سيرة شخصيات

رحلة مكتشف المواهب

السيرة الذاتية للفنان كاظم نديم

الذكرى الـ17 لرحيل الفنان الكبير كاظم نديم

الفنان كاظم نديم.. من أعمال التشكيلي صلاح الشاردة.
الفنان كاظم نديم.. من أعمال التشكيلي صلاح الشاردة. الصورة: عن الفيسبوك.

ما عن تذكر الأغنية الليبية، إلا ويذكر اسم (كاظم نديم) كأحد الأسماء المهمة في تاريخ الأغنية الليبية، وبشكل خاص فيما يتعلق بالتجديد في الأغنية الليبية، كملحن أبدع في تقديم مجموعة كبيرة من الأغاني الليبية في مختلف الموضوعات، إضافة إلى القصائد والأناشيد الدينية.

الفنان كاظم نديم، واسمه الحقيقي كاظم نديم بن موسى، من عائلة بن موسى من العائلات المعروفة في مدينة طرابلس القديمة، المعروف أفرادها بالاهتمامات العلمية والثقافية والفنية. فوالده هو الصحفي “محمود بن موسى” مؤسس أول جريدة ليبية (الرقيب العتيد – 1908)، الذي نفي وأسرته إلى تركيا نتيجة مواقفه الوطنية ضد الغزو الإيطالي.

كان ميلاده بمدينة طرابلس، في العام 1925م، في زنقة الريفي، منزل رقم 35 بكوشة الصفار بالمدينة القديمة – اطرابلس، ليعود إليها صحبة أسرته وهو ابن عشر سنوات، أي في العام 1935م.

حياة عملية وفنية عامرة

بدأ الفنان كاظم نديم حياته العملية والفنية في العام 1947م، مدرساً للغة العربية والدين، صحبة مجموعة من أعلام التعليم في طرابلس، نذكر منهم: معروفة مثل الشيخ علي سيالة وبن معروف ومحمود المسلاتي. وفي نفس الوقت كان يقوم بتلحين الأناشيد الوطنية لطلبة المدارس الابتدائية والثانوية، وتدريب الشباب على هذه الأناشيد في النوادي والمؤسسات، على مختلف نشاطاتها الفنية والثقافية والرياضية. كان يجيد العزف على ثلاث آلات موسيقية هي؛ العود، والبيانو، والأكورديون، ولحن في ذلك الوقت ما يزيد عن 250 نشيدًا وطنيًا، نذكر منها نشيد (هيا ارفعوا علم البلاد) للشاعر أحمد قنابة، ونشيد (رفعنا اللواء بأيدي الفداء) للنائب والشاعر بشير المغيربي.

الفنان كاظم نديم في شبابه (الصورة: عن الشبكة)
الفنان كاظم نديم في شبابه (الصورة: عن الشبكة)

تتويجا لهذا الجهد، جمع الفنان 200 صوتًا، من مدارس مختلفة، ووحد لهم الزي، في مهرجان موسيقي، أبهر الجميع، ليتم تعيينه بعدها رئيسًا للنشاط المدرسي على مستوى ليبيا، وهي تجربة مهمة في مسيرة الفنان الفنية لأنها أتاحت له زيارة معظم المدن والقرى والصحارى الليبية، إضافة إلى التدريس في عدة مدارس.

تم تكليفه رفقة: علي مصطفى المصراتي، أحمد الحصائري، محمد أبوعامر، عبدالقادر أبوهروس بتأسيس الإذاعة وكان ذلك في يوليو عام 1957م، وفي ذات السياق، كلف برئاسة قسم الموسيقى وإنشائه، ونتيجة لتجربته في النشاط المدرسي ومن خلال برنامجه الشهير في الإذاعة (ركن الهواة) اكتشف، عديد الأصوات الغنائية، نذكر منها: محمد رشيد وخالد سعيد وأحمد سامي ومحمود كريم ويوسف عزت وعلي القبرون ومحمد السيليني وراسم فخري ومحمد مراد وأحمد كامل وسالم البارودي وعبد الفتاح إسماعيل وعبد السلام القرقارشي، وغيرهم من نجوم الطرب.

في عام 1961م كلف برئاسة قسم التمثيل، واستمر في رئاسته حتى عام 1968م، حيث أوفد خلال هذه الفترة إلى إيطاليا، لدراسة الإخراج المسرحي والتلفزيوني.

عندما تقرر تأسيس المسرح الوطني، في العام 1966م، كلف الفنان كاظم نديم برئاسته، ليكلف من بعد بإدارة معهد (جمال الدين الميلادي للموسيقى والتمثيل) في 1970م.

ليعود مجددًا للتعليم، حيث كلف في 1972م، برئاسة النشاط المدرسي على مستوى ليبيا، وفعلًا ازدهر في ذلك الوقت النشاط المدرسي، وكانت تقام المهرجانات والحفلات والنشاطات في شتى المجالات إلى أن توقف النشاط تدريجيًا.

لتنتهي هذه الرحلة العملية، بتقاعده من الوظيفة العامة في العام 1985م، وتفرغه لاكتشاف الأصوات والتلحين والأعمال الموسيقية.

حكاية أنور الطرابلسي

يذكر الفنان كاظم نديم، أن علاقته بالفن بدأن منذ نعومة أظفاره، حيث عرف بميوله للغناء، حيث كان صحبة والده في إحدى المناسبات الدينية، فطلب منه الغناء، صحبة الشيخ قنيوة، الذي كان يصاحبه بالعزف على العود، حيث أدى أغنية (راجل محلاه يصلي ويعبد مولاه)، التي لاقت استحسان الحضور الذي كان يردد المقاطع وراءه.

لكن المجتمع الذي شجع المغني الصغير، كان يقف موقفًا حادًا من المغني الشاب، حتى العائلة المعروفة بالعلم والثقافة بم تقبل أن يكون أحد أبناءها مغني، فقام بالغناء باسم “أنور الطرابلسي”، وألحان “كاظم نديم”.

الفنان كاظم نديم مخرجاً بالإذاعة الليبية (الصورة: عن الشبكة)
الفنان كاظم نديم مخرجاً بالإذاعة الليبية (الصورة: عن الشبكة)

وقدم باسم “أنور الطرابلسي” مجموعة من الأغاني الوطنية والعاطفية والقصائد، وكانت جميعها من ألحانه، ليختفي رويدًا “أنور” المغني، ويلمع نجم “كاظم” الملحن.

الفنان المسرحي

ارتبط الفنان كاظم نديم بالمسرح مبكرًا، من خلال نادي النهضة ونادي العمال، إلى أن تم دمج الناديين في نادِ واحد سمي بـ(نادي الإتحاد) عام 1944م، وكون رفقة زملائه بالنادي فرقة تختص بالتمثيل والمسرح والموسيقى، وشارك في عدة مسرحيات، قام بإخراجها ولعب فيها دور البطولة، نذكر منها على سبيل المثال: مسرحية طارق بن زياد / مسرحية خالد بن الوليد / مسرحية نكبة البرامكة / مسرحية قاتل أخيه / مسرحية جناب المفتش / مسرحية ولد شكون / مسرحية الفرسان الثلاثة. وفي العام 1951م، أسس (الفرقة القومية للتمثيل) رفقة: إدريس الشغيوي ومحمد قنيدي وعمورة الباروني .

ملحن القصائد

عرف الفنان كاظم نديم مبكرًا بتلحينه للقصائد الشعرية، فكانت أولى القصائد التي لحنها، قصيدة (صلوات في هيكل الحب) للشاعر أبوالقاسم الشابي، وقصيدة (مصالحة) للشاعر أحمد رفيق المهدوي، ثم توالت القصائد لأحمد الشارف ومحمد التركي وعبد الوهاب البياتي الذي لحن له قصيدة (المستحيل)، ونزار قباني قصيدة (ما عاد يغريني)، وعلي الرقيعي وخالد زغبية وغيرهم .

الفنان كاظم نديم صحبة مجموعة من الفنانين الليبيين (الصورة: عن الشبكة)
الفنان كاظم نديم صحبة مجموعة من الفنانين الليبيين (الصورة: عن الشبكة)

لكن هذه القصائد لم تجد من يغنيها، لاتجاه الفنانين في ذلك الوقت لغناء الأغاني الشعبية، ليدخل الفنان هذه التجربة، ويقدم فيها عددًا كبيرا من ألحانه محلياً وعربيًا.

الملحن مكتشف المواهب

أشرنا في معرض حديثنا عن الفنان كاظم نديم، تجربته المميزة والكبيرة في اكتشاف المواهب، سواء من خلال النشاط المدرسي، أو برنامجه (ركن الهواة) الذي قدم من خلاله عديد الأصوات الغنائية التي أثرت المناخ الفني في ليبيا، فغنت له عديد الأصوات الليبية والعربية.

خلال تعمله بقسم الموسيقى بالإذاعة الليبية بدأ تقديم ألحانه، وكانت من أولاها أغنية (حبيت ما أقدرتش أنبين / حبي خائف لتهجرني تحطم قلبي)، بصوت الفنان “سلام قدري” الذي سجل بها وجوده في الساحة الفنية في ليبيا، وفي ذات الفترة أيضاً، قدم أولى أغنيات الفنان “خالد سعيد” التي سجل بها بداية مشواره الغنائي، أغنية (بيناتكم يا سكنين الحارة) من ألحانه، ومن كلمات الشاعر “علي السني”. ليأتي من بعد الفنان “عبدالله المشاي”، والفنان “علي القبرون”، الذي برز كمطرب من خلال برنامج الإذاعي (ركن الهواة)، ومن بعد الفنان أحمد كامل.

ونستطيع القول إن الفنان كاظم نديم، قدم ألحانه لأغلب الفنانين الليبيين، ومجموعة من الفنانين العرب، نذكر منهم: نعمة، عُليا، نورة أمين، صابر الرباعي (من تونس)، هاني شاكر، وسوزان عطية (من مصر)، وأصالة (من سوريا).

رحلة عامرة بالعطاء

الفنان كاظم نديم حاضرا أحد أنشطة الرابطة (الصورة: عن الشبكة)
الفنان كاظم نديم حاضرا أحد أنشطة الرابطة (الصورة: عن الشبكة)

من بعرف الفنان كاظم نديم، يعرف روحه المرحة وهمته العالية، وانحيازه الكلي للفن الليبي، والأغنية الليبية، ودفاعه المستميت عنها، لهذا لم يكتفي بالتلحين والتأليف الموسيقي، بل كان له إسهامه من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية، حيث أعد وقدم بعض البرامج وأدار بعض السهرات الفنية، وكان حاضر الذهن.

مثل ليبيا في عديد المهرجانات والملتقيات واللقاءات الموسيقية، محليا وعربياً ودولياً، وكان مشاركاً في المناشط الثقافية والأدبية وكان إيجابي الحضور بالمشاركة والتعليق، وكانت لي تجربة شخصية معه، عرفته فيها من خلال عملي بصحيفة (الشط) من خلال حضوره لمقر الصحيفة، بالقبة الفلكية، واللقاءات التي كانت تجمعه مع الفنانين الليبيين بمقهى القبة، وخلال مناشط رابطة الأدباء والكتاب الليبيين.

في الأربعاء 27 يونيو 2007م، أعلن عن وفاة الفنان الكبير “كاظم نديم”، بعد أزمة صحية ألمت به عن عمر يناهز 82 عاما، ورصيد يتجاوز الألف لحن.

مقالات ذات علاقة

محمد الهادي عرفه

رامز رمضان النويصري

الروائي الليبي محمد علي عمر ..

محمد العنيزي

أربعون شاعر المسرات

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق