هو نمط شعري يعتبر جديداً نسبياً، وهو يختلف عن الشعر الشعبي في عدم التزامه بالقافية وفي خروجه عن بحور الشعر الشعبي وأنماطه المتعارف عليها، ويختلف عن الشعر الحر وشعر التفعيلة في عامية لغته، ويختلف عن الشعر الغنائي في طريقة نظمه، إذ يلتزم الشعر الغنائي بترتيب أبياته أو رباعياته بطريقة تيسر إنشاده، بينما لا يلتزم المحكي بذلك.
البعض يعتبره تقليداً للشعر العامي في مصر، والذي من أبرز رواده الشاعر (أحمد فؤاد نجم)، وكذلك الشعر المحكي في لبنان ومن أهم رواده (سعيد عقل)، إلا أن البعض يرجعه إلى عصر الأندلس.
أما تسميته بالشعر المحكي فقد جاءت من لبنان.
بدأ الشعر المحكي الليبي في نهاية الثمانينيات أو بداية التسعينيات من القرن الماضي، واستمر حتى وصل عدد شعراء المحكية في ليبيا إلى خمسة شعراء، وهم:
بدرية الأشهب.
محمد الدنقلي.
الصيد الرقيعي.
سالم العالم.
أحمد الجلنقة.
ومنذ ذلك الحين لم يزد عددهم ولم ينقص، وكأنهم أصابتهم دعوة بأن لا يزيد عددهم ولا ينقص، أو لعلها تخميسة في عين الحاسد!.
وتختلف بدرية الأشهب في أنها تجنح أكثر إلى الشعر الشعبي وتبدع فيه.
حاول الكثير من الشعراء الشعبيين وبعض النقاد الاستنقاص من شعرية المحكي، واعتباره نمطاً لا يمت إلى الشعر بأية صلة، حتى أن بعضهم يسخر منه ويسميه (الشعر المحشي).
إلا أن هذه السخرية لا علاقة لها بالنقد الموضوعي، فالشعر المحكي مليء بالصور الشعرية البليغة والخيال الواسع، كما يرى البعض أن شعراء المحكية استعصت عليهم القافية فهربوا منها، وأن الشعر المحكي هو الجحش الذي يمتطيه من لا باع له في الفروسية.
ومن وجهة نظري أن هذا الكلام خالٍ من الموضوعية، وعارٍ عن الصحة، لأن القافية من جماليات الشعر التي تغطي على بعض عيوبه، وترك القافية يضع الشاعر على محك الإبداع في الصور الشعرية إذ ليس له ما يغطي عيوبه!.
ورغم أن أداة الشعر المحكي هي اللهجة العامية، إلا أن شعراء المحكية قد اتخذوا سبيلاً بين العامية والفصحى، أو ربما كما يسميها البعض لهجة بيضاء.
فعلى سبيل المثال: هذا جزء من نص للصيد الرقيعي، للوهلة الأولى تظنه قد كتب بالفصحى:
“مَهْمَا اخْتَلَفْنَا فِ الْجَسَدْ
يَبْقَى الْجَسَدْ
مَدَارَاتْ
فِيهَا يَشْتَبِكْ
أَسَاطِيرْ مِنْ عَالَمْ بَعِيدْ
وأَطْيَافْ مِنْ حَقِيقَهْ
وأَسْئِلَهْ وَأسْرَارْ
الْجَسَدْ بَرْزَخْ يَلْتَحِفْ
بْظَلْمَةْ الْمَاءْ
مَابِينْ طِينْ ونَارْ
الْجَسَدْ دَايَمْ فِ الْجَسَدْ
لايْجِفّْ فِيضْ مْنَابْعَهْ
ولاتَنْطَفي
فِ صْوَامْعَهْ أَنْوَارْ”.
ويرى بعض شعراء المحكية أن الشعر المحكي هو امتداد للشعر الشعبي، أو هو طور جديد من أطواره، وأنه سيُنحِّي الشعر الشعبي عن عرشه ويجلس مكانه، لكن تجربة أكثر من ثلاثة عقود تقول غير ذلك، فلا يزال الشعر المحكي حبيس أقبية النخبة المتعالية على الواقع، والمباينة لعامة الناس، والمترفعة على همومهم وآلامهم!
وهذا بلا شك ينبئ بزوال فقاعة الشعر المحكي، وأن بقاءه طيلة هذه السنين ما هو إلا بسبب حضانة (الخمسة) له، وأنه سيزول بمجرد زوالهم!