الطيوب : استطلاع / مهنّد سليمان
أصبح القاصي والداني يُدرك مدى ما يعيشه العالم اليوم من انفتاح كبير يصل حد الانفجار جراء الثورة التقنية على الشبكات المعلوماتية وسطوة المنصات الاجتماعية المفتوحة على الآفاق التي تُحرّك مسار الوعي الجمعي للأفراد والجماعات بيد أن هذا ليس كافيا ربما على الأقل في حدود منطقتنا وعالمنا العربي فبرغم ذلك مازالنا نطالع من حين إلى آخر أخبار المصادرة والحجب والمنع للمنتوج الإبداعي ومصنفاته وأجناسه الثقافية والفكرية والفنية من قبل الأجهزة الكلاسكية والرسمية لبعض الدول والأنظمة العربية، فقبل فترة قصيرة تداول رواد الصفحات الإلكترونية خبرا مؤاده إقدام إدارة معرض القاهرة الدولى للكتاب خلال دورته الأخيرة لهذا العام على منع وحجب نسخ من الكتاب المعنون (شعرية تاريخ ليبيا…الليبيون مؤسسو الحضارة المصرية) للكاتب والباحث الليبي “محمد الترهوني” الصادر عن منشورات مكتبة طرابلس العلمية العالمية للنشر والتوزيع، ما أثار ردود فعل غاضبة ومستنكرة لهذا المنع من قبل شريحة واسعة من الكتاب والمثقفيين الليبيين ، ولعل العنوان الفرعي للكتاب المذكور هو الذي أذكى حفيظة المسؤولين المصريين معتبرين بأن مضمونه يتعرّض بشيء من الإساءة لتاريخ الحضارة الفرعونية القديمة، فعوض المُحاججة ومقارعة الفكرة بالفكرة يستسهل بعض هؤلاء المسؤولين وأنصارهم من الشيفونيين قرارات المنع والحجب والإقصاء، لكننا في المقابل أيضا علينا التساؤل هل وقع الكاتب الترهوني في مغالطة مع التاريخ ؟ أم أنه حاول من خلال كتابه إعادة قراءة التاريخ وغربلة ما ترسخ على أنه حقيقة مطلقة ؟ سنحاول في هذا الاستطلاع الوقوف على مواقف الكتّاب واستعراض وجهات نظرهم.
منع ارتجالي
وفي هذا الصدد توضح الناشرة السيدة “فاطمة حقيق” مدير عام مكتبة طرابلس العلمية العالمية إلى أنها كجهة ناشرة فوجئت بما حدث حيث أنها لم تتلقى خطابا مباشرا من إدارة معرض القاهرة للكتاب يفيد باستبعاد كتاب شعرية تاريخ ليبيا ما جعلها في حيرة من أمرها حين اكتشفت الأمر عن طريق نائبة مدير المعرض التي حسب حقيق سحبت جميع النسخ المعروضة للكتاب بجناح اتحاد الناشرين الليبيين مهددة باغلاقه إذا وجدت نسخ أخرى مضيفة بالقول إن هذا أول إصدار للمكتبة تتم مصادرته فطوال أكثر من 30 عام من المشاركات العربية والدولية للمكتبة في التظاهرات الثقافية لم يحدث أن تعرّض كتاب نشرته أو توزع المكتبة للمنع، مشيرة أنه كان من الأولى طرح الكتاب للنقاش والدعوة لإقامة ندوة حوله لتحليل ما جاء في مضمونه وليس منعه وحجبه.
الماضي حجر الزاوية
بدوره أكد الكاتب “محمد الترهوني” مؤلف الكتاب أن الكتابة عن تاريخ ليبيا يفترض ألا تستفز أيا كان، وأنا هنا أتكلم عن تاريخ ليبيا والليبيين ولم يخطر في بالي أن الحديث عنا قد يستفز أحد ما قدمه محمد الترهوني موجود في الكتاب والمفروض أن يتم العودة إليه لمعرفة إذا ما كان الأمر مجرد فرضية أو أنها حقيقة تاريخية تؤكدها العديد من المصادر، وحول الهدف من كتابته لشعرية تاريخ في هذا التوقيت بيّن قائلا: ليبيا لأن الماضي هو حجر الزاوية وبالعودة والإجتماع حوله يمكن أن يكون لنا مستقبل،ولأن ليبيا في نظر الكثيرين مجرد حفنة من الرمال ملطخة بلون النفط لا أكثر،والحقيقة أن ليبيا لها تاريخ عظيم و فيها عاش الناس أكثر من حضارة ويمكن العودة والبداية من جديد على أساس من هذه النظرة لها ولأنفسنا. مضيفا بالقول : ليس هناك ما يسمى الحقيقة إلا إذا اعتقدنا أن لكل أمة حقيقة تحاول امتلاكها من خلال تاريخها،لأن الماضي ليس مجرد كتلة صماء واحدة،هناك ماضي مقسم إلى اجزاء:سياسي،ثقافي،تاريخي،اجتماعي،والماضي السياسي بالذات لم يخدم الأمة الليبية،علينا البداية من الماضي التاريخي الذي يسرد حكاية هذه الأرض والتمسك به
وفي سياق متصل عبّر الشاعر والروائي الليبي الشاب “سراج الدين الورفلي” عن استهجانه مما حدث مؤكدا بأن طالما ليس هناك قراءة حقيقة للكتاب فكل هذا الجدل لا يدل سوى على ثقافة سطحية ومبتذلة مبني على عاطفة جمعية مهترئة، موضحا أن المغالطة الكبرى الوحيدة التي أعرفها إلى الآن في هذا الصدد هو هذه الردود العنيفة ،مازلت لا أفهم ذلك ،كيف نحكم على شيء لم يقرأ بعد
الدور القيادي لليبيين تاريخيا
وأردف الورفلي قائلا : إن التاريخ بصفة عامة هو عبارة عن قليل من الآثار الملموسة والكثير، الكثير جدا من وجهات النظر المتباينة والمتفاوتة . ولأني كنت على مقربة من مشروع هذا الكتاب فأنا أعلم مدى الجهد الذي بذله الكاتب محمد الترهوني والقراءات الدقيقة والمنفتحة التي قام بها طوال أكثر من ثلاثين عام من البحث ، إن مايقوله الكاتب ليس جديدا فهو يستعرض داخل كتابه أهم ماقاله المؤرخين والمستكشفين عن هذه النظرية ، لكن الترهوني استطاع بسبب جديته أن يوجه كل شيء في اتجاهه الصحيح ، نحن نعلم تمام المعرفة أن تاريخ ليبيا قد همش وقُزم ،وصار الليبيين يعلكون التاريخ العثماني والايطالي والذي يظهرون فيه كممثلين كومبارس هامشيين داخل مسرح وطنهم، ولكن غير ذلك التاريخ ، التاريخ القديم الذي يتكلم عنه الترهوني ،كان لليبيين دور قيادي ليس على المستوى الاقليمي فقط ولكن يتعداه لابعد من ذلك بكثير ، هذه الحقيقة لن تعجب الكثيريين بالطبع ، ولكن يؤسفنا أن نخبر الجميع بأن سواء أعجبهم ذلك على مضض أو لم يعجبهم ،فإن تاريخنا الحقيقي يبدأ من هناك وليس من أي تاريخ آخر ،لقد كنا هناك -لانراقب فقط -وإنما ننسج مع الآخرين الفجر الأول للحضارة البشرية.
ضيق أفق الواقع العربي
من جانبه أشار الكاتب والقاص “إبراهيم بشير زائد” أنه كان بالامكان تفادي المنع والحجب بطريقة مناقشة الكتاب بشكل حضاري وفي نطاق ثقافي وخاصة أن القضية تاريخية وقديمة والمحيط كان واحد ولا توجد دول قطرية ولايمكن فصل تاريخ نوميديا أو قرطاج او الليبيو والمشواش والفراعنة عن المحيط الجغرافي…
وأعتقد أن هناك نزعة ضيقة في التناول هي اقرب للغضب منها للواقعية، وتابع : وبعيدا عن النشر الأمر لا يعدو كونه نوع من العنصرية والفوقية التي يمارسها جيراننا المصريين، كما أوضح زائد أن بعض المثقفون الليبيون اعترضوا على كتاب (الجيل الرابع) من الجواسيس لكاتبة مصرية في 2017 في ذات المعرض لأن البعض رأي فيه تعدي على المرأة الليبية وخاصة أن الكتاب تطرق لأسماء شخصيات ليبية بعينها لازال الواقع العربي يعبر عن ضيق أفقه بالكتاب وخاصة التاريخي والديني والسياسي.