قراءة في أعمال الفنانة الليبية: مريم الصيد*
محمود سباق* | مصر
-1-
(خروج)
إنني أرى صورة تتأرجح وصوتا يلتف ويتعدد، وملامح تتمدد وتذوب كأنها في حالة الصلصال -ما تزال- في بحر النفس المتجدد، تتشكل في التنهيد وفي التجريد الموحي. في العقل الصافي المتأني، وأرى جبلا يسندني ويهذب روحي. وأرى الشجرةً تطعم والطير يغني، وأرى نهرًا يستنبت رمل الصحراء ويشرب من دَنِّي. إنني هنا وهناك وبينهما وإني.. أحترق وأتجمد، أتجدد في بال الرسامة، أمسك بيديها وأراقص لوحتها وأغني، وأرى الأخلاط المنصهرة وهي تسيل على جسدي وتلونني، ألونا تسكرني وتدغدغني، تنسيني الدنيا وتذكرني، تبعدني عن ملكوت اللحظة وتقربني، وأرى الخط والواضح وأهم فيهرب مني، وأطل عليَّ من اللوحة لا أعرفني لا أنكرني، أصغي للكتلة عائمة فوق السطح الساكن فتحدثني، الأبيض يتوارى خجلا أو زعلا مني، والبني الفاتح يفتح بابي ويزغلل عيني، والغامق يزهر في بالي ويشعلل ظني، والأسود حكمةُ أجدادي تنذرني، وأنا التائه تأكلني الأغيار وتشربني، وعلى قمم المجهول ستلفظني، الأزرق ماضي الفرح الممتلئُ وحاضري المستغني، والأصفر قلقي ووقاري وبقايا دِمَنِي، والأحمر روحي المشتعلة وشظايا بدني، وأنا أبحث في اللوحة عن معنى عن إنسان عن وطن يغمرني.
لوحة1 (التائه)
(دخول)
أقواس تظلل الشارع الضيق، أو كما يطلق عليه أهل ليبيا زنقة، وهي الحارة الضيقة، اللون البني الفاتح والغامق بطلُ المشهد على امتداد اللوحة التي أمامنا، الحوائط الناعمة الدكناء ولا نعلم تحديدا أبفعل غياب الأحباب والأهل أم بفعل الزمن، أم بكليهما معا، مريم الصيد وحدها تعرف على وجه اليقين -إذا كان في الفنون يقين محدد، فاليقين الوحيد في عالمنا الحديث، أنه لا يقين على حد تعبير أوجست كونت* مؤسس النظرية الوضعية في الفلسفة- لماذا شارعها خال من الناس إلا من شبح إنسان عابر لا نعلم إن كان رجلا أم امرأة، أطلقت عليه الفنانة اسم التائه، وعلى ما يبدو قد مر عليه زمن طويل حتى ذاب وتماهى مع حاله تلك، التائه الأبدي المتقلب بين البحر والصحراء المحمول على صفحات الريح، بين الجبال والوهاد والسهول البكر والوديان الخصيبة، المتناهي في الكبر والصغر معا، العارف الجاهل الساذج الحكيم المفرط في وقاره وحذره وتوجسه واطمئنانه أيضا، الحامل كل تناقضات الطبيعة البشرية وهو الحقيقُ بكل أمل ونجاة، تراه الأمازيغي الأول الذي فتح صدره وبلاده لكل غريب أو مستجير وحمل على عاتقه في مرحلة صعبة وحاسمة من التاريخ الإسلامي إنقاذ الحضارة الإسلامية في بلاد الأندلس من تهافت ملوك الطوائف وضعفهم وخياناتهم وتحالفاتهم مع ملوك وأمراء الغرب المتكالبين -كما يتكالبون الآن- على بلادنا، تائه كما ترى مريم، ولها وجهة نظرها المهمة التي تصور بها حال بلادنا المتناحرة الضائعة في الخلافات، المصابة بالمحن المزمنة، وأنا أراه باحثا عن ذاته الأصيلة التي انحرفت بها الدروب المختلطة وطالت به حتى أدمتْ قدميه وضللت سعيه وعكرت صفو مزاجه الهادئ، ونغصت عليه وحدته التي يهواها ويطمئن لها، منصهرا في كل ما يمر به وعليه.
ألوان الزيت البراقة اللامعة المتعرقة ربما لحداثة اللوحة وطزاجة المادة، وربما لدموع ترشح من أثر الوحشة، وربما لفرح غامر يسكر في نشوته خلف الجدران النائمة، ولما لا يكون ثلجَ روسيا العالق بجسد وروح الفنانة منذ الطفولة حيث ولدت تحت سماء موسكو الباردة وها هو يذوب الآن في شمس بلادها الحارة الدافئة، ولا يهم تحديد نوع هذه اللمعة المحيرة، طالما كان العمل حيا نابضا، كاشفا عن معان أصيلة. الرتوش البيض الخجلانة، والتي كانت في أحد الأيام اللونَ الأصليَّ للحوائط والمدينة بأكملها، وهكذا يتوارى الأصل حين تطغى عليه الفروع وتكسوه الأتربة، أو كما قال الشاعر* المعاصر: “تصبحُ الصفحةُ لا معنَى لها حين تطغَى على المَتْنِ الهوامش”، لكننا هنا أمام أصلٍ يأبى أنْ يطغى عليه شيء أو فرع، الأبيض يكافح ويناضل مثلما ناضلت أجيال متعاقبة من هذا الشعب، ويصر على البقاء ولو من خلال إطلالة خفيفة -على استحياء كما يبدو- لن يراها إلا محب حقيقي أو ابن من أبناء هذا البلد الأصليين، وتلك إذن إرادة الحياة التي زرعها الله فينا منذ خلقنا، وعلى عكس لون الشبح الرمادي أو الأسود المخيف المتعارف عليه في كوابيسنا المتكررة نجد شبحنا أو إنساننا التائه أبيض في معظمه بياض قلبه وعباءته وشاله، مع تقاطر للأحمر الداكن والأصفر الحَيِيِّ والأزرق الرائق الخفيف، الذين حدثتك عنهم قبل قليل المقدمة الشعرية، وتلك مجموعة ألوان النمط الإفريقي القديم، ونمط الألوان التي ترمز للأمة الأمازيغية القديمة أيضا، قبل الانصهار والدمج الرحيم الذي كان بفعل الإسلام السمح العظيم، إنه انصهار الأجيال والثقافات على سطح لوحة تضج بالموت والحياة والحيرة والتوتر، ويثقل حمولتها تاريخ الأمم التي اندمجت فيها، وتحاول الفنانة بحذر وخِفَّةٍ أنْ تثبتها هنا، بلمسات تجريدية غاية في البساطة والدقة.
كيف انزوى الإنسان إلى هذه الدرجة وكيف هان، التجريد يفعل فعله هنا وتتخذ منه الفنانة منهجا وأسلوبا للتعبير عن فكرتها ومعانيها في اللوحة موضوع الدرس، شخص واحد ذابت أعضاؤه أو تكاد تتخذ منه مريم نموذجا لتوضح لنا كيف أمكنها أن تختزل تاريخ أمة وحال وطن مترامي الأطراف والأبعاد في جزء من إنسان هذا الإنسان هو الشعب بأسره تائها حيران.
الكثيرون مروا من هنا، بعضهم كان خفيف الظل والأثر، وبعضهم كان ثقيلا ثقل التاريخ، بعضهم جاء مسالما منقذا، وأكثرهم جاء غازيا طامعا، ولكن ماذا تبقى من كل هؤلاء، لم يتبق منهم غيرُ ابن الأرض الأصلي، لكنه بقى تائها كما تراه مريم، ويراه البصير المقيم والعابر، بقي الأصيل الوفيُّ الذي بناها عن إيمان صادق وحب عميق، بناها ليسكنها وينجبَ فيها البَنِينَ ويلاعب الأحفاد، بناها “لا لتسكن نسوةُ التجارِ والغلمان” كما قال شاعر كبير أحب بلاد الشمال الإفريقي كما لم يحبها أحد، وإنما ليسكنها أهلها الذين بنوها، الذين ناضلوا طويلا وما يزالون طلبا للحياة في المقام الأول وطلبا للحرية التي هي دليل كل حضارة وعافيةُ كلّ فَن، ومريم الصيد تريد في بعض من تأويلات هذا العمل أن تقول لنا: يذهب الجميع يرحل الغرباء والجبناء ويبقى ابن الأرض والشعب المخلص الشجاع رجلا كان أو امرأة صامدا منصهرا في تاريخه ماض وحاضر حاملا في روحه كل الأجيال والحضارات التي مرت من هنا، متطلعا لغد أفضل تحضن فيه الأم بنيها وترعى القطعان النهمة في مراع خضر آمنة من غدرات الذئب ومن مكر الضباع النجسة. فيالغرابة وجسارة الفن والفنان حين يُصَدّقُ الرؤيا التي رأى، حالما كان أو يقظان، فيقوم بتشكيلها وترجمتها على سطح ورقة عذراء في قصة أو قصيدة شعر أو لوحة تشكيلية على رقعة من قماش، كهذه التي أمامنا مختزلةً كل الدنيا والتاريخ والأمم التي مرت وتركت أثرها في روح وبدن الإنسان الليبي، وبالتالي في روح وذاكرة الفنانة نفسها.
لا ضباب إذنْ ولا كآبة أو فرح في اللون في حد ذاته، لا حيرة في الشكل ولا تضليل في الرؤية لمن أراد أن ينصت للون وينظر بقلبه ويرى همس الفُرْشَاتِ للسّطحِ الساكن والذي سيضج بعد لمسة الفنانة بالحياة، الهمس اللوني الذي ينطق بكل الرؤى والطلعات والجمال، لكنه الجمال المُعَلِّمُ والذي من خلاله وعلى أعتابه نقف صامتين إجلالا وإكبارا للحظة الفنية الآسرة.
تلك إذن تفصيلة من تفاصيل المدينة القديمة، التي أحدثك عنها في كتاباتي الأخيرة كثيرا، زنقة تلمع أرضيتها وينعكس عليها صورة وسيرة الإنسان، وترى الأقواس إذا نظرت بعينيك لأعلى وهي تربط البيوت ببعضها كما يربط الحبل السري الجنين بأمه، وكما تربط الفرد بأسرته قرابة الدم والأخوة، فترتبط المصائر جميعا إن خيرا فهو للجميع وإن العكس فهو كذلك للجميع، ومريم الصيد بالغة الرهافة والعذوبة والاختزال في لوحتها تلك المميزة التي ينطق بها التشكيل كما تجد ثقافة قل مثيلها في الوسط التشكيلي العربي عموما والليبي بوجه خاص.. الشارع مسدود على مايبدو لكن ظلا أبيضا في نهايته يُظهرُ لنا كيف أنَّ الزنقة تنحرف يمينا ويسار مؤدية إلى غيرها من الحارات والأزقة، فالمدينة مترابطة كلها يؤدي بعضها إلى بعض، حتى لكأنها تشكل في الأخير ما يشبه الشبكة، شبكة الصيد ولما لا والبحر يطل على المدينة من قريب، وقوارب الصيادين تستعد لرحلتها اليومية، والصيادون ما يزالون يمارسون طقوسهم ويرمون شباكهم، وربما كان هذا الإنسان التائه الذي ذاب أو يكاد هو أحد الصيادين والذي ينتظره مركب صيده بحنين وشغف لينضم إلى قافلة المراكب التي ستبحر عما قريب راجية من ربها كل الرزق وكل الخير الوفير لتعود كالطير بطانا ممتلئة وفيرة الصيد متنوعة الرزق، وربما هي امرأة تأخر عنها زوجها وبنوها وها هي تخرج في الظلام باحثة عنهم علها تجد خبرا أو تعود بهم جميعا.
