حاوره: د. محمد الأمين جبار
المكتبة المنزلية سرّ صناعة أصحابها ،فمن وراء أوراقها النديّة تطلّ عيون الموهبين، ومن خلفها تتفتح قرائح الشعراء والأدباء، وتتسع رحاب المفكرين وبفضلها تزدهي حياة المقبلين على المطالعة، فهي زينة الزمان والمكان وعنوان كلّ عاشق مدنف يلتقي أحبته في تفاصيل الكلمات وفي تباريح المعاني الرقيقة الساحرة.. كانت وما تزال رنق وعنوان الثقافة والمعرفة والعلم ،وذلك رغم شبكة التواصل الحديثة، ورغم كلّ ما تستهلكه تلك المنصات والمواقع تبقى المكتبة نبض التاريخ، ووهج تفاصيل الماضي والحاضر والمستقبل.. فتعالوا بنا لنطل على تفاصيل رجل أدمن الكتابة شعرا ونثر للكبار وللصغار في الجزائر وفي الوطن العربي الأديب / حسين عبروس.
المكتبة الخاصة في البيت رفعة رأس وبياض وجه وجنة الشباب المثقف ورفيقة الشيخوخة، وملاذ القارئ المتقاعد وملجأه من جلسات المقاهي ووقفات نواصي الشوارع، وعاصمه من فارغ القول وإضاعة العمر النفيس فيما يضر ولا ينفع، وفيها قال شاعر الجزائر ” أحمد سحنون” (1907_2003): ومن بنى دارا ولم يتخذ / مكتبة فيها فلن يرشد فيها يلقى صاحبها رفقاء يحلو معهم حديث النهار وسمر الليل، لا يكلون ولا يملون، ولا يعيبون ولا يعابون، وهي حديقة المثقف البهيجة، و مواطن سياحته في آفاق العلم والفكر و الحضارات والوجدان، وإنشاء المكتبات الخاصة موروث إسلامي أصيل، وتقليد علمي جليل، وفن لا يعيه إلا كل ذي ذوق نبيل، وبهذه النظرة المسؤولة العميقة والروح العلمية الدقيقة، شغف علماؤنا وأمراؤنا وأثرياؤنا قديما بالكتب فقرأها وجمعوها وجعلوها مواضع مهجهم، حتى انهم كانوا يرون نكبتهم في أموالهم وبقية أعراضهم أيسر عليهم من ضياع مكتباتهم، وسار المعاصرون من المثقفين والكتاب والباحثين على هذا التقليد الجليل فكونوا مكتبات الخاصة التي كانت موردا لبحوثهم و أعمالهم الفكرية والإبداعية، وكانوا أحرص عليها من المهج والأهل والولد، ولهذه الاعتبارات كلها وجدت من باب الواجب علي أن أكتب عن المكتبات الخاصة التي زرتها وأذن لي كرام أصحابها أن أتحدث عنها، أو أن أحاورهم حولها، ومن هؤلاء الفضلاء الشاعر الناثر الصحفي الأديب المبدع الأستاذ “حسين عبروس” الذي قال عن مكتبته:
ماهي أول مكتبة فتحت عليها عينيك ومداركك؟
متي بدأت تكوين مكتبتك الخاصة؟ وفي أي طور من أطوار تحصيلك العلمي كان ذلك؟
هل تذكر-فضيلتكم- أول كتاب اقتنيته؟ وهل مازلت محتفظا به؟
– إنّ من أعظم التجارب التي عرفها العالم .هي تجارب عظماء التاريخ مع الكتب والكتابات والمكتبات، وقد ظلّ الكتاب هو الأنيس الوحيد، والصديق الوفي في حياة صاحبه لكلّ قارئ متلمّس طريق العلم والمعرفة في شتى مجالات الحياة، وفي تاريخ عظماء البشرية كتّبا ومبدعين وشعراء وروائيين ومفكرين وساسة ، وكبار صناع تفاصيل الحياة، ظل الكتاب ديدنهم الأبدي في الحلّ والترحال ،وذلك ما فتّحت عينيّي عليه منذ عرفت طريقي إلى تهجية الأبجدية ،فكان حلمي هو تأسيس مكتبة متنوّعة المصادر والمراجع، ومازلت أذكر كيف بدأت اول خطوة بأوّل كتاب كان هدية من أحد أساتذتي وهو كتاب تاريخ الأدب العربي لحنا الفاخوري، وتوالت رحلة الهدايا مع كتاب أهداه إلي الشاعر الجزائري الكبير محمد الاخضر السائحي وأنا التقي به لأول مرة سنة 1976،وكنت وقتها تلميذا في مرحلة المتوسط.. وقد كنت من المنتسبين في تلك المكتبة البلدية التي جعلتني أدمن القراءة، وتعددت المكتبات في وهران وفي الشلف وفي الجزائر العاصمة ،تنوّعت مكتبتي مع مرور الزمن اقتناء وإهداء.. وكانت ذات طابع أدبي في المقام الأول، وتنوّعت في المقام الثاني في عدة مجالات علمية وثقافية وتراثية.
-ماهي الكتب التي تحويها مكتبتك؟ وما النمط الغالب عليكم في انتقاء الكتب؟
هل تتضمن مكتبتكم بعض المخطوطات أو نفائس المطبوعات، كمطبوعات مطبعة بولاق القديمة أو المطابع الحجرية؟
– تشتمل مكتبتي الصغيرة على مجالات متنوعة منها :
– الكتب التراثية على سبيل الذكر- منها كتاب الدرر المكنونه في نوازل مازونة لموسى التلمساني- وكتاب التعليقات والنوادر لأبي علي هارون بن زكاريا الهجري
– وكتاب ربيعة الرّقي وهو ديوان شعر من العصر الجاهلي، وكتاب المعلقات السبع ،وكتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري طبعة تزيد عن قرنين من الزمن وكتاب المقامات للحريري طبعة قديمة جدا، وكتاب بدائع الدهور لابن الياس، وكتاب العمران لإبن خلدون، ومعجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي وهو أول معجم في اللغة.
وفي المجال الشعري تشتمل مكتبتي الصغيرة على العديد من الدواوين الشعرية من مختلف العصور والتجارب الشعرية في الجزائر وفي الوطن العربي.. كما تشتمل على العديد من المجموعات القصصية والروائية والكتب النقدية.
-هل تغطي مكتبتك حاجتك في كتابة البحوث دون الرجوع إلي المكتبات العامة أو الخاصة؟
– في كثير من الأوقات أجد نفسي لا أحتاج في الرجوع الى مكتبات خارجية للاستعانة ، وفي بعض الحالات أرجع الى مؤلفات ودراسات لا تتوفر عليها مكتبتي الخاصة، ومع تطور وسائل الاتصال عبر شبكة التواصل الاجتماعي هانت المصاعب وتوفرت المعارف والكتب حتى كادت تنسينا في الكتاب لولا المحبة والإخلاص لها.. لقد استفدت من مكتبتي كثيرا وتعلمت أمورا لم تعلمنها لنا المدرسة أو الجامعة، وخاصة عندما كنت أعدّ برنامجي الإذاعي “قطوف دانية” للإذاعة الثقافية مدة عشر سنوات. كما استفاد المستمع المتابع للبرنامج. في الفترة ما بين 1997حتى2007.
هل تتخذ تصنيفا معينا لمكتبتك؟
– أنا لا أتخذ تصنيفا معينا لمكتبتي الصغيرة بل تركت الأمر يجري بعفوية تامة ،فالكتاب مترك دون تحديد مكان خاص به، أو تصنيف معين أبحث عنه كلّما استدعت الضرورة إلى ذلك.
هل تبيح كتبك للإعارة، وهل تشترط علي المستعيرين إعادة الكتاب؟
– كتبي الخاصة هي وقف على الأسرة ولا تباح للإعارة الخارجية إلا في بعض الحالات عندما يطلب من أحد الأصدقاء كتابا معينا فلا أبخل به عليه ،وتمنيت لو كلّ جيراني يقصدونني في مجال الكتاب ،وفي مجال المعرفة لكنت ساعتها من أسعد خلق الله لكن للأسف لا يستعيرون الكتب ربما أشياء أخرى.
هل تحتفظ بنسخة أو أكثر من كل الكتب والأبحاث التي أنجزتها؟
– نعم احتفظ ببعض النسخ ممن انجزتها والتي صدرت لي وهي في مجال الشعر مجموعات شعرية للكبار منها :ألف نافذة وجدار- النخلة أنت والطلع أنا- طرق على حديد القلب- ما تأبى من الطيف. ومن أشعار الأطفال هما مجموعتان :- ندى الطفولة – أغنيات دافئة.
– وفي مجال القصة للطفل فهي كثيرة في شكل سلسلة تاريخية، وسلسلة روائع الإبداع، وسلسلة علمية لليافعين. وفي مجال الدراسة: كتاب أدب الطفل وفن الكتابة وعلى متن سفينة المتنبي، وفن الإقلاع عن التدخين، ومتيجة ليلة أول نوفمبر..
– ولي أعمال أخرى قريبا سترى النور إن شاء الله في مجموعة شعرية جديدة ودراسة في أدب اليافعين والطفل ومجموعات قصصية للأطفال واليافعين.
هل تطلع علي كل كتاب تقتنيه أو يهدى إليك؟
– الكتاب عندي لا فرق بينه وبين ما أقتنيه في مجال القراءة مادام بين يدي ، ومن طريقتي في القراءة هي تلك القراءة المصحوبة بتسجيل الملاحظات حول ما أطالعه من الكتب وربما ذلك يوحي إلي ببعض الكتابات النقدية.
علي ذكر الكتب المهداة، الكتب التي تهدي لكم، هل تخصصون لها جانبا خاصا في مكتبتكم؟
– لقد تلقيت العديد من الكتب المهداة من أدباء وشعراء كبار من الجزائر والوطن العربي على كما سبق القول فالكتب عندي في مكان واحد لا أحال تخصيص لها مكان خاصا بل أتعامل معها يسيل الذكر لا الحصر الشاعر الكبير المرحوم السوري عمر بهاد الدين الأميري والشاعر الكبير سليمان العيسى والكاتب الكبير الروائي الطاهر وطار والقاص والروائي سعيد بوطاجين والروائي الكبير المصري إدوارد الخراط ، والشاعر الكبير الدكتور المغربي حسن الأمراني والشاعر محمد علي الرباوي والكاتب رابح خدوسي ،والشاعرة الأردنية عائشة الخواجة الرزام والشاعر اليمني المرحوم محمد حسين هيثم ،والشاعر المصري المرحوم محمد أبو دومة والشاعر والروائي عزالدين مهيوبي ،والقائمة طويلة في القصة والرواية والنقد .بكلّ عفوية وهي كثيرة. شعرا وقصة ورواية ودراسة.
الكتب كالناس يتفاضلون في القرب من النفس، فما أقرب الكتب إلي نفسكم-بعد كتاب الله عز وجل وكتب السنة المطهرة-طبعا؟
– الكتب عندي أناس من لحم ودم، ومن فكر وأنفاس متصاعدة طيبة عطرة ومنها المحببة لجميل مضمونها ومحتواها الفكري والإبداعي والفني، ومنها الثقيلة على النفس العصية على القراءة وذلك ما يجعلني اتعامل معها ببعض الإهمال في كثير من الحالات، والكتب تمثل لي الأزمنة والعصور التي كتبت فيها..
ما مكان المجلات والدوريات والصحف في مكتبتكم العامرة؟
– لقد ولعت بمتابعة بعض المجلات العربية والدورية نظرا لقيمتها الفكرية والعلمية والأدبية. منها مجلة الفضيل والعربي والدوحة والاقلام والرافد والمشكاة ومجلة المجلة والحوار وغيرها من المجلات وكلها تقدم مجالا معرفيا، غير أنها لا ترقى في نظري إلى مصاب الكتب.
(علي استحياء) كيف يتعامل أهل بيتكم الكرام مع كتبكم .؟
– أهل البيت الزوجة والأبناء يتعاملون مع ما في المكتبة ما يشغل بالهم من اهتمامات فإن وجدوا ضالتهم اقتربوا منها وإن لم يجدوها ظلّ احترامهم قائما لهاوانا في كل الحالات أحاول أن أكسب صداقتهم للكتب. أمّا الكتب التي أكتبها فلها طعم خاص لديهم وينتابهم الفخر بذلك.
بعد عمر طويل مبارك، ما المآل الذي تخططون له ليكون مآلا لمكتبتكم؟
– أنا لا أخطط لفعل الكتابة بل أترك المجال مفتوحا للفكرة التي تطرأ صدفة ،أو التي تلحّ عليّ بقوة في وقت معين، ولم يخطر ببالي بأن أكون ثريا من مداخيل الكتابة، وذلك ممكن في عصر التكنولوجيا المتطوّرة، ولكن عندنا في الجزائر تجري الرّياح بما لا تشتهي السفن.