علي باني
تعرفوني ما ندسّ عليكم شيء..
أخبركم بكل شيء حتى ما ليس منطقيّاً أو واقعياً، وما قد يتجاوز حِكمة؛
رحم الله أمرئ عرف قدر نفسه…
في طرابلس ليسَ من المُمكن أن تركب قطاراً تنام فيه لتنزل في محطتك وقد أوحت اليك الرحلة بقصة خيالية يُباع بالجزء الأول منها 120 مليون نسخة!!!
في طرابلس، حتّى لو استعنت بالذكاء الاصطناعي للحصول على سيناريو لإنتاج كتاب يكون حجم مبيعاته واحد في الألف من كتاب انتجته أمّ وحيدة غَفت من الإرهاق في قطار لتفيق وقد كتبت (هاري بوتر وحجر الفيلسوف) فإنّ الأمر لا يستقيم.
لكن الغباء البشري وبعضٌ من الكبرياء قد يدفع الإنسان الى محاولة ذلك.
رسمتُ في ذهني خطة مشابهة، أدمنتُ أحلام يقظة أكون فيها نائماً في قطار أحمر اللون يخطف الأرض بصفيره ودخانه، لأفيق في زنقة فرنسيس داخل (بيت) تقطنه سبع أسر، تفوح منه رائحة السردين، وإن أصبحت تفوح منه رائحة ماء الورد منسجماً مع لقبه الجديد (البيّ).
لكم كل الحريّة هنا أن تضحكوا على أحلام طفوليّة تنقصها الحكمة والنُضج ويملؤها الطمع..
فكل ما سبق لم ينجح في اقناعي فوضعت رقبتي على المحك، وبعد أن أخفيت برنامجي عن العيون والاسماع، جاء الوليد وكان فطامه في حولين كاملين، عاد بعدها الى زنقة فرنسيس كيانٌ من ثلاثة أوجه..
هناك من رأى فيه وجهاً واحدا فقط: سيرة ذاتية، والبعض رأى وجه “أنا” دون “هذا” وفي كُلٌ خير!
كانت تلك خطتّه ليمنع عنكم استنتاجاً بسيطاً بتلخيصه في جملة: للقمر وجه مظلم، أو بالقول: لكلّ عُملة وجهان.
ولادة مُتعسرة كاد يجهضها ناشرٌ بسؤالي بعد أن ألقى نظرة سريعة عليه:
“سامحني أنت لمن تكتب لليبيين؟ للعرب؟ لأنّ لكل جمهور مذاقه الخاص.!
بعيداً عن روابط ومؤسسات الأدب والكتابة الثقافة والفنّ، احتفى الناس بالمولود، كان ذلك عالمه الحقيقي ومصدر فخره وسروره..
وكما وعدتكم ما ندسّ عليكم شيء…
أزفّ اليكم خبر حصولي على جائزتين أُعطِيَا لي سِراً ومنفرداً.
الأولى..
-بعد أشهرٍ من انتظار رأيه، التقينا قال لي:
“وددتُ أن أكتب عنه بعد قراءتي الأولى له، لكني رأيتُ ضرورة قرأته مرة أخرى قبل ذلك.
اكتشفتُ أيضاً أننا لا نعرف المدينة القديمة التي ظننتُ أني أعرفها.”
كانت تلك لحظة فارقة، وجائزة ثمينة، أسميتها جائزة (المهدي كاجيجي) للأدب..
جائزة أخرى….
-استوقفني في ميدان الجزائر، مظهره بسيط، على مُحيّاه ابتسامة لم تُخفها لحية اختلط فيها البياض والسواد، بادرني بالسلام والقول: قريت كتابك!
كانت سعادتي كبيرة بذلك فلم يخطر ببالي أنه يتذكر أيضاً كتابات جريدة الشط، في حديثه أصالة يغلفها حزنٌ على حال الثقافة كما قال.
كانت تلك لحظة فارقة اسميتها جائزة الناس.
ذلك اليوم تذكرت قولٌ غاب عني قائله:
الإغراق في المحلية؛ عالميّة…
ذلك الحبّ وتلك الجوائز قالت لي:
لهم قطارهم ولنا (فلوكتنا)…