هذا واللوحة من الزيت على رقعة من قماش الكتان مستطيلة فيها تناسب عجيب ولافت بين مكوناتها ومضامينها المتعددة.
وليس ببعيد أن الفنانة في كل هذا هي الإنسان التائه والباحث، المقيم والعابر الذي يبحث في كل عمل جديد عن نفسه ووطنه وروحه الجديدة الأصيلة. فلتحيا الأوطان بالإيمان والعمل حرة جديرة بأبنائها المخلصيين، وليذهب المرتزقة وتجار الحروب إلى الجحيم. وليكن الفن أملا وخلاصا وصلاة دائمة نتقرب بها نحن أصحاب القلوب والمواجد والأحلام ولتكن وجهتنا واضحة وفكرتنا قوية وسعينا حثيثا ومثابرا ومغامرا.
-2-
(خروج)
ليس بمجرد الإدراك أو الدهشة، ليس بالفرحة أو الشجن الخالص، لا بالألم ولا باللذة وليس كذلك بالحب تكشف لنا الحياة عن معانيها والسر الكامن في تفاصيلها -صغيرة وكبيرة- والتي تنسى في خضمّ التجربة. هناك صوت واضح وفريد يلمع في الصمت. وهناك نجاة وخلاص وحياة تولد في الصدمة، فلتتبارك كل الصدمات الحرة، وليتبارك خطو الباحث في البر أو البحرعن المعدن والطين الحي، وليتشكل من وحي الحركة -في اللون أو الكلمة أو صوت المزمار- إنسان يحمل في جنبيه النار الحية ويلاطف بأمومته وأبوته أحلام الأرض ويداوي آلام البشرية، يأخذنا في الأسفار ويلهمنا فهم الأسرار ونبدأ رحلتنا.
لوحة2 (الجدارية)
(دخول)
من بلاد الثلج والضباب الكثيف ولدت مريم الصيد وقضت طفولتها، ثم عادت كما تعود الطيور إلى أعشاشها إلى بلاد الشمس الساطعة والبحر والصحراء الواسعة، وبين طفولة ممزوجة بالبرد إلى حياة مليئة بالحرارة تقضي الفنانة تجربتها اللونية الاستثنائية دارسة ومحصلة بين الشرق الأقصى والأدني والغرب البعيد، وعلى رأس المدارس التي تأثرت بها الفنانة هي المدرسة التجريدية، والتجريد في الفن يعني في أبسط صوره تجَلِّي حسّ الفنان باللون والحركة والخيال بعد تجريد المادة من واقعها المتعارف عليه، وهو -أي التجريد- كما يقول رائد فاندينسكي أشبه بموسيقى بصرية يعزفها الفنان برؤية فنية مغايرة تماما لما تعارف عليه الناس، وهي مدرسة تعطي للأشكال الهندسية -المثلثات والمربعات والدوائر، وسائر الأشكال- أولوية كبرى وتستخدمها في إعادة صياغة الوجود والوجوه المتعددة.
ونحن الآن أمام جدارية زرقاء مقسمة إلى مثلثات مقلوبة تتقاطع كل حين بقدر معلوم حينا وعفوي تلقائي حينا آخر مشكلة حزمة من الأشكال تملأفراغات زواياها بقع لونية حمراء دليلا على بهجة الخط والمنحنى إنها آثار القبل التي تتبادلها الأشكال والتي سيتكون منها بعد قليل في وسط اللوحة هياكل بشرية تتمايل وتتجاذب أطراف الحديث مفضية لبعضها البعض بالأسرار والأخبار النوادر، الشخوص ليس كما عهدناها في الرسومات التقليدية وإنما كما شرحنا آنفا تشكلت عبر تقاطعات الشكل الهندسي المثلث الغارق في السعادة والراحة، وبعد تتمايل وتتراقص كأنها شموع تذوب لتضيء اللوحة أو أنها مصابيح مشتعلة في فضاء البحر تدل البحارة على طريق الميناء والمرفأ. مفتوحة دلالت اللوحة على اللانهائية، والتجريد يبيح لنا التوسع كيفما شئنا غفي التأويل، وستتخذ الفنانة منه كما أوضحنا منهجا وأسلوبا فنيا في معظم انتاجها الذي طالعناه وصاحبناه في طرقات وشوارع المدينة الآسرة التي تشرف على البحر من عليائها كما تشرف الملكة وأميرها الصغير من شرفة القصر على الرعايا المنتظرين طلتها في شغف وسكون، وما الملكة هذه إلا ليبيا الوطن، وما الرعايا إلا الشعب الطيب. من أزرق خالص له رأس برتقالي خفيف، ثم أزرق له نصف برتقالي خفيف، ثم الأخضر الكامل الخصيب، هذه ثلاثة متلاصقة لها رؤوس مضيئة، ثم الأصفر الناصع الذي يسر الناتظر والتأمل بنصفه العلوي المتمايز قم الأحمر القاني البهيج بنصفه العلوي الأصفر فهذه اثنان متلاصقان أيضا فتشكل مجموعة الخمسة التي هي كف يد بأصابعها الخمس الكاملة والتي لها دلالة شعبية في ثقافات أهل الشرق فهي خمسة وخميسة باللفظ الشعبي الدارج، وهي التميمة كنا نضعها على أبواب بيوتنا قديما، وعلى صدور مواشينا في الأرياف السحيقة حفظا وحماية لها من أعين الحساد، واللوحة في مجملها متشابكة متشعبة الدلالة لا يحد مدلولاتها ومضامينها تفسير واحد، ولك عزيزي المتلقي أن ترى ما تراه بأم بصيرتك وخيالك فقط عليك أن تنصت لحديث الألوان والخطوط وهي تروي لك حالها الذي هو حالك وحال الجميع.
-3-
(خروج)
إننا في حاجة لعناق صادق، عناق تفوح منه رائحة البدايات العفية والمشاعر الطازجة والمحبة التي لها يدان تربتان وفم مبارك يضيء، في حاجة لشريك شكلته التجربة كيفما شاء لا كما شاءت له، في حاجة للحظة فارقة نتذوق فيها حليب الحب وطعم الحرية الذي على وشك أن ننسى رائحته ولونه الأحمر الذكي.
لوحة3 (عناق)
(دخول)
ما قلناه عن الجدارية السابقة ينطبق على اللوحة الآتية التي أسميها (عناق) مع اختلاف طفيف في الألوان، ومع زيادة بسيطة وعميقة تتلخص في كون هذا العناق يشبه رقصة في فضاء إثيري لشخصين يلتقيان في فوهة دوارة صاعدة ونازلة تلفهما بعبيرها وموجتها الدوارة، الشخصان لابد رجل وامرأة، أحدهما بثياب زرقاء شفافة وهذه هي المرأة الساكنة والآخر رجلها الطويل المائل عليها برأسه في حنو ووداعة آسرة، في ثوبه المختلط بالكحلي والأزرق والبني المحروق من طول المسير والبحث عن شريكته، عن ضلعه المنزوع منذ بدء الحياة، وهما لهما رأسان أبيضان يسندان بعضهما كفرعين شجرة طيبة يسند أقواهما أضعفهما وينتصبان معا في وسط العاصفة، لا يخلو الأمر هنا من صوفية جديرة بالملاحظة فنحن نسمع حفيف الموجة التي تدور حولهما كما يدور الصوفي حول قلبه في رقصة التنورة رمزا لطوافه حول الذات العليا، نشم رائحة البدايات ونشم روائح الزمن الأول حيث كان العماء يلف الكون ثم قال الله للنور كن، وحيث كانت المادة طافية غير مستقرة فقال الله للجاذبية كوني، وحيث كان العدم أول وآخر كل شيء فقال الله للوجود تحقق، وحيث كان المعدن لا معنى ولا وزن له، والطين حمأ غير متماسك فقال الله كن، وإذا بديه اللتين لا كيفية لهما تشكلان من هذا المعدن طينا ومن الصين صلصالا ومن الصلصال كتلتة صامتة ومن الكلتلة شكلا ذا ملامح وبعد كانت النفحة والنفس العلوي فكان الرجل الأول، وبعد زمان لا ندريه ولا نحصيه شعر الرجل بملل وسأل الله شريكا وونيسا، فقال الله بلى من ضلعك أخلق لك زوجا وشريكا، وبعد زمان لا نعلم مدته أيضا هبط الزوجان إلى الأرض البكر المجهولة بفعل الغواية والشغف فكان فراق الأحباب وغلق الأبواب وهجر الأعتاب وكان لقاء الأغراب، وقتل الإخوة والأصحاب. وبعد سفر وطواف يلتقيان وهما الآن ينصتان للوصايا ويتعلمان الأسماء، ويأخذان بذور الحنطة الحناء، لأراض وحقول عذراء.
(خروج)
وما علينا بعد ذلك أيها الأعزاء والعزيزات إلا أن ننصت للحدوتة ونستنبط من هذا التجريد روح وجسد الحقيقة كما نستنبط الواقع من الأسطورة، ليكون الصوت/ اللون جليا مرئيا مرتاحا في ندهَتِهِ وفي خطفته وفي إفضائه.
نماذج أخرى من أعمال الفنانة:
* مريم الصيد: تشكيلية ليبية من مواليد روسيا موسكو1973 تخرجت في كلية الفنون قسم التصميم والزخرفة1998، عملت مدرسة لمادة التربية الفنية، والآن تعمل أستاذة بكلية الفنون الجميلة جامعة طرابلس/ شاركت في العديد من المعارض الفنية داخل ليبيا وخارجها/ وأقامت الكثير من المعارض الشخصية والجماعية، كان آخرها المعرض المشترك الذي أقيم في دار حسن الفقيه للفنون، بالمدينة القديمة/طرابلس، والذي شاركت فيه بلوحتي (التائة، وألف قصة وحكاية) وقد تم بيع اللوحتين للاقناء الشخصي خلال أيام العرض.
* محمود سباق: شاعر وكاتب مصري مقيم بطرابلس. تخرج في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، من مواليد1983/ صدر له عدة دواوين شعرية منها (أبناء القطط السوداء2017، ومحاولة لاستصلاح العالم2018، أوراق الجنوب والشمال(مختارات)2019، النهر شعروموسيقى2022 ) وله تحت الطبع مجموعة من الدراسات الفنية بعنوان( اللون والكلمة والنغم) وله رواية وكتاب سيرة ذاتية بعنوان(مريم ونجم سهيل) يعمل في أستاذا للغة العربية بمدرسة النور المتجدد للتعليم الأساسي والثانوي.
• أجست كونت، يناير 1798م/ سبتمبر 1857. فيلسون فرنسي يعتبر الأب الروحي للفلسفة الوضعية في العالم.
• سيد يوسف: شاعر مصري من مواليد1973، يعمل سكرتيرا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي من ديوان (أنا أيضا لا أمنع فمي).
• سعدي يوسف: 1934 :2021 / شاعر وروائي ومترجم عراقي، من ديوان ( مجاز وسبعة أبواب)
• فاسيلي فاندينيسكي: 1866:1944/ فنان روسي ورائد المدرسة التجريدية.