طيوب عربية

مدخل إلى البلاغة العربية وأسرارها

أثر المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية في تزين الكلام!!

من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي
من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي

“إن من البيان لسحرا، ومن الشعر لحكمة”
(حديث شريف)

قال يحيى بن خالد: “ما رأيت رجلًا قطُّ إلا هبته حتى يتكلَّم، فإن كان فَصِيحًا، عَظُم في صدري، وإن قصَّر سقط من عيني”. (الصناعتين: الكتابة والشعر لأبي هلال العسكري).

قال محمد بن سيرين: “ما رأيت على رجل أجمل من فصاحة” (العقد الفريد لابن عبد ربه).

ولله دره القائل: فَصِيحُ اللِّسانِ بديعُ البنانِ     رفيعُ السنانِ سريعُ القلم. (أبو بكر الخوارزمي)

عزيزي القارئ الكريم..

لقد تناولنا موضوعات شتى في علوم اللغة المختلفة في حلقات كثيرة.. ومن ثم توقفنا مع أسرار البلاغة العربية في نطاق الكلام نطقا وكتابة من خلال القضايا. فقضية البلاغة العربية هنا بجوار علوم اللغة والنحو والصرف والمعاجم وفنون الأدب المتنوعة تعد جوهر لغتنا الجميلة استخداما..

ومن ثم لا غنى عن تطبيق المسائل البلاغية وهذا أمر هام لكل كاتب وأديب وشاعر وخطيب وإعلامي ومعلم وطالب علم بلا شك ، حيث يستخدم البلاغة بأقسامها في تزين الكلام مع شروط فصاحته وسلامته من أي خلال هكذا.. حيث الفصاحة والرشاقة والبراعة وحسن اختيار اللفظ المناسب للمعنى..

فالبلاغة: مطابقة الكلام لمقتضى الحال. مع اختيار اللفظ الدال على المعنى مع شروط فصاحته بعيدا عن التعقيد اللفظي والغموض.. ومؤسس علم البلاغة عبد القادر الجرجاني.

فهناك القول الحسن والقول السديد والقول اللين والقول البليغ.. وقد بلغ القول بلاغة ؛ ورجل بليغ يبلغ بلسانه كنه ما في قلبه.

والعرب تقول: أحمق بلغ وبلغ ، أي نهاية في الحماقة.

وعرف العرب البلاغة قديما حتى قالوا: أفصح من سحبان.. وهو سحبان بن وائل الباهلي صحابي جاهلي دخل الإسلام. كان خطيبًا بليغًا في الجاهلية، دخل الإسلام.

والعربي الأصيل يعلم أثر الكلام الطيب عند الخطابة ، ومعنى البليغ هو الفصيح في كلامه، من يبلغ مطلوبة بعبارة واضحة رصينة. ولذا نلاحظ هذه التعبيرات والتصويرات البيانية في القرآن الكريم في إطار المواقف والأحداث مثل قول الله عز وجل لنبيه موسى وأخيه هارون عليهما السلام: فقولا له قولا لينا، وقد طلب حل العقدة من لسانه.. وقولا بليغا وهناك القول الحسن أيضا.

ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أعطي جوامع الكلم.

وعلم البلاغة ينقسم إلى ثلاثة: “علم البيان، وعلم البديع وعلم المعاني”.

علم البيان:

هو العلم الذي يعنى بإيصال المعنى بطرق مختلفة مع مناسبته لمقتضى الحال أي الموقف الذي يقع فيه.

أما علم البديع:

فهو العلم الذي يهتم بإيراد الطرق التي تجمّل الكلام وتزيّنه لفظًا ومعنًى.

علم المعاني:

 هو فرعٌ مِن فروعِ علم البلاغة الثلاثة.

ويختَّصُ بعُنصر المعاني والأفكار، فهو يُرشدُنا إلى اختيار التركيب اللُّغوي المناسِب للموقف، كما يرشدنا إلى جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون دلالةً على الفكرة التي تخطُر في أذهاننا، وهو لا يقتصرُ على البحثِ فِي كُلِّ جُملَةٍ مُفرَدةٍ على حِدَة، ولكِنَّهُ يمد نطاق بحثِهِ إلى الموضوع..

ويدل على المعاني خمسة أشياء: اللفظ، والإشارة، والكناية، والعقد، والحال.

والبلاغة العربية بأقسامها وتراكيبه تعد موضوعا هاماً لكل كاتب وأديب وشاعر وخطيب وإعلامي حيث يستخدم البلاغة بأقسامها ومحتويات كل علم في التعبير والتصوير من أجل تزين الكلام الذي يخرج من المرسل المتكلم إلى المتلقي المستمع أو القارئ لهذا الإنتاج الأدبي.

مع المحسنات البديعية:

ومن ثم نتأمل سويا خلاصة (المحسنات البديعية) التي أوردها قدامة في تضاعيف كتابه – نقد الشعر – وقد بلغت أربعة عشر نوعاً، وهي حسب ترتيب ورودها في الكتاب: الترصيع، الغلو، صحة التقسيم، صحة المقابلات، صحة التفسير، التتميم، المبالغة، الإشارة، الإرداف، التمثيل. التكافؤ، التوشيح، الإيغال، الالتفات.

وكل نوع يحتاج إلى توضيح وأمثلة تطبيقية لبيان أهميتها في أثر الكلام نطقا وكتابة هكذا.. ويمكن تقسم المحسنات البديعية في اللغة العربية إلى:

المحسنات اللفظية: وهي تشمل التصريع والجناس والازدواج وحسن التقسيم والسجع.

والمحسنات المعنوية: وهي تشمل الطباق والمقابلة والتورية ومراعاة النظير والالتفات.

وكلاهما يستخدمان من أجل الزينة والزخرفة اللفظية والمعنوية في الكلام، والأمثلة عليها في اللغة العربية كثيرة.

الصور البيانية والمحسنات البديعية: هو استخدام لفظ أو تعبير لغير معناه الحقيقي لعلاقة غير المشابهة مع وجود قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي للفظ، وسمي بالمرسل لأنه غير مقيد بعلاقة واحدة كالاستعارة وإنما علاقاته كثيرة (الجزئية، الكلية، المحلية، الحالية، السببية، المسببية، اعتبار ما كان، اعتبار ما سيكون).

الخلاصة:

عزيزي القارئ الكريم تذكر أن الفائدة هنا تعود في عجالة إلى خصائص المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية معا على النحو التالي:

أولا المحسنات اللفظية: وهى التي تعنى بتحسين وتجميل الكلام من الناحية اللفظية بداية من:

التصريع: التصريع خاصّ بالشعر ويكون باتفاق الشطرين في الحرف الأخير، مثل: اختلاف النهار والليل ينسي… اذكرا لي الصبا وأيام أنسي.

الجناس: يعني الجناس اتفاق كلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى، وهو نوعان:

– تام (تتفق فيه الكلمتين في عدد الحروف ونوعها وترتيبها وحركتها) ومثال عليه: يقيني بالله يقيني.

– وناقص (وهو الذي تختلف فيه الكلمتين في عدد الحروف أو نوعها أو ترتيبها أو حركتها) ومثال عليه:

قول أبي تمام: بيض الصفائح لا سود الصحائف.

السجع: وهو اتفاق جملتين أو أكثر في النص في الفواصل أي الحرف الأخير، مثل: الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع.

حسن التقسيم:  ويكون في الشعر فقط، ويعني تقسيم البيت إلى جمل أو كلمات متساوية في طولها وإيقاعها، مثل: الوصل صافية والعيش ناغية… والسعد حاشية والدهر ماشينا.

الازدواج: وهو في النثر فقط، ويعني توافق الجمل وتوازنها في الطول والتركيب والإيقاع، مثل:  حبّب الله إليك الثبات، وزيّن في عينيك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى.

ثانيا المحسنات المعنوية:

المحسنات المعنوية هي ما يُعنى بتحسين الكلام وتجميله من الناحية المعنوية.

الطباق: ويعني الطباق الجمع بين الكلمة وضدّها في الكلام، وهو نوعان: طباق إيجاب (الكلمة وعكسها) مثل: لا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وطباق سلب (فعل مثبت ومنفي) مثل: قوله تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”.

المقابلة: تكون المقابلة بالجمع بين جملة أو أكثر متقابلتين في الكلام، مثل: قوله تعالى: “ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث “.

التورية: تعني ذكر كلمة تحتمل معنيين أحدهما قريب ظاهر والآخر بعيد مخفي وهو المقصود.

 مثل:

فقد ردّت الأمواج سائلة نهرًا، نهرًا لها:

– معنى قريب هو نهر النيل.

– والثاني بعيد وهو الزجر والكفّ وهو المقصود.

مراعاة النظير:

مراعاة النظير تعني الجمع بين شيء وآخر يناسبه في المعنى بشرط ألا يكونا ضدّين، مثل: قول المتنبي: الخيل والليل والبيداء تعرفني. والسيف والرمح، والقرطاس والقلم.

الالتفات: الالتفات هو الانتقال بين الضمائر في الكلام (متكلم، ومخاطب، وغائب).

وفي نهاية خاتمة المطاف نتمنى أن نكون قد قدمنا للقارئ الكريم إفادة بلاغية موجزة حتى تعم الفائدة المرجوة من وراء هذا القصد النبيل.. بعد هذا العرض الموجز لمدخل البلاغة العربية وتعريفها ومفهومها وأقسامها الثلاثة:

علم البديع وعلم البيان وعلم المعاني في وضوح.

كي نخلص إلى فكرة أثر المحسنات البديعية في تزين الكلام والكتابة..

وفي نهاية الموضوع نركز على مدى استخدام المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية وأثرها تطبيقا في تزين الكلام نطاقا وكتابة معا بين المرسل المتكلم والمتلقي المستمع دائما.

مقالات ذات علاقة

تخبأ قاب محارة أو أدنى

آكد الجبوري (العراق)

درس فـــي القلــــب

حسين عبروس (الجزائر)

السعودية تطلق منحة أبحاث الشعر.. العربي احتفاء بعام الشعر العربي 2023

المشرف العام

اترك تعليق