المقالة

وقفات مع عدل النبي صلى الله عليه وسلم

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

العدل قيمة سامية وخلق رفيع لا تستقيم الحياة في كل جوانبها إلا به وهو أس مهم لتكوين دولة مستقرة ومجتمع متوازن وأسرة سوية. وتحقيق العدل وضبط موازينه ليس نافلة بل هو فرض في ديننا الحنيف الذي هو امتداد لرسالات الأنبياء عليهم السلام.

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو للعدل وتأمر بالقسط بين الناس وتنهى عن الجور والحيف والميل. يقول الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) النحل من الآية 90 ويقول: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين) النساء من الآية 135

ويقول تعالى على لسان شعيب عليه السلام: (وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) الشعراء 182/183، وحذرنا من الخلل في موازيننا فقال: (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)الرحمان 7/8.

وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل أخلاق القرآن في سيرته العطرة حتى وصفته أمنا عائشة رضي الله عنها بقولها: كان خلقه القرآن، وقد كان بأبي وأمي يدعو لترسيخ العدل ورفض الظلم ويحقق ذلك في حياته الأسرية وفي علاقاته مع أصحابه، بل وحتى مع أعدائه ليكون نموذجا فريدا لتطبيق معالم العدل ومنارة لرفض الظلم والعدوان.

ولعلي في هذه المساحة أقدم لكم وقفات من عدله صلوات ربي وسلامه عليه:

1- كان النبي صلى الله عليه وسلم نقي السريرة عطر السيرة منذ بدايات نشأته، فلم يتلوث بأخلاق الجاهلية الفاسدة، بل كان مثالا للرفعة والسمو بين قومه حتى لقبوه بالصادق الأمين، وهذان الخلقان الرفيعان (الصدق والأمانة) هما جماع كل الأخلاق الفاضلة فوق أنهما في بعض تطبيقاتهما يعكسان جوانب من خلق العدل، إذ قول الحق والصدق وأداء الأمانات إلا أهلها ما هو إلا عدل في التعامل مع الناس ووفاء بحقوقهم.

2- في العشرينات من عمره الشريف شهد نبينا صلى الله عليه وسلم مع نخبة من سادات قريش حلف الفضول في دار ابن جذعان وهو حلف للدفاع عن المستضعفين ومناصرة المظلومين بغض النظر عن انتمائهم القبلي أو مركزهم الاجتماعي، والنبي شهده وأشاد به بعد بعثته الشريفة قائلا: (لو دعيت له في الإسلام لأجبت).

3- وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم بخمسة أعوام قررت قريشا إعادة بناء الكعبة المشرفة وتعاونوا في بنائها وعندما أرادوا وضع الحجر الأسود اختصموا فيمن سينال شرف وضعه في مكانه حتى كادوا يقتتلوا، ثم اتفقوا على أن يحكموا أول شخص يدخل عليهم، فكان أول الداخلين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: رضينا بالصادق الأمين، فكان حكمه مثالا لحكمته وعدله، فهو لم يمل إلى قومه بني هاشم مثلا ويجعل هذا الشرف لهم، إنما أخذ رداء ووضع فيه الحجر الأسود، ثم أمر أن يمسك كل فرد من قبيله بجزء من هذا الرداء ووضع الحجر في مكانه بيده الشريفة فنالوا جميعا الشرف وحقق العدل بينهم.

وبعد بعثته الشريفة فإن المواقف كثيرة لعلي أذكر منها:

1- على مستوى أسرته كان صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه ويساوي بينهن في النفقة والمبيت، وكان إذا سافر أقرع بين نسائه كما حدثنا أمنا عايشة رضي الله عنها حين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها) رواه البخاري ومسلم.

2- كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة على العدل بين أولادهم ويرفض أي جور في التعامل معهم، فعن النعمان بن بشير أن أباه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله: أكل ولدك نحلته هذا؟ قال: لا، فقال رسول الله فأرجعه)، وفي رواية أنه قال له: (فلا تشهدني على جور) وفي أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.

3- ومن أسس العدالة المساواة في تطبيق الأحكام والحدود متى وجبت على مستحقيها دون النظر إلى نسبهم ومكانتهم الاجتماعية وهذا ما يقرره الإسلام وطبقه رسولنا صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها: (أن قريشا أهمتهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب، ثم قال: (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يردها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطت يدها.

4- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله). ففي هذا الموقف بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بأقرب الناس إليه ليبين أن احكام الله لا تحابي أحدا.

5- ولا شك أن من العدل أداء الأمانات إلى أهلها وإعطاء الناس حقوقهم دون بخس لها، وها هو موقف عظيم لصاحب أعطر وأعظم سيرة في التاريخ، ففي فتح مكة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة من عثمان بن طلحة ودخل الكعبة وكسر ما بها من أصنام وتماثيل ثم جلس بعد ذلك في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة؟، فدعي له فقال: هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر)، وفي رواية أنه قال له: (يا عثمان هو فيكم إلى يوم القيامة لا يغلبه عنكم إلا ظالم)، وفي هذه الحادثة نزل قوله تعالى : (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء58 .

وأخيرا فما هذه إلا وقفات وإضاءات من عدله صلوات ربي وسلامه عليه لعلها تكون لنا منارة نهتدي بها لنحقق العدل في أسرنا ومجتمعاتنا.

مقالات ذات علاقة

ليبيا.. كان يا ما كان

صالح قادربوه

المدرسة وإعادة الإنتاج الآيديولوجي

عمر أبوالقاسم الككلي

كل كتاب وأنتم بخير

فاطمة غندور

اترك تعليق