النقد

قراءة في قصيدة استثنائية للشاعر المتميز المهدي الحمروني

الشاعر المهدي الحمروني
الشاعر المهدي الحمروني

بجمالية استثنائية؛ وسياق غير تقليدي بالمطلق وشهقة صوت شعري منذور للوجع الغامض في الوجود؛ يستخدم الشاعر المهدي الحمروني مقولة تقليدية تماما في المعجم العربي الإسلامي بين الاصدقاء في العادة والسائدة على نحو متواصل في الخطاب اليومي للعرب “أحبك في الله” ولكن هذه المرة هنا يجسد الحمروني فيها الشعر بطلا مثاليا ساميا.. فيقول في جملة غاية في العذوبة رغم استخدامها اللا نمطي على مسمع العربي:

“أيها الشعر؛ علم الله أني أحبك في الله..”

ولكن دعونا نمضي الى متن هذا النص الاستثنائي للمهدي الحمروني..” ينبت عفوية من ظلال”؛ هذه حقا قصيدة خطيرة في كل تفاصيلها وتأويلاتها؛ بقدر ما هي جريئة وعلى نحو مفارق في دلالاتها؛ حتى أنها تدخل الى نطاق المسكوت عنه؛ ليس من جهة الطوطمية الثلاثية المعتادة اي مقدسات “التابو” الثلاثة لدى المجتمع أي (الجنس والدين والسياسة) بل دخلت إلى العلاقة المبهمة الغامضة بين الشعراء أنفسهم ونظرتهم الى نتاج الآخر (الصديق/اللدود) “صاحب مهنتك عدوك” وهي مسألة شائكة ومن النادر التطرق إليها في قاموس الشعراء ودروبهم؛ حيث من غير الطبيعي أو المأمول ان يمدح شاعر نص شاعر آخر حتى لو كان قرينه او رفيقه او حتى رفيق رحلته الشعرية؛ حيث في مرحلة نضج ما تبدأ المسارات بالاختلاف والمفارقة والبحث عن استقلال ذاتي للانا المجردة “العليا”، وهنا يقوم المهدي الحمروني الشاعر المتميز بتشريح هذه العلاقة وتفكيكها من عناصرها متكأ على إرث سوسيولوجي عميق للمجتمع العربي وعلى إرث ديني متجذر بكم هائل كبير من المعجم الديني والقرآني تحديدا يحاول الحمروني من خلاله النأي بنفسه عن الحسد او النظر بعين التابع او حتى المتبوع؛ وبدلا من ذلك يحاول أن يبرئ “استقلاليته الشعرية” بمخيالها الخاص جدا – في ظلال الواحة – ولهب شمس الصحراء؛ من أية انانية “محتملة” ولا يغمط الآخرين من أقرانه من مكانتهم.. ونائيا بنفسه عن تلك الجلبة التي عادة ما يثيرها الشعراء في محافلهم و “كتاتيبهم” أثر ظهور نص متميز او قصيد لشاعر بعينه؛ وهنا يكرس استقلالية خياله وخصوبة عالمه وخصوصية حالته؛ والتي تعب خصبها وسحريتها في حالة الازل كونها بعيدة عن كل تكهن تقليدي او تفسير يدني بمكانتها.. نظرا لأن قداسة تلك المخيلة الشعرية بريئة مشفوعة بمفردتها وأجوائها وحتى صحرائها التي يعيشها الشعراء خيالا؛ ولكن الشاعر هنا يعيشها حقيقة واقعة وخيالا استثنائيا.. مفارقا؛ والقصيدة مازال لديها الكثير لتقوله.. ما لم يسبق أن قاله أحد من المعاصرين؛ ولكن ماتزال المساحة والوقت يستعصي علينا لنقول اكثر من ذلك ويحول بيننا.. ذلك لان المهدي في هذه القصيدة قال الكثير والكثير جدا والمثير بما لا يحصى من صروف الشعر والحياة والأقران.. والخلود.. سلام.

(*) ملاحظة لابد منها: هذه قراءة مختزلة وسريعة تلقيها على بصائركم قبل أن يمضي الوقت ويخف وهج هذه القصيدة الرائعة الخارجة عن السائد الشعري والتداول!


ينبت عفويةً من ظلال

المهدي الحمروني

أيها الشعر
علِم الله أني أحبك
في الله
وأنت تعلم أن هذه الدنيا مجرد قريةٍ ظالمة
مادام صاحب صنعتك عدوك بالضرورة
إذا أثنى عليك فحمدًا لما سوّلهُ الوهمُ أنكَ دونه
وإن سكتَ فعن سُخطٍ مؤلّف القلب
فيما يرى مدحك ذمًّا له
أما أنا
فصرت أعلم أن ما تبقّى من العمر
أصغر كثيرًا من نزق الحبر
فلماذا حمّلتني ما ناء النصُّ به
في أضغاث الأدعياء؟
فليرحمني الله
بما عرفته من قدر نفسي
ولم أقف دونها
إذ كنتُ نسخةً منها
عصيّةً على التقليد
غير قابلة للاجترار
أؤثِر عليها ولو كانت بي خصاصة
آثرتُ عزلتي إليها طويلًا
لأقرؤني
حتى ظُنَّ بذِكري الفناء
ثم اشرأبَّ ظهوري حاسرًا بلا ربطة عنق
كما يليق بصعلكة الشاعر
ويجدر لتواضع الرسل
ليُلقَموا حِسَّ الحجر
دون رضا السكوت
هذا نحري
متوحِّدًا عن الجلبة
مثل واحةٍ في صحراء
يدلُّ الماءَ إلى النبع
فيُنبت عفويةً من ظلال
دون تربُّصٍ بالقصيدة
تحطُّ الأخيلةُ مقامها إليه
عن هجرات المواسم
لتعُبَّ خِصبها
في أعماق
الأزل

ودّان. 24 حزيران 2024م

مقالات ذات علاقة

رواية “تمر وقعمول“ لمحمد الأصفر

المشرف العام

رواية “عايدون”.. غربة وطن ونُخبة مُهَجَّرة

رأفت بالخير

“أبواب الموت السبعة” للروائي عبد الرسول العريبي

المشرف العام

2 تعليقات

عبدالوهاب قرينقو 28 يونيو, 2024 at 05:54

هذه القراءة للأستاذ جميل حمادة وليس للاستاذة جميلة ميهوب.. يرجى التصحيح

رد
المشرف العام 28 يونيو, 2024 at 08:47

مرحبا
تم التصحيح.. نشكر متابعتكم المميزة

رد

اترك تعليق