المقالة

قبل أن تقرأ: هذه قاعدة مؤسفة وثمة استثناء !

هذه مجرد نكتة:

أخذ صديقي يسرد نكتة الشيطان الذي قرر أخيرا أن يتوب عن الشيطنة، وأن يفعل شيئا من الخير، خرج في رحلة التوبة تلك يجوب الآفاق؛ في نفسه أن يقدم الخير الذي يشتهيه البشر؛ من يقابله في الطريق. في سوريا كانت محطة حيث قابل تاجرا شاميا عتيدا، قال الشيطان للتاجر اطلب وتمنى وسأحقق أمنيتك في الحال، لم ينتظر التاجر الذي قال: معمل حرير ودكان كنافة، قاطعه الشيطان لكن ثمة شرط أن ما أقدمه لك يكون لجارك مثله مرتين، هلل التاجر الشامي مؤكدا: معمل حرير ودكان كنافة. منح الشيطان ما وعد وكانت مصر محطة ثانية فبين الشام ومصر شجون، التقى فلاحا مصريا فذكر له ما ذكر للتاجر الشامي فقاطعه الفلاح جاموسة جاموسة وأعطى لجارى محمدين جاموستين، ولم يكن الشيطان قد ذكر له الشرط فكفأه بأن منحه جاموستين مثل جاره. ولأن بين مصر وليبيا جيرة وصحارى وصل الشيطان لاهثا، قابل ليبيا كان قد قرأ عنه في مقالات الصادق النيهوم وعرف أنه الحاج الزروق زوج الحاجة مدلـله، وشاهده في رسوم ازواوا. قال الشيطان: السلام عليك قال الحاج الليبي: لا سلام على شيطان، قال الشيطان ولكن أريد أن أفعل خيرا لك ما تتمنى، فرح الحاج الليبي: عليك مائة سلام، أريد أريد.. قاطعه الشيطان: ما تريده سأعطى لجارك مثله مرتين، لم يفكر الحاج الليبي وهو يصيح اعور لي عيني هذه. وسقط صديقي على قفاه من نوبة الضحك كالعادة، فيما رددت عليه ببرود مرددا طريقة الجزائري في استقبال النكتة: حكمة بليغة، حكمة بليغة.

هذا يغيظ..

كان صديقي يحاول أن يخفف على الغيظ والحيرة؛ كنت مغتاظا من البائع في مكتبة المعارف بالبركة شارع جمال عبدالناصر في مدينة بنغازي الذي طلبت منه جريدة المشهد فرد جازرا: ما عندناش، قلت ولكنها هناك بقربك فصاح في وجهي هذى ليبية ما يقراش فيها حد، وكنت علمت من صالح البرشة مدير فرع الدار الجماهيرية في بنغازي أن أصحاب المكتبات – من استولى على مكتبة من مكتبات الناس التي صارت بحكم قانون التأميم من ممتلكات الدار الجاهيرية؛ هذه الجملة الاعتراضية جملة الكاتب – يرفضون استلام أي نتاج ليبي سوى كان صحيفة أو كتاب بحجة أن ليس ثمة قرأ لهذه المطبوعات.

وهذا يحير..

وكنت في حيرى من ذلك فما الذي يعنيه أن كاتبا مثل إبراهيم الكوني يلقي في بلاده هذا النكران؛ ناقشت الكثير من الزملاء الذين يرون أن الاحتفاء بالكوني في أوكرانيا والصين وسويسرا وألمانيا ومصر وسوريا.. وغيرها الكثير، وترجمت كتاباته للغات متعددة في العالم مرده الاحتفاء بالجو الكاريكاتوري الذي يضع فيه الكاتب عالم الصحراء والكتابة الفلكلورية التي تقدم الشخصيات في إطارها.. الخ من تفسيرات غريبة لنجاحات هذا الكاتب.

وقد ووجهت كتابات الصادق النيهوم بأكثر من ذلك، أما غيره من الكتاب فيلقي الإهمال وتغرض عدم الذكر، ومن هؤلاء من ينكر على الكوني أو أحمد إبراهيم الفقيه مقدرتهم في كتابة روائية متميزة في الكاتبة العربية وكونها إضافة في الكتابة الروائية العالمية؛ جعلت من إبراهيم الكوني يطرح كاسم مرشح لجائزة نوبل، التي أتمنى أن لا يحصل عليها كي لا يطلب أحدهم ما طلب الحاج الزروق من الشيطان.

أما إبراهيم الكوني ذاته ما غيره فإنه دون غيره من كتاب؛ نشر لهم في كتاب في جريدة الذي تشرف على إصداره اليونسكو، ويوزع مع الصحف العربية في الكثير من الدول التي تنطق بالعربية باستثناء ليبيا باعتبار أن لغتها ليست العربية أقول إبراهيم الكوني دون غيره من لم يذكر بلده الحامل جنسيته وجواز سفره ومن يمثله كدبلوماسي في دولة اتحاد سويسرا، كذا يفعل ذلك أحمد إبراهيم الفقيه أما الأستاذ خليفة التليسي فيمكن التأكد من موقفه المشابه من خلال إصدارات الدار العربية للكتاب التي يقدم رأسمالها من مال الليبيين لكن ما نشرته لكتاب ليبيين لا يذكر في مجمل ما نشرت باستثناء كتابات التليسي نفسه.

وهذه مجرد أمثلة:

فما كتبه أمين مازن وعبدالله القويري عن كتاب المغرب العربي من نقد وعرض يجعل من كتاب ليبيا ليسوا من هذه المغاربة كما هم ليسوا شرقاوية. وستجد ذلك في غير هذا المجال ولكن هنا تزداد الحيرة أن هذه هي النخب التي تلقي نفس المصير وتجرع نفس الكأس؛ الدعوة توجه لكل الفنانين ولكل الكتاب ومن سقط المتاع من هذه البلد ومن تلك دون أن يخطر على الداعي الليبي الحاج الزروق أن يطعم مائدته بجاره و لا عجب، وتقام مراكز البحوث ويفكر في تكوين الجمعيات المدنية الفكرية وغيرها وأول ما يفكر في استبعاده ذوى القرب.

في الأيام الماضية قدم الصديق المخرج المسرحي المثابر داوود الحوتي مسرحيته الجديدة “يوسف وياسمينة”، وكانت من تأليف الفريد فرج، دار حوار بيني والأستاذ محمد المفتي الذي شاهد العرض وأعجب به ومس الحوار النص وخطر له سؤال عن كتاب المسرح في ليبيا، أجبته أن ذلك لا يخطر ببال المخرجين الليبيين لأن الكاتب المسرحي عندهم غالبا ما يكون غير ليبي فذلك من لزوم ما يلزم، وعلقت لعل كبر قامة المخرج المسرحي يجعل من الكاتب الليبي صغيرا وصغيرا جدا، حتى وان كان نص ” يوسف وياسمينة ” نصا ضعيفا فإن صاحبه كبيرا، و لا أقول أن مثل هذا المخرج يتكئ على كبيره هذا.

وهذا يبلل الطين !

ذلك لم يبدد الحيرة لكنه زاد الطين بلة ولبد غيوما؛ فما الذي يبرر هذه الازدراء واللا موضوعية في تقويم الذات الفاعلة؟، وما الذي تجنيه الذات بالتجني في تقويم الآخر الذي على جنب؟، وما الذي يكون مثل هذا التجني المجاني؟، ولماذا هذا الانحراف عن الذات الوطنية والمحلية حتى؟ ولماذا هذا الاستخفاف والتسرع في إصدار الأحكام على المختلف معه في قضايا عامة، حتى يتم الإساءة للذات المصدرة لهذا الحكم المجاني؟، وأي مكسب تحققه الذات الفاعلة بمثل هذه الأحكام وبمثل هذا أتتجنى؟.

وهذه ليست إجابة:

قد يقول القائل أنى بهذا المقول متسرع عجول في تقويم لسان حال الواقع، وأني أقع تحت طائلة انفعال ورد فعل كمحصلة لحالة الإحباط التي تحوط الحال الثقافي المرتبك والمتغضن، وأن حالنا الثقافي في السنتين الآخرين في أفضل أحواله على ممر عليه من سنين عجاف؛ هذا يمكن رصده من تزايد المنتج الإبداعي ومن الدماء الجديدة التي تدفقت فيه، ومن المطبوع الخاص تحديدا حيث عدد لا بأس به من الكتاب قد أصدر كتابا أو أكثر خلال العامين المنصرمين على حسابه ومن قوت عياله، وكذلك تأسيس بعض مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بالشأن الثقافي في مجالات عدة، ثم إصدار بعيضا من الصحف والمجلات الجادة. وقد يقول أن مجلة مثل ” الفصول الاربعة ” قدمت؛ فترة رئاسة الاستاذ يوسف الشريف لتحريرها، ملفات عدة عن كتاب ليبيين وتعد المجلة الآن ملفا عن إبراهيم الكوني، واحتفت هذه المؤسسة أو تلك بهذا المبدع الليبي أو ذاك، كما لم يحصل هنا أو هناك.

قد يقول القائل ذلك لكن من دواعي ذلك أن نراجع حالنا المرة تلو المرة، وأن نكون حقيقين وعلى حق في تقويم ما تقدم والتراجع عما يسئ منه، فحتى الشيطان يتوب كما تقول النكتة المقدمة لهذا المقال. و لم أعتقد في يوم أن هناك جماعة تتسم بكيت أو كيت، وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، و لا تقول بذلك حتى بدهيات الإنسان الأول والأولى.

بنغازي: 23/06/03

مقالات ذات علاقة

البعد السياسي في بعض أفكار المعتزلة

عمر أبوالقاسم الككلي

صورة وكلمة

سالم الكبتي

إلى كل هؤلاء

مفتاح العماري

اترك تعليق