النقد

اقتلاع الجذور العفنة

الذكرى الـ23 لرحيل الكاتب والناقد الليبي سليمان كشلاف

من أعمال التشكيلي الليبي_عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)
من أعمال التشكيلي الليبي_عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)

الادب هو الصورة الصادقة عن المجتمع، وهو الذي يحفظ خصائصه ويسجل حركته ليعطي الفكرة موجزة بعد ذلك يستطيع الانسان من خلالها أن يعرف، وإن يسجل، وان يستنتج.

ولعل في الشعر العربي طيلة القرون الماضية جميع المقومات التي تعطينا صورة عن المجتمعات التي خرج من بينها الشاعر ليسجل مرحلة ، ويؤرخ من خلال حياته وحياة من معه حركة مجتمع، فمن خلال اشعار الشعراء يستطيع الباحث أن يدرك الكثير وبعلم الأكثر عن الفترة الزمنية التي عاش فيها الشاهر، عن الحياة الاجتماعية والنظم والعادات والقيم والديانة.. إلى الكثير مما يمكن من أخذ الصورة الكاملة من خلال الشعر العربي لمجموعه من الشعراء في فترة زمنية واحدة، اذ تكتمل زوايا التسجيل وتلتقط الانطباعات من أكثر من عين وعقل، كل منها يشكل جزءاً من الصورة الرئيسية التي تكتمل بعد ذلك بتجميع الاستشهادات والاستدلالات.

واذا كان أحد الباحثين (1) المحدثين قد استطاع من خلال رواية ساذجة هي (حديث عيسى بن هشام) ان يخرج بتفاصيل متكاملة عن النظام الاجتماعي والجوانب الاقتصادية والسياسية الى جاب الاجتماعية، فنلمس المظهر العلمي والقيم الدينية والمظهر الفكري لنخرج بصورة شبه متكاملة للمجتمع المصري ليس في عصر عيسى بن هشام فقط بل في عصر الباشا كذلك. فان المتتبع للنتاج الادبي يستطيع ان يخرج بالكثير.

ماذا اذن عن الأدب الليبي؟ ما الذي يمكن لنا أن نخرج به من خلال قراءتنا في الادب الليبي؟

(الكرة)(2).. (العيد في الارض)(3).. (الجدار)(4).. و(الرمال الناعمة)(5) أربع قصص ليبية قصيرة تحاول أن تسجل حدثا، تبين موقفًا وتعطي رأيا، من وجهة نظر خاصة، هي وجهة نظر الكاتب.

في (الكرة)(6) يعالج (كامل حسن المقهور) وضعية الطفل عبدالله الذي يواجه بالرفض من كافة اطفال الشارع يتزعمهم ابن الحاج، لأن والدته مومس، ينبعث هذا الاحتقار أساساً من امتلاك ابن الحاج لوسيلة استطاع ان يتزعم بها اطفال الشارع.

إن جميع الأطفال يعانون الفقر (في نفس الوقت الذي يتجمع فيه الصغار في الوسعاية قريبا من الطريق المار بين الجبانتين.. قبل أن يمتد الشارع الكبير المرصوف الذي يصل الحي بالمدينة.. في نفس الوقت الذي يرجع فيه الكبار.. أناس كبار ضعاف.. متعبون.. عيونهم هامدة.. ارجلهم نقيلة.. وخطواتهم حائرة.. وفي أيديهم أشياء.. أرغفة خبز.. خضر من السوق.. وثيابهم ملطخة بأثار العمل). إن جميع الأطفال ذوي مستوى اجتماعي واحد، جميعهم يعيش حياة لا يعرف الترف اليها سبيلا، الا ابن الحاج الذي يتميز عنهم بآنه يملسك وسيلة من أهم وسائل الترفيه والتسلية عند الاطفال.. كرة.

وبالرغم من أن الطفل عبدالله تمتلئ نفسه ألما لاعتقاده أن جميع من في الشارع يحتقرونه ولا يحبونه، إلا أن هناك إدراكا أكبر كان يتماثل لديه (كلمات قبيحة.. كانت دائما تلصق بأمه.. حتى النسوة كن دائما يشرن إليه ويقلن في غير حياء هذه الكلمة.. ولم يكن يصدق هذا الكلام.. فهو يحب أمه.. ويراها جميلة.. صغيرة.. على وجهها أصباغ لا تحلم بها نساء الحي.. وتعيش بعيدا عن جوهن الموبوء المملوء مشاحنات.. وعن التراب.. والجامع المتهدم.. والبيوت المنخفضة اللاصقة بالأرض.. وكان يحبها جدا على الرغم من أنها لا تسكن معه ولا مع جدته حيث يعيش.. ولم يكن يتصور أبدا أن هذه الإنسانة الرحيمة الجميلة يمكن أن تكون ما يدعونه في الحي، إنه يكرههم لذلك.. إنه يكره حتى شارعهم.. حتى أطفالهم).

هذا الإدراك كان يرتفع عن تلك الإحساسات اليومية التي تخالجه.. ومن هنا فطن إلى وسيلة الضغط التي يستخدمها ابن الحاج ليكسب أطفال الشارع الى جانبه، الأطفال الذين يبحثون عن التسلية، يقفون مع من يوفرها لهم دون أحساس بما يشكله ذلك من إساءة -ولو كانت غير مقصودة- بالآخرين.

كانت كرة ابن الحاج هي وسيئة الضغط فتجمعت أحلام عبدالله على ان تكون له كرة.. كرة جميلة وكبيرة، أكبر من تلك التي يملكها أبن الحاج، وعندما تأكد من قوة جانبه باستمالة بقية اطفال الشارع للعب معه هو بكرته الجديدة الكبيرة أصبح من حقه أن يقف في وجه أبن الحاج وان يرد له واحدة من الطعنات التي طالما وجهها إليه (- نلعبو معاك يا عبدالله..

فابتسم عبدالله ابتسامة مرحة ولمعت عيناه وقال:

– العبوا كلكم إلا ابن الفاسدة.. هذا.. ما يلعبش معانا.. أمي قالتلي ما نلعبش معاه.. وحينما هجم عليه ابن الحاج.. وقف الجميع دونه يدافعون عن عبدالله).

ان الكرامة التي أذات كثيراً حان لها أن نأخذ دورها في الدفاع عن نفسها.

اذا كانت عملية الحوار تتم بين عرفي الصراع في (الكرة) فإنها تغيب تماما في (العيد في الأرض)(٧) ولا نلمس لها أي ضلال من خلال حوار يتدفق بين شخصيات نمثل طرفا واحدا، لكن (عبدالله القويري) يحول ذلك الحوار المفتقد إلى لغة سردية ووصف لما عليه كل من الطرفين، في مكان السكن، في نوعية الملابس، في نوعية الأكل، إلى جانب العمل.. أسلوب التعامل، والفرحة في مناسبة دينية هامة هي عيد الفطر، كما تتغير النتيجة من اتخاذ نفس أسلوب الطرف الثاني في الصراع الى موقف آخر اشمل واعم لاجتثاث المشكلة من أساسها.

ذلك ان سالم توصل إلى قناعة كاملة من خلال كافة الفوارق التي لاحظها ويلاحظها في كل ما يحيط بحياته، في المسكن (استمرا في سيرهما حتى تركا البنايات الكبيرة خلفهما، وبانت أمام عينيهما اطراف المدينة، حيث تقبع الاكواخ وسط أكوام من المهملات وبقايا الحرب الماضية من أسلاك وبراميل قديمة) والمأكل.. (وانتشرت في الجو رائحة التوم والبصل واللحم، ودخلت إلى أنف عيسى، فحاول ان يقارنها بما تخلل انفه أثناء سيره في الشوارع الواسعة، فأدرك إن الفرق غير مرئي.. ومصمص شفتيه وسكت). وأسلوب الحياة (حتى المقاهي قد خلت من روادها في هذا اليوم، ورأى لهذا اليوم عند كل الناس تمييزا، كما تميز عنده أيضا ولكن ليس كبقية الناس الصغار، ومن أين له أن يكون مثلهم.. وبأي شيء؟ هو لا يعرف من أمر حياته سوى إنه يملك هذه القروش التي يتاجر بها، فيشتري صندوق حلوى ثم يدور به ليبيعه، فيكسب قرشين أو ثلاثة يعرف ان يأكل بهما حتى اذا جاء الليل أوى الى ذلك المكان خارج المدينة، حيث خرقه الباليه، وقد حشدها في ركن حائط قديم متهدم ، فيلتف بها، ويلقي بجسده في ذلك المكان المظلم فلا يصحو إلا عند الفجر على أصوات العربات تقطع ذلك الطريق البعيد فيسرع آخذا صندوقه وما تبقى فيه من بضاعة ويسير متمهلا وعيناه ما زال يغلقهما النوم، وجسده وقد رضه هواء الليل البارد، الذي نفذ الى جلده من خلال الخروق التي تغطي بها.. ويتغلب على خموله رويدا رويدا.. ويسير، ثم يقفز خلال الازقة حتى يصل الشوارع الواسعة، فيرفع صوته بالنداء على بضاعته بادئا يوما جديدا).

ومن. خلال هذه التفاصيل التي يقدمها القصاص يمكن لنا ان نلمس تلك الأزمة النفسية التي يعيشها عيسى بين واقع عيشه ومثل طيب يعيش في خياله من خلال وصايا دينية (- هيا يا خوي.. وتفادي تأزم الموقف بأن سار معه وانبثقت من فمه كلمة…

– أنا مسكين

ونظر إليه سالم ولم يقل شيئا، فعاد يردد:

– راقد ريح.

ولم يجبه سالم بشيء، وكان يسبقه بخطوات ، فأسرع عيسى ليلحق به متسائلا:

– حق.. عيدنا في السما.. المساكين كيفنا؟

– وانت مسكين ؟

– ومين عندي؟

– عندك نفسك؟

– نفسي اليوم جوعانة.. في يوم العيد، حتى شيء ما عندي .. ثلاث فروش.. هاه). إلا أن الفكرة تتبلور في النهاية لتصبح إدراكا كاملا بتعمق ويتعمق ليصبح مناداة بدعوة ومن خلال الإصرار على تحقيقها يتم تحقيق العمل الشامل.

اذا كان من يكتوون بالنار في (الكرة) و (العيد في الأرض) قد وجدوا أنفسهم هكذا، في وضع اجتماعي سيئ لا ذنب لهم في صنعه ولا في صنع رواسبه فإن (يوسف الشريف) في (الجدار)(8) يعطي للمشكلة وضعا آخر حين يضع وجها لوجه، من صنع هذا الوضع، ومن أحس به وحاول مقاومته ، ثم رفضه.

إن البداية في صنع هذا الوضع على المستوى الضيق، ومستوى الشارع كان خطأ من مفتاح (حدث ذلك منذ شهور.. عندما بدأ عمله بوظيفته الجديدة.. وعندما سكت على شيء ما حدث في المصلحة التي يعمل بها وكافأه المدير بترقيته الى الدرجة الثالثة.. منذ ذلك اليوم بدأ الجدار الأسود يعلو وبعلو حتى يتمثل انه سجين زنزانة لا سبيل للفرار منها).

وكان من الممكن أن يتغاضى الإنسان عن تلك الغلطة لوجود رابط عميق في الوجدان بين مفتاح ومجموعة الدكان الا أن الترقية والمنصب الجديدين خلفا شيئا آخر في نفس مفتاح (عندما ذهب الى المصلحة التي يعمل بها مفتاح وطلب مقابلته.. إلا ان المباشر طرده بحجة أن السيد مفتاح مشغول..).

ازدادت التراكمات في علو ذلك الجدار بين الطرفين. شراء السيارة. الانتقال الى مسكن جديد في حي راق. ثم الانقطاع عن مواصلة رفقاء العمر.

لذلك فعندما قام مفتاح بزيارة أصدقائه وشارعه القديم بعد فترة انقطاع وجد تلك التراكمات قد خلقت الجدار المصلب، ووجه بالرفض ممن كانوا خلصاءه بالأمس كرد قمل على جميع أخطائه المتتالية والتي لم يراع في أي منها حق عشرة أو صداقة.

والرفض هنا يتم عن وعي، كما انه يتم بموقف واحد من كافة مجموعة الدكان، عندماً حلت لحظة المواجهة، واظهار ما في أعماق كل منهم، وهو رفض ينبئ عن استنكار واضح لسلوك انتهازي، وينبئ عن لحظة مواجهة أكبر واشمل، ليس مع مفتاح وحده ولكن مع كسل ما يمثله كنموذج سيئ يجب أن يتوقف عند حد معين من ممارساته القذرة.

في (الرمال الناعمة) (9) يلجأ (أحمد إبراهيم الفقيه) إلى المواجهة بين الطرفين كما فعل (يوسف الشريف)، لكن الموقف يضيع تماما من يد القصاص، بل يصبح انهزاما للإنسان من الداخل.

اننا نلتقي مع مواجهة غير مرتبة اصلا مع محمود، المناضل القديم الذي يبدأ القصاص في اعطائنا معلومات عنه (كان يتقدمنا دائما.. شهما، صريحا يتقد توهجا يتسامح مع كل من اخطأ في حقه، لكنه لم يكن يتسامح ابدا مع من تهاون في حق وطنه، حتى في ارض الغربة عندما كنا نواصل دراستنا كان الوطن يملا وجدانه فيجمعنا لنؤسس نادي باسم بلادنا ، ويملا قاعات الدراسة بالحديث عن وطنه ويطوف بنا بين الصحف علها تنشر المعلومات التي نقدمها لها عن بلادنا.. بعد ان تخرجنا أصر بعضهم على ان يثري بأسرع الطرق كان محمود وحده الذي ما كان حرصه في يوم من الايام على أن يكون له بيت فاخر وسيارة فاخرة وارصدة في المصارف كان يختار زبائن بسطاء مسحوقين بالكاد يتحصل على مصاريف مكتبه وقوته الضروري ولم ادر ما هو رد الفعل الذي حدث في نفس محمود حتى جله بترك مهنته القديمة ويصبح رجلا من رجال الاعمال، ومرت سنوات وهو في مدينة.. وانا في مدينة أخرى.. اسمع اخباره، لكنني لم التق به..).

كان محمود دوما ذلك المناصل القدوة، وكان المثال الذي يحتذى (كان دائما يملأ فكري، حتى في عملي كانت شخصية محمود هي التي تملا ذهني، وتقود خطاي وطالما تهيأت الى يوم التقى فيه بمحمود اسرد امامه همومي واضيء بروحه وكلماته بعضا من ضباب الطريق).

وسقط المناضل، سقط في غفلة عمن اتخذوه فدوة، وكما كان سقوطه مفاجئا من زامله وعاش مع أفكاره زمنا، حتى أنه لم يعرفه في بداية الامر عندما التقى به بعد غياب، تغيرت اليه النظرة فجأة أيضا (فتشت في عينيه فلم أجده. لم تكن هي عيناه. أين توهج محمود وومضته الكاشفة الحارقة عندما ينظر اليك من هذين القنديلين المطفأين. وعندما ابتسم.. لم تكن هي ابتسامة محمود القديمة، كانت ابتسامته المشهورة التي تشرق في وجهك، فتحس بها طازجة ساخنة كأنفاسه، لقد اختفت، حلت مكانها مساحة بيضاء تظهر وتختفي دون مبرر لظهورها واختفائها، وأحسست بابتسامته باردة، لزجة، تسيل على وجهي ويدي وقدمي، حتى اشعرتني بالاشمئزاز).

هذا التغير في الاحساس لم يصحبه أطلاقا موقف صارم ثابت، بل تبعه احساس بالهزيمة، ليس على مستوى العلاقة القديمة بين بطل القصة ومحمود فقط، بل أيضا في أعماق محمود (عندما ودعني ومضى يبتلعه الزحام، وقفت تائها مذعورا، أحسست بخيبة لم أحس بها طوال عمري تحط في نفسي وتملاها، حتى كدت أجهش بالبكاء وسط الشارع.. ولم أدر لماذا كنت أحس كأن محمود كان رفيق سفري الوحيد ثم مات عني.. ابتلعته رمال ناعمة، وبت أضرب في المتاهة وحدي.. كنت خائفا مذعورا. تحول الرصيف تحت قدماي الى شيء رطب لزج ناعم.. كأنه الرمال الناعمة.. وكنت امتلئ خوفا من أن تمتعني الرمال الناعمة).

انه العجز وفقدان الثقة حتى في النفس عند (أحمد إبراهيم الفقيه).

ما الذي يمكن لنا ان نخرج به من خلال هذه القصص الأربع التي بريطها محور واحد، لقصاصين تختلف اعمارهم.. يختلف امتلاكهم لأسلوب العرض الفني.. تتعدد مصادر ثقافتهم.. تختلف نظراتهم الى الحياة والمجتمع، ويختلف موقفهم منها.. ويختلف أيضا زمن كتابة كل منهم لقصته فتمتد المسافة الزمنية لما يقارب الخمسة عشر عاما بين (الكرة) و(الرمال الناعمة) داخل مجتمع لا تثبت حركته، يضاعف اكتشاف النفط في ليبيا من سرعة حركته من مجتمع العشيرة الى مجتمع المدينة.

ما الذي يمكن لنا أن تخرج به من خلال هذه القصص؟

إن الظواهر العامة تجتمع في عدة نقاط رئيسية نلحظها سريعا.. فوجود طرفي صراع في كل قصة ينبثق منه الحدث هو الظاهرة الرئيسية، ويتمثل هذا الفراغ في طرفين، يتخذ موقفا جمعيا تارة وموقفا فرديا تارة اخرى.. فابن الحاج يقابله عبدالله (الكرة) عيسى وصديقه يقابلهم الطرف الغائب، سكان العمارات والمنازل (العيد في الأرض) مفتاح يقابله سليمان وجماعة الدكان (الجدار) ثم محمود.. ويقابله راوي القصة ( الرمال الناعمة).

ومن خلال هذا التقابل يبرز وضع اجتماعي معين يحكم علامة الاطراف جميعاً. امتياز ابن الحاج بامتلاكه للكرة.. امتلاك سكان المنازل والعمارات لوسائل الحياة النظيفة والعيشة اليسرة، ثم انتقال مفتاح ومحمود من وضع الى اخر افضل منه، سواء في المنصب أو السكن أو عيشة الرفاهية، بعد أن انسلخوا من ارتباطاتهم الوجدانية والفكرية القديمة.

وتأتي مرحلة الانتباه لتبدأ في تفجير الصراع، إن الأطراف المظلومة هنا تفيق في لحظة معينة الى ما تعانيه من فقدان للكرامة او سوء العيش وتبدأ مرحلة الموقف والدعوة الى التغيير في العلاقة بين الطرفين، من ظالم ومظلوم، من حياة رفاهية وحياة بؤس، من العيش داخل نطاق ألزمن والعيش خارجه ، الى علاقة جديدة مبنية على الكرامة وعلى توفير سبل العيش، بشرف وعفة، في جو تكون فيه القدرات والكفاءة هي المحك لبروز أي شخص في المجتمع الجديد النظيف.

وتكون نهاية الصراع هي الموقف النهائي للكاتب، والتي يبدأ بعدها الاطراف علاقتهم الاجتماعية من جديد وفق أسس عادلة وفرص متاحة للجميع، فعلن حين تكون دعوة (كامل المقهور) لبناء المجتمع الجديد استخدام نفس الوسيلة التي يلجأ اليها الطرف الاخر للانتصار عليه، يدعو (عبدالله القويري) الى الثورة الشاملة وتحقيق مجتمع التكافل والعدل بتغيير فكر المجتمع أولا، وبينما يرفض (يوسف الشريف) النموذج القذر ويدعو مقاومته واقتلاع جذوره، يسقط (أحمد إبراهيم الفقيه) وتظهر نماذجه متخاذلة تنقلب من النضال السياسي الى الكفر بالمثل والعمل بنقيضها، ويعجز البطل في قصته حتى عن حماية نفسه من السقوط في الهاوية التي انحدر إليها زميله القديم.

وعلى حين يستخدم كل من (كامل المقهور) و (عبدالله القويري) الأطفال أبطالا تفصصهم على اعتبار ان الفترة التي يمثلونها (الخمسينات) هي نتيجة لممارسات الجيل السابق، يستخدم (يوسف الشريف) و(أحمد أبراهيم الفقيه) الشبان أبطالا لقصصهم لأن هذا الجيل (الستينات) هو جيلنا نحن، وان اي ممارسات منحرفة هي حصاد لأعمالنا ونتاج لفكرنا، يجب ان نتحمل نحن مردوداته ونكون على استعداد لتحمل كل ما ينتج عنه اذا لم يكن الرفض والتحدي لكل منحرف واجبنا الرئيسي.

لقد قال جيل الخمسينات والستينات رأيه، فما هو رأي جيل السبعينات؟

طرابلس ( ج.ع.ل )


(اقتلاع الجذور العفنة)، سليمان كشلاف، مجلة الآداب، العدد: 10، 01 أكتوبر 1977م، ص: 142-144.

هوامش :

1 – محمد رشيد ثابت / البنية القصصية ومدلولها الاجتماعي في حديث عيسى بن هشام / منشورات الدار العربية للكتاب / ط/ 1 / 1976.

2 – كامل حسن المقهور 14 قصة من مدينتي / دار النشر الليبية / ط 1١ / 1965م.

3 – عبدالله القويري / العيد في الأرض / منشورات المكتب التجاري للطباعة والتوزيع ببيروت / ط 1 / 1963م.

4 – يوسف الشريف / الجدار / منشورات اللجنة العليا لرعاية الفنون والآداب / ط 1/ 1966م.

6- كتب كامل المقهور قصة (الكرة) سنة 1954 م.

7 – كتب عبدالله القويري قصة (العيد في الارض) سنة 1957م.

8 – كتب يوسف الشريف قصة (الجدار) سنة 1963م.

9 – نشرت قصة (الرمال الناعمة) في مجلة الرواد/ السنة الثانية / العدد 11 / نوفمبر 1966م.

مقالات ذات علاقة

رواية عن مأساة الزّنوج في بنغازي العهدين العثمانيّ والإيطاليّ

المشرف العام

“تمهيد للاشيء” ومحاولة القبض على الأحلام الهاربة

عائشة إبراهيم

محمد العارف عبيه

المشرف العام

اترك تعليق