الثلاثاء, 8 أبريل 2025
النقد

رؤية نقدية لققج للكاتب الليبي حسين بن قرين درمشاكي.. بعنوان: وطني.

من أعمال التشكيلي: معتوق أبو راوي
من أعمال التشكيلي: معتوق أبو راوي

النص

وطني!
غداً ستنهض على قدميك؛ وستخيط من جلد صبرك، كفناً لأعدائك.
حسين بن قرين درمشاكي / كاتب وقاص ليبي

الرأي

النص أقرب للومضة القصصية، ولكنه يفتقد بعض شروطها:

الصدر: جملة فعلية في زمن الماضي.

العجز: جملة فعلية في زمن الماضي.

مع توافر باقي الشروط:

العنوان إسم

بين الصدر والعجز فاصلة منقوطة.

في نهايتها نقطة.

لذا سنذهب إلى تسميتها قصة قصيرة جدا.

اختبار شروط القصة:

الزمان والمكان:

غدا: مستقبل الأيام.

الوطن: يحدد المكان.

الشطر الأول

الاستهلال:

بلغة المخاطب استهل كاتبنا نصه، حدد الزمن في المستقبل، وخاطب بضمير المخاطب (أنت).

ستنهض:

المضاد تسقط مما يعني أن الغاية بعد السقوط قيام ونهوض.

لماذا حدد المستقبل للنهوض ولما يحدد زمن الحاضر وهو سؤال بديهي وإجابته

أن الحاضر لا يوفر فرصة النهوض،كما أن زمن المستقبل غير محدد هل هو المستقبل القريب أو المستقبل البعيد، وهنا يبرز عنصر التفاؤل الحذر فلم يحدد الكاتب زمن المستقبل وتركه مفتوحا فعسى أن يكون قريبا!

المخاطب له أقدام ولكنه لا يستطيع الوقوف عليها، وإذا كان مثلنا بشريا، فحتما سيستغرق وقتا حتى يستعيد توازنه ويقف على قدميه.

هل يحتاج هذا البشري لمن يذكره بهذه القدرة، وهو في أمس الحاجة ليقف من جديد ؛ليعود لممارسة حياته كما كانت من قبل. مخاطبته تعني أنه يستبعد هذه القدرة، ولا يثق في نفسه ؛لذا احتاج لمن يدعمه ويشد أزره ويعضده.

وضع الكاتب أمامنا قضية طرفاه:

صاحب المشكلة (من سقط). وصديقه الذي يشجعه على النهوض.

هنا يبرز الحدث وهو:

استعادة القدرة على النهوض. نلاحظ صيغة الكلمة (ستنهض)، وتفسر الإرادة الداخلية لمن سقط وبأنه قادر وحده على صنع الحدث، دون مساعدة من أحد. ما يحتاجه هو الشحن المعنوي حتي يستعيد قدراته فيقوم وينهض على قدميه هو. المعنى متكامل (من سقط يستطيع وحده النهوض دون مساعدة من أحد).

لازال الغموض يحيط بمحاور النص فمن هما الصديقان؟ وماهي الأسباب التي أدت لسقوط أحدهما؟ فبقي زمنا حتى تقدم صديقه ليشجعه على النهوض!

الشطر الثاني

كنوع من التكثيف لقضية السقوط وتسليط الضوء على تعدد أسباب السقوط فتأتي الصياغة: وستخيط من جلد صبرك.

الواو حرف عطف، (ستخيط) فعل في زمن المستقبل معطوف على فعل سبقه في زمن المستقبل أيضا (ستنهض)، ستنهض، وستخيط النهوض هو الخطوة الأولى بعد استعادة القدرة الذاتية، ثم التقاط الأنفاس، فالشروع للخطوة التالية والتي تخص رد الفعل بما يشير إلى أن السقوط كان بفعل فاعل بما يستلزم إعداد العدة لرد الصاع صاعين!

هنا نشير لعنصر الزمن رغم أن الفعلين في زمن المستقبل ولكن بينهما زمن التتابع بما يعطي فرصة لإعداد العدة حتي لا يتكرر السقوط من نفس الفاعل الذي يمتلك قوة قاهرة جعلته يحدث هذا السقوط ويصيب من سقط بالإحباط مما استدعى تدخل الصديق لشد الأزر، وإعادة الكرة مرة أخرى بانتصار ساحق!

ستخيط من جلد صبرك كفنا لأعدائك. بعيدا عن الصور الجمالية نقف على ردة الفعل فبعد النهوض ستكون الضربة ساحقة ماحقة تودي بالعدو ولا تكتفي بإسقاطه، وهنا نرى رد الفعل أقوى بكثير من الفعل حيث أن النتيجة إزهاق روح العدو بصورة نهائية.

القاص حسين بن قرين درمشاكي
القاص حسين بن قرين درمشاكي

صور بلاغية

– ندرك الآن أن من سقط هو الوطن وليس بشريا، وتأتي بلاغة الوصف بتصور أن للوطن أقدام، وبأنه سقوطه مثل سقوط البشر، ونهوضه بنفس طريقة البشر تستغرق زمنا يكون فيه الشعور المعنوي جوهريا، ثم التقاط الأنفاس، فاستعادة القدرة على النهوض!

– وبنفس النهج تصور أن للوطن أيدي تستطع حياكة كفن، وهنا نجد تداخل المعنوي مع المادي: الكفن مادي والخياطة لمادي، ومادة الكفن (القماش او الجلد)من الصبر وهو معنوي. التضاد في المعني يعطي قوة ستنهض مضاد لفعل مخفي وهو السقوط.

أجاد الكاتب في وصف درجة السقوط وبشاعتها حين جعل الداعم خارجي ودوره بث الروح المعنوية ومقاومة الإحباط والتشاؤم، وجاء استخدام زمن المستقبل ليوضح أن القدرة على النهوض ليست بالسهولة واليسر حتى تلي زمن السقوط وإنما تتطلب زمنا غير محدد منه المعنوي ومنه المادي حتى ينجح في استعادة توازنه والقدرة على النهوض من جديد.

– أظهر الكاتب قوة الأعداء من خلال تسليط الضوء على الروح المعنوية كما وضحنا في تفسير عنصر الزمن وتفسير تأخر رد الفعل، وجاء ذكر كلمة صبر بما يبرر هذا الزمن الطويل ويلقي الضوء على أن التسرع سياتي بعواقب غير محمودة، والتروي سيكون له مردوده الساحق الماحق، ويدعم قوة الأعداء المفرطة.

تعقيب

النص بديع منذ اختيار العنوان بصيغة الملكية وطني ويبرر وضع الصديق الحميمية التي جعلته يبذل الجهد المضني في عدة مراحل:

بث الروح المعنوية.
المساندة حتى حدوث فعل النهوض.
توجيه باستخدام أداة التجهيز للقيام.
برد الفعل الساحق وتحقيق الانتصار المبين.

تكاملت القصة وزاد حبكتها مهارة استخدام الصور البلاغية، وكان عنصري التشويق والتكثيف حاضرين طيلة السياق، وراعى الكاتب المقولة الشهيرة: ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة وزاد عليه بحياكة الكفن للأعداء!

مقالات ذات علاقة

أوان بوح القصيدة

المشرف العام

الكاتب الليبي محمد الأصفر.. السندباد الروائي الثوري

المشرف العام

الشعر والجمهور

عادل بشير الصاري

2 تعليقات

حسين بن قرين درمشاكي 21 يونيو, 2024 at 09:08

فيوض محبة وأكاليل ورد على سخاء النشر وبهاء التوثيق.

رد
المشرف العام 21 يونيو, 2024 at 10:00

نشكر مرورك الفاضل

رد

اترك تعليق