النقد

القاص جمعة الفاخري وأسلبة ال (ق ق ج)

الشاعر والقاص والباحث في التراث جمعة الفاخري
الشاعر والقاص والباحث في التراث جمعة الفاخري

كلّما قرات للقاص جمعة الفاخري من قطرنا اللّيبي، أشعر وكأنّه ليس من همّه الكبير أن يمرّر خطابا/ فكرة فحسب. على الرّغم من أهمية الفكرة في العمل الابداعي. ولكن همّه الأساس كيف يعرض ذلك، وكيف يصل إلى المتلقي المفترض. وكأّنّه يدرك أنَّ الأفكار متوفرة عند الجميع. وأنّه مُلم بما ينسب للجاحظ الذي قال: ” الأفكار ملقاة على قارعة الطريق، المهم كيف نلتقطها “

والتقاطها يعني التّعامل معها إيجابا أو سلبا، وذاك ما نعني به الأسلوب. مادام أنّ: “كلّ شيء في هذه الحياة عبارة عن أفكار مُتجسّدة” كما يرى حوزيف مورفي.  والأساس ليس الأفكار، إنما في طريقة استيعابها، وفهمها، وتمريرها للآخرين. فالقاص جمعة الفاخري ـ من خلال نصوصه يتبينُ أنّه يُدرك أنَّ العبرة في معيار الذَّوق (the standard of taste ) والذّوق أساس بنائه الأسلوب. أرأيتَ كم إنسان يحدثنا في أمور نعرفها ونبقى مشدوهين، ومشدودين إليه، وكأنّنا مُسَحّرين مُسْتلَبين.. نعيشُ معه الحلقة المَشهدية كاملة، مع أنّهّ لا يقول شيئاً لا ندركه، أو يغيب عن علمنا وفهمنا.. وهذا ما يدخل في إطار اللّسانيات الإدراكية (cognitive linguistics ) التي تبحث في العلاقة بين الثّقافة والّلغة والإدراك، وهي تعالج اللّغة باعتبارها جزءًا لا يتجزّأ من الثقافة والمعرفة . لهذا يلاحظ المتلقي أنّ القاص جمعة الفاخري، لا يسعى في كتابته القصصية إلى تجذير الفكرة، وإحاطتها بطلاسم الغموض، وأقنعة الرّمز، وإشكالات الأسْطرة .إلا لمامًا. إنّما سعيه العام ــ وحسب متابعتي لإنتاجه ــ سَعي يتأرجَحُ بين البنيتين: السّطحية والعميقة كما يصطلح على ذلك تشارلز هوكيت(Charles Hochett )

حقا البعض يفهم ال (ق ق ج) غموضًا فنِّيا، وتكثيفًا لغويا ، وإيجازًا ومَجازا ، ورمزًا.. فلا يجاري أسلوبا غير هذا، ولا يَفهم ال (ق ق ج) إلا في هذا الاطار.. من العتمَة و الضَّبابية و عدم التّبسيط و الوضوح.. وهذا صحيح في إطار من فنّية الكتابة القصصية دون مُغالاة وإبهام..  وفي حدود ما يَستوعبُه الادراكُ، ويسمح به الاستقراء والاستنباط، ويُتيحهُ التّأمل والتّأويل..

والاشكالية تتضح حين نعود للأسلوب ومدى مُلاءمته. فهو الفارقُ والفيصلُ بين مُبدع وآخر. تلافيا للسّقوط في النّمطية، والتّكرار. ومنذ عقود خلت،  قال الأكاديمي الفرنسي جورج جويس بوفون في غشت 1952: الأسلوب هو الرّجل “Le style c’est l’homme وبيَّن موضحا في الأكاديمية الفرنسية قائلا : ” الجودة الأولى للأسلوب هي الوضوح.” 

La première qualité du style, c’est la clarté “

والمراد بالوضوح، الوضوح الفنّي ليس إلا..

مقالات ذات علاقة

(صُندُوقُ الرَّمْلِ).. تَارِيخُنَا بِنَكْهَةٍ أَدَبِيَّةٍ

يونس شعبان الفنادي

حيوانات العريبي

المشرف العام

الهروب من جزيرة أوستيكا.. تنتصر للحب في زمن القهر

جمعة بوكليب

اترك تعليق