طيوب عربية

في كل يومٍ أُماهي العصفور بالجَبَل

#أنساغ

من أعمال التشكيلي العراقي سعد علي
من أعمال التشكيلي العراقي سعد علي

(1)

لا يتضعضع الليل في النهار.  يضيع الليل في ليلٍ آخر، ثم يبدأ محق الليل والنَّهار.

(2)

أنتِ أول شيء حين أكون في خارج الطريق (ولا أتذكر أرض الله الواسعة).

(3)

انضمِّي إليهم في قتلي. لا تجعلي منِّي شاعراً رديئاً في الذِّكريات والكلمات.

(4)

كل هذا النَّشيج:  خاصرتكِ لدى الأيام الطَّويلة التي يرضع فيها الأطفال من أسمال أمَّهاتهم.

(5)

في اللغة نفقد الجسد.  الجسد أهم من اللغة.  في السَّراب لا أفقد أي شيء:  أتكوَّن مرة أخرى، سهواً عن الجميع حين الكلُّ يطلب رأسي.

(6)

الجبهويِّون الذين لم يقرأ أيٌّ منهم رواية واحدة طوال نضاله (“حياته”، لكلمة أكثر دقَّة وأمانة) يجبروننا اليوم على كل هذا الشَّوك في السَّرد.

آه، الثَّورة أشَقُّ المُهمَّات، والرِّواية أصعب الأجناس.

(7)

لم أقصدكِ في الحنَّاء، ولا في رقصات البنات الطَّائشات اللعوبات في العرس (أما الفَقْدُ فقد كان مصادفة سيئة للغاية).

(8)

“ربما كنتُ أحببتكَ لو كنتُ والدكَ وليس ولدَك” (من “أبٌ لابنٍ لم يولد” ليحيى حسن، الشاعر الفلسطيني الأصل الذي أحدث هزَّة كبيرة في الشِّعر الدانماركي المعاصر على الرغم من انه لم يصدر سوى مجموعتين شعريتين بتلك اللغة، وذلك  قبل أن يموت عن أربع وعشرين سنة فقط في ليلة ملتبسة بتاريخ 29 إبريل 2020، ولا نزال ننتظر أن نقرأه كاملاً بلغته ولغتنا الأولى).

(9)

على الموت أن يكون فعل تَخُفُّفٍ من الحُبِّ الزَّائد (ما دام الحبُّ الزَّائد قد أخفق في ألا يكون موتاً).

(10)

لم يعد من الممكن أن تهذي بعد أن يتكلم النَّاس (النَّاس هم انعدام القول، واستحالة كل ما يمكن أن يكون ممكناً بعد ذلك).

(11)

انتبهوا:  لم يعد الموت يصيب إلا الأموات (فقط).

(12)

التَّعويض فاقة الشِّعر.

(13)

تكمن في الحبر كل أسباب الحرب.

(14)

حلمتُ البارحة أنك أمِّي (ولم أستيقظ لغاية الآن).

(15)

يقول لها:  أنا أحبك.

تقول له:  وأنا أحبك أيضاً.

يقول لها:  لن يفرِّقنا إلا الموت.

تقول له:  سأتدبر طريقة تجعل الموت ينسى.

يقول لهما السَّاقي:  ستغلق الحانة ذكرياتها بعد خمس دقائق.

(16)

كل التفافاتكِ لَهْوٌ وغَنَج.  وحين تنظرين إلى السَّماء يصير القدِّيسون، والأنبياء، والصَّالحون، وحَسُن أولئك في رفقة ورعاية ناظركِ.

(17)

لا يخجلون منه أمام الماء.  لا يستغفرونه باليُتم.  لا يسعفونه على الهدايا.

(18)

بومةٌ أخرى على حافة الأوراق؛ ورقةٌ أخرى صارت بومة.

(19)

النَّوم مَقْتَلَةٌ؛ فلا توصِد.  الموتُ موهبةٌ؛ فاذهب.

(20)

الافتضاح أكبر المسؤوليَّات (كان على السِّر أن يكون واجباً، فحسب).

(21)

أمضي نحوكِ (ولا أعود إليك).

(22)

أستطيع أن تمرَّ بي هذه الليلة (أيضاً في مرادفات الهلاك).

(23)

من أخمص الجبل، تدعوك تلك الحصاة التَّائهة إلى العرش.

(24)

لا يحب وطنه، وسيتشبَّث جثمانه بالذِّكريات.

(25)

الذين مضوا (وقد حملناهم) لم يعد في وسعهم أن يحملونا (وقد مضوا).

(26)

تستحق الشَّمس زجاجة أكبر من تلك البلاد.

(27)

–أ–

“وا أسفاه

لم يَعُدْ ثمَّة غجر

يصعدون الجبال منفردين” (لوركا).

–ب–

لم تعد لنا أيَّة أسرار أو أسوار بعد أن غادَرَ “الزُّطوط” مجز الصُّغرى للمرَّة الأخيرة في إثر نحو أسبوع من المطر الهائل، والجِنِّيَّات والسَّحرة الطَّيبين الذين سال بهم الوادي، والرِّيح المتقلِّبة بين النَّسائم والإعصار وهي تهبُّ من أكُفِّ النِّساء ونواحي السَّماء، والأرانب العنيفة التي تنبثق من الماء وروائح الخبز والنَّخيل، وبنتٍ صغيرة ثوبها مهلهل مثل الطِّين وشعر رأسها يميل إلى رماد الضُّحى، وقد ذهبتْ معهم أيضاً، بلا رجعة أيضاً، في حوالي 1969.

قال زعيمهم لأبي:  “سماؤكم مخروقة يا أيُّها السَّيد، فلا ملجأ ولا أمان لنا في دياركم”.  وأتذكر ان “الزُّطوط” أخذوا معهم أدوات الحِدادة وجميع إمكانات النَّفخ في النَّار، والخشية على الخيام المتشقِّقة بالأغاني، والتقاء البحر بالغيوم عند ضياع النَّجمات، وذكرى للحب الذي كان غجريَّاً بما فيه الكفاية، بعد زمن لم يمضِ من هناك بما فيه الكفاية.

والآن، في 2024، ترى ماذا بوسعي أن أفعل وقد غادَرَ “الزُّطوط” مجز الصُّغرى للمرَّة الأخيرة ومعهم بنت صغيرة ثوبها مهلهل مثل الطِّين وشعر رأسها يميل إلى رماد الضُّحى؟

(28)

يموتون (خاصة في الاحتفال).

(29)

اجتناب العالم حقٌّ طبيعيٌّ (قُل ذلك، مرَّة أخرى، لأكثر المدن تشوُّهاً وشُبهة).

(30)

أتعَمَّدُكِ في الوسَن.

(31)

ينبغي إلغاء الماء، والشَّجر، والشِّعر، والنَّثر، والأرض:  سيموت هذا العصفور من دون أن يعرف الوطن.

(32)

أيها الموت:  لن يكون لي معك شأن آخر.

أيُّها الموت:  لا تُضْمِر الفُسْحَة ولا تُبْطِن القلق.

أيُّها الموت:  فعلتُ كل شيء نيابة عنك.

أيُّها الموت: أنتَ عالة.

(33)

يتقلَّبون على التُّخوم، وتذروهم الرِّياح.

(34)

تَخُطُّ الكتابة، والكتابة تمحوك.

(35)

ليس الأمر هو الرَّغبة أو الرَّهبة، بل اللحظة التي يكفُّ فيها الموت عن التَّمييز.

(36)

الحُبُّ ببَّغاء في مخزنٍ غادرته المؤن.

(37)

لا توجد الحياة إلا في الحسابات.   الموت أعظم (لأن لا حسابات له).

(38)

الموت استراحة (أقصد:  استراحته هُوَ).

(39)

كلُّ قولٍ فاقةٌ.  كلُّ حرفٍ سكون.

(40)

اخلع رئتيك، ولا تنزلق.

(41)

تحتطب المدفأة الأرق.

(42)

أُنجزُ أربعة أشياء في اليوم (في الأكثر):  أعاني الصُّداع الحاد والغثيان، ثم أتذكركِ، ثم  أكتب (أو لا أكتب)، ثم يأخذني الليل (و”الصَّيف” هو الأقسى في تذكارك حين أستمع إلى فيفالدي في “الفصول الأربعة”).

(43)

أدلفُ إلى الحجرة الحزينة وتصير أنفاسنا التي كانت جدرانا.

(44)

في كل يومٍ أُماهي العصفور بالجَبَل.

مقالات ذات علاقة

القلق الإبداعي والمعرفي في “كوابيس” سناء الشعلان

المشرف العام

أزمنة السبي

المشرف العام

أحوال الشعراء بين الإلهام وولادة القصيدة (نماذج مختارة)

المشرف العام

اترك تعليق