفات 42 عاماً من التجهيل في كافة المجالات. وعليه يجب على الدولة أن تبدأ الآن وبدون تأخير في تثقيف الشعب الليبي وتدريبه في كافة المجالات، والاّ فستستمر الكوارث التي حلت بليبيا والتي لم يتوقعها أحد. هناك شباب الآن عاطلون عن العمل من الجنسين يمكن تدريبهم في الداخل أو الخارج لتدريب الآخرين. يمكن للدولة أن تخلق استراتيجية ثقافية تبدأ بتدريب المواطنين على حملات تثقيفية عن طريق:
ـ أئمة المساجد
ـ المدارس
ـ الجامعات
ـ التلفزيون والراديو من خلال المسلسلات والمسابقات والمكافئات والاعلانات والتوعية العامة
ـ المسرح
ـ المحاضرات
ـ المستشفيات
ـ الأسواق المفتوحة حيث يتواجد الناس
ـ الورش المتنقلة لتوعية المرأة
ـ كافة ما يتوفر على الساحة لتثقيف المواطن
وإلى جانب الثقافة والتوعية هناك جانب أراه مهما جداً ويسبق كل شيء في ليبيا حتى ولو من الناحية الإنسانية، الا وهو صحة الإنسان الليبي.
نداء إلى الحكومة الليبية:
وربما يعتقد البعض أن التطرق الى موضوع الصحة هو خروج عن الموضوع، إلا أنني أرى أن الصحة عامل مهم لتهيئة المواطن لتلقي الثقافة… وعليه أرجو مساعدة المواطن الآن وبدون تأخير في تحسين مستوى حياته الصحية والمعيشية من خلال: ♦ عيادات متنقلة الى الأرياف والمناطق النائية لاجراء كشوفات طبية على الجميع بما في ذلك كشوفات العيون والأسنان التي تعتبر عوامل مهمة في صحة الإنسان وراحته مثل صرف نظارات طبية لكبار السن أو نزع الماء الأزرق من عيونهم، ومساعدتهم بتركيب اطقم أسنان. ♦ مساعدة الحوامل على كيفية العناية بالأطفال الخ. ♦ مساعدة مرضى السكر وأية أمراض أخرى بصرف الأدوية الخ. ♦ مساعدة العجزة بتوفير ما تقدمه التكنولوجيا الآن من مساعدات للعجزة كما نراها في الغرب.
هذه بعض من المكونات التي تُهيء الدولة للبدء في البناء والتطور.. أما أن يستمر الوضع كما هو عليه باعتماد اسلوب (اللامبالاة)، واسلوب (عدم الالتزام) واسلوب الصراع على السلطة من خلال الأحزاب والتكتلات والاقصاء ونهب الأموال وايداعها في مصارف في الخارج فإن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على ليبيا وستتقطع أوصالها ولن تنفع أساليب التهديد بعد ذلك، فستجدون أنفسكم وقد كنتم سبباً في فقدان هذا الوطن الجميل. والخطر محدق بليبيا بشكل واضح للعيان.. ومع احترامي إن لم تشاهدوا ذلك فهذا بسبب عامل غياب كلمة “ثقافة”.
لـيبيـا بخيـر:
يمكنني أن أصف حالة ليبيا الآن بأنها تمر بحالة (انفلات شامل). ولكن إن استقرت ليبيا فإن الساحة ستكون مهيأة لدخول المبدعين الكثيرين في ليبيا وخارجها والذين هم الآن ينتظرون بفارغ الصبر للمشاركة في بناء الدولة. ولكن هؤلاء تعودوا على العمل في بيئة يعمها السلام والأمان، بيئة تتوفر فيها معدات واجهزة العمل المتطورة، بيئة تتوفر فيها الحوافز، وأخيرا بيئة تتوفر فيها القوانين التي تحميهم.. والتي يمكن أن نسميها دولة القانون المدعوم بقوات من الردع ضد الآخرين الذين لا يرغبون في المشاركة في بناء الدولة، بل في النهب والقتل لأنهم أصبحوا من المجرمين الذين يحتاجون الى عمليات تأهيل لدخول المجتمع من جديد والعمل (بعرق جبينهم).
هناك أطباء ومهندسين وفنيين وسياسيين ومخططين الخ.. لا يرغبون في العودة الى ليبيا، وحتى إن كانوا الآن في ليبيا فإنهم لا يرغبون في الخروج الى الساحة بسبب الفوضى والقتل والتدمير.. وحالما تهدأ الأمور ستجدون أن ليبيا بخير.. وأن عجلة التطور ستنطلق بسرعة. ولكن هذا يعتمد على وتيرة التثقيف والحوافز والتخطيط. ليبيا لن يخدمها الى أهلها. وبالنسبة الى الذين ينهبون ويدمرون ويعرقلون مسيرة الدولة، فإنني أرجو أن تكون هناك مادة في الدستور تقول: من أين لك هذا؟ هؤلاء لا زالوا يعيشون في أوهام أنهم سيتمكنون من الإفلات من براثن العدالة. وعليه أقول لهم بأن الوقت ليس متأخراً بأن يبدأوا الآن في التوبة والانضمام الى صوت الحق، صوت الوطن ينادي…… والله من وراء القصد.
ملاحظة:
أرى أن هناك فئة من الشعب الليبي عانت كثيراً من جراء حكم الطاغية ومن أحداث ثورة فبراير ـ وهذه الفئة هي الطفولة في ليبيا.. هؤلاء لا حول لهم ولا قوة.. حظهم عاثر، فمن ولدوا خلال عهد الطاغية حُرموا من ايجابيات كثيرة استفاد منها اقرانهم في العالم المتطور، ومن هم أطفال الآن تقلقلت حياتهم الدراسية والمعيشية بسبب ما يحدث الآن.. وعليه أطالب الدولة الليبية بشراء جهاز كمبيوتر صغير لكل طفل، وأطفال الدولة بوضع منهج دراسي حديث أساساته تاريخ ليبيا وعاداتها وتقاليدها الجميلة.. اضافة الى ورش صناعات محلية للأطفال لكي لا نفقد إرثنا الجميل الذي خلفه لنا أجدادنا المباركين في شجاعتهم وطيبتهم وحبهم لليبيا. يجب أن نأخذ من العالم المتطور المفيد وننبذ العادات والتقاليد المضرة التي تدخل عن طريق التكنولوجيا الحديثة. هذا لن يحدث الاّ بالنوايا الطيبة والاجتهاد والالتزام من قبل المسؤولين في ليبيا الذين يعول عليهم الشعب الليبي لقيادة هذا الوطن الجميل الى بر الأمان والنهضة.
______________________________
بريطانيا ـ 18 أبريل 2014م
* سبق لي أن نشرت هذه المقالة في مجلة ثقافة التي تصدر عن وزارة الثقافة والمجتمع المدني