كان المرحوم علي صدقي عبد القادر حالة شعرية متفردة سطعت في سماء الشعر الليبي عقوداً طويلة،كان مناضلاً وطنيا في دنيا الشعر ينسج قصائده من ملح المدينة يمزج ابياته بعقود الفل ومسك الليل وشجرة الحناء، كان يحلو له ان يعلن في قصائده عبارته الشهيرة …( أمي النخلة )
كما كان المرحوم مناضلاً في ميدان الكلمة القانونية من خلال ممارسته لمهنة الدفاع عن الناس وحقوقهم أمام المحاكم .
كتب الشاعر الراحل القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة ، وقاد بكل اقتدار مسيرة الحداثة في الشعر الليبي ، حيث كانت قصائده في سنوات عمره الأخيرة الأكثر حداثة ــ برغم سنه ــ بين جميع أجيال الشعراء ، مع محافظته على خصوصيته اللغوية، واستخدامه لمفردات لم يتعود الشعراء استخدامها واغلبها يدور حول علاقته بأمه ومدينته ووطنه، وهو لا يفصل أحيانا كثيرة بين الأم والوطن والمدينة لأن الأم وطن وكذلك الوطن هو أم للإنسان ، والمدينة الحاضنة هي امتداد لكليهما .
الأم عند علي صدقي عبد القادر تتحول أحيانا إلى نخلة أو شجرة حناء ، تماماً كما يرمز للنخلة بالأم ، حيث عطاء النخلة بلا حدود ويقترب من عطاء الأم .
توفي الشاعر علي صدقي عبد القادر في عام 2008م وكتبت الصحافة في تأبيته العديد من المقالات، وكان لي شرف المشاركة في ذلك بكتابة مقالة تشيد بمسيرته الادبية وعطائه نشرت بصحيفة (أويا) التي كانت تصدر في ذلك الوقت وكانت المقالة بعنوان (الشاعر الذي تنحني لكلماته الجباه ) حيث ذكرت بان كل ضيوف الدولة الليبية عندما يزورون النصب التذكاري لمعركة الهاني ويقفون اجلالاً وينحنون أمام النصب التذكاري هم في الواقع ينحنون ايضا أمام كلمات علي صدقي عبد القادر المسطرة على هذا النصب التذكاري وهي ابيات من قصيدته الشهيرة عن معركة الشط والهاني والتي يقول في مطلعها .
أينما وليت وجهي كان يلقاني الشهيد
حاملا حفنة ترب من ثرى ليبيا المجيد
كانت ابيات القصيدة قد كتبت على النصب التذكاري مند أوائل سبعينيات القرن العشرين، ومع مرور السنوات لم يعد ينتبه لها أحد وقد مر ما يزيد عن خمسة وثلاثين عاماعلى كتابتها، الا ان نشر المقال في صحيفة أويا في مناسبة رحيل الشاعر علي صدقي عبد القادر، قد نبه على ما يبدو المسؤولين السياسين في الدولة وعلى أعلى مستوى حيث لم تمر إلا ايام قليلة حتى كانت مجموعة من العمالة الاجنبية يقودهم موظف ليبي يتسلقون النصب التذكاري لشهداء معركة الهاني داخل المقبرة