المقالة

ليبيا.. كان يا ما كان

هنا ليبيا

 
يعتمد الميليشياوي على تكتيك خطير لاقتراف جرائمه والإفلات من العقاب بل وحصد التأييد والإعجاب والإشادة بالجرم، ينبني على تصنيف الخصم بعدو الأمة والوطن والثورة مما يدخله مقام الفدائيين الضروريين، ويقوم حينها بانتهاكاته المجاهرة وسرقاته العلنية لأنها مبررة ومستحبة لكونها أفعال حر يجابه خونة، بل وتعلق صوره في الميادين وتطرح لشبشبه السجادة الحمراء من أثر دماء من قتلهم أو عذبهم أو أرهقهم طغياناً ووطنية!

في ليبيا اليوم الحاكم لا بد أن يتحالف مع الميليشياوي، بل ويضفي عليه الشرعية ويقلده النياشين ويدعوه بالمحافظ على المجتمع وأمنه ومبادئه وأمواله، حتى وإن كان هو المهدد للأمن واللص والماسح بالمباديء الإنسانية العرفية والدينية ماسورة مدافعه وحد سكاكينه وفمه الشهواني.

كان يا ما كان الميليشياوي طفلاً لا يمكنه أن يحيا بدون رعاية محيطه، يوسخ حفاظه ويتجشأ لبناً ويزحف نحو اللعبة البلاستيكية  ويبكي خوفاً وجوعاً ومرضاً ودلعاً.. كان يا ماكان إنسانا ضعيفاً وبريئاً يوماً ما، من زمن بعيد، وليس ببعيد.
يوجه إعلام الميليشيا نظر الجمهور نحو الشعار ويرسم لهم صورة العدو ويعلمهم القيم الجديدة ويحفظهم النصوص المرجعية اللازمة، يلهيهم في الهراء ليتسنى للميليشياوي وهو يبتسم فعل كل الموبقات الوحشية دون أن توجه له سبابة اتهام واحدة، فهو بطل الشعب الطاهر!!

في ظل حكم الميليشيا يختطف الأطفال وتطلب فدية لإطلاقهم، ثم بعد دفعها تُطلب فدية أخرى لا يمكن توفيرها فيتم تعذيب الطفل المختطف والطفلة المختطفة وإلقائهما على قارعة الطريق، ببساطة ودون تأثر ودون أي احتجاج شعبي أو فردي.
في ظل حكم الميليشيا لا تكشف عن رصيدك النقدي ولا تبع أو تشتر إلا خلسة ولا تقتن سيارة جديدة، حتى لا يتم السطو عليك وإهداؤك الرصاصة القاتلة غير المبررة، التي لا تتريث في مخزن المسدس لكون ذلك عاراً في عرف المافيا الشرعية.

حكم الميليشيا ( حلو سُكّر ) بتعبير ذلك المسن المتفائل بالحرية وحلم تحقق العدل ودولة القانون والرخاء والأمان.
الميليشياوي لا يقف على الإشارة الحمراء، لا يقف في طابور الخبز والبنك والغاز والبنزينة والجوازات.. إلخ، هو دوماً على عجل وعابس الوجه وسبّاب لعّان مشّاء بنميم وعتل زنيم؛ لأنه حامي الحمى، بالأرواح والدما.. ليست روحه ولا دمه هو طبعاً.

صاحب عبارة: “نحنا اللي حررناكم”، وربما كان 2011 لائذاً في غرفة رطبة أو راقصاً في محفل النظام أو حاصداً للغنائم من أرزاق الناس وأثاث بيوتهم وإبلهم وأغنامهم وحتى قططهم.. دوماً لديه الحجة، ولكن هل سيتمكن من محاججة ربه العارف العالم عندما يأتيه فرداً دون سلاح ودون نصير من زملائه الأبرار الأطهار في الميليشيا؟

مهما طالت لحيته وقصر سرواله وتعطر بالمسك وتسوك بعود الأراك وسار خلفه المريدون، أو لبس البذلة والكرفتة وتعطر ببرفانات باريس وغسل أسنانه بالسنسوداين وحمل حقيبته مدراء مكتبه المنافقون، يبقى عارياً أمام ضحيته وأمام الله الذي خلقه فسواه فعدله، لكنه أصر على الاعوجاج والشر.

أنت ميليشياوي إذن أنت موجود، هذه الحقيقة الأكثر استيعاباً ووضوحاً وانتشاراً في ليبيا، وما سوى ذلك لا حقوق لهم في التعبير والعيش الكريم، بهذا قضت المباديء الثورجية، وأعلنت منظمات حقوق الميليشياوي، وصدح الإعلام الرخيص.. وطن أقسموا على بيعه ومواطن حلفوا على قهره ومستقبل آلوا إلا أن يضيّعوه، وهم بكل فخر يوهمون شعبهم أنهم حافظوا عذريته وحماة ثرواته وحراس مدنه وقراه، وأن حبهم هو الدستور والصبر عليهم هو الإيمان وتصديرهم في كل مشهد هو الرشاد.. لكن الخالق الجبار المنتقم معهم يسمع ويرى وسيرون أي منقلب ينقلبون كمصير كل طاغ ظالم قبلهم، وكل أفاك أثيم، بذا وعد الله وصدق المرسلون.
 

مقالات ذات علاقة

حكاية عطر الأجساد.. رواية عربية من الصحراء الليبية

المشرف العام

الذاكرة والرائحة…

أحمد يوسف عقيلة

هــواجس انــتخـابــيـة

المشرف العام

اترك تعليق