قصة

الاتجاه المعاكس

الجدارية، من أعمال التشكيلية الليبية مريم الصيد
الجدارية، من أعمال التشكيلية الليبية مريم الصيد

لاحظ الكثيرون تواجد الأطفال بكثافة على جانبي الطريق الرابطة بين طرفي القرية. والذي تعبره الدراجات الهوائية. وسيلة المواصلات الوحيدة في هذا المكان.

يلوح الطريق ضيقا. مستقيما إلى حين في المناطق الخالية.

ومتعرجا. متسعا. عند اقترابه من البيوت المتناثرة على الأطراف.

يقف الأطفال عادة أو يجلسون جماعات أو فرادى على الجانبين. مبعثرين في غير انتظام. وعند مرور الدراجات يتسمرون في أماكنهم بدون حراك. ويتابعونها وهي تعبر على عجل وفي سرعات خاطفة في الاتجاهين.

وعندما تتوارى بعيدا. وتبدوا كأنها أشباح هاربة. يتبعثر الصمت وتتبعثر معه مجاميع الأطفال. ويعلو الضجيج والضحك والصفير.

في المساء.

أمام استراحة البيت.

طلب الأب وهو يرشف من كوب الشاي. من ابنه أن يجلس أمامه.

اتكأ كعادته عندما يريد الحديث. وطلب منه أن يحدّثه عما يفعل هو وباقي الأطفال على جانبي الطريق كل يوم.

..

كانت زوجته متقرفصة في الجوار. قال لها أن الخبر كان قد انتشر في القرية. ولم يجد له الكبار تفسيرا. وإن لم يعره البعض أي اهتمام يذكر ولم تشكل معرفته أي أهمية بالنسبة للبعض الآخر. ما دام الشجار لا ينشب بين الأطفال ولا يسبب في أي إصابات بدنية.

ولكنه أكد لها بأنه يريد أن يعرف.

..

فوجئ الولد بهذا الطلب. وأحس كأن في الأمر شيئا أو كأن ما فعلوه يستوجب العقاب. وما سؤال أبيه إلا للتأكد قبل إنزال العقوبة. لكنه لم يجد مفرا من قول الحقيقة التي سيعرفها أبوه حتما منه أو من غيره. فقال دون أن يرفع عينيه. أو ينظر باتجاه والده :

– كنا نتابع سير الدراجات على الطريق !

فوجئ الأب. ونظر إليه نظرة توحي بعدم اقتناعه. وهز رأسه علامة عدم رضاه بالإجابة. وقال :

– وماذا في ذلك. هذا سبب غير كاف لتواجدكم هناك. كل يوم.

فتردد الولد قليلا ثم رفع رأسه وقال :

– إنها العجلات يا أبي !

– ماذا. العجلات. كيف. ماذا بها ؟

– إن أسلاكها. عندما تسرع. تدور عكس اتجاه السير !

بهت الرجل قليلا. وأطرق مذهولا.

وللحظة. تقرفص وبحلق في الفضاء أمامه بإمعان.

وللحظات أخرى. غمر المكان الصمت والسكون !


من المجموعة القصصية (تداعيات آخر النهار) التي لم تطبع بعد 2014/2015م

مقالات ذات علاقة

زلة لـسان

عطية الأوجلي

الدهليز…

أحمد يوسف عقيلة

الممرضة…

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق