قد لا يكون صحيحاً القول إنّ نحن كليبين لا نحتاج إلى أن نتفق على كلّ شيء قد نختلف فيه وعليه بالأشباه والنظائر أو بكشف الإختلاف والعمل من خلاله للبناء وليس الخراب وبالذات في السياسة وربما في كلّ اتجاه وبشكل عام من شأنه أنْ يتعلق بمشروعات مستقبلية أو مواجهة لصروف الدهر التي لا نحيط بها معرفة ولا نعرف في ايّما اتجاه تسير.
فهل من المؤكد أننا لا نستطيع أن نتفق على بناء هذا البلد الذي غدى – سياسياً – منكوداً يلهو بالصور والصراخ وبالبطولات المزورة وعدم تجانس الألوان والأصوات دون الاهتمام الصريح بالشؤون والأوضاع السياسية المُتردية وضرورات التغير الأجتماعي على اساس التقدم والأرتقاء إلى الأفضل وألأعلى هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجهل عن جهل متعمد مدمّر أنّ الوئام والتصالح والوفاق قرين الخلاف والتباين في عرف السياسة ؟ أليست اللغة الشّرسة هدرٌ للوقت والعقل ؟ بل اليست الثقافة التي تتشكل في الذهن في صورة بضاعة رائجة هدفها الأول سحق الخصم تدخلنا في عصر من الفوضى الفكرية لا نرى له نهاية؟
نتفق أو لا نتفق أمرٌ عادي متفقٌ عليه وهوأمرٌ ضاهر لا يقهره الخلاف في أعمق لحظات الذهول و ضبابية الرؤية ، وقد يصير عند إجتراره مأزقاً يفضي بالبلد إلى كوارث ومخاطر وهبوط عام للحياة السياسية و لدور السياسة ويظل البلد يتأرجح بين الهبوط العاصف و الصعود نحو الهاوية وكأن شيئاً لم يكن أمام فكرة الواجب الثقافي الذي يتعامل مع المختلف في أغلب الأحوال، غير أنّ – من جهة أخرى- ذلك لا يمنع من أن نواجه واقع ليبيا كما هو الآن منذ ذاك الماضي الذي يستقرفي مرآة التاريخ الذي عاشه الكثير وساهم في بنائه أو التأثير فيه بالصواب أو بالخطأ . أنْ نتفق أو نختلف هو باب الدخول إلى عالم الوفاق الوطني دون إكراه أي الدخول في عالم الأصلاح السياسي على أنْ يكون هذا العالم مفتوحاً امام الجميع.
وهذا الحاضر العاصف بالصورة والشعر والغناء المشحون بالعاطفة عليه أنْ يدرك أنّ تمجيد الماضي والتحيز له يفتح الباب لإشتعال اللهب العاصف تحت راياته الملونة ، وهذا السفرمن فروض الماضي المليء بالحماسة والتشنج والتعصب والخطب المتوهّجة النارية بسحر الكلام وتاثيرها الهائل في جموع الناس لا يفيد في مواجهة المستقبل معرفياً وعملياً ، فعدم الإنتقال إلى عصر المسؤوليات واستمرار السلوك السلطوي في الكثير من تجلياته وصوره يرسخ في الأذهان أنْ بناء دولة القانون حالة مستعصية قد تؤدي إلى كارثة محققة.
كيف نجتاز هذه الهوة خشية النسيان والغموض والصدع؟
لمواجهة هذه الهوة قد نحتاج للسعي المتواصل عقلانياً لتقريب هذا الذي نراه ونعتقد فيه إلى ما يراه الآخرون ويعتقدون فيه لفهم أسباب ومصادر هذه الهوة وعيوبها كطريق عملي لبناء دولة عصرية مزدهرة ومتطورة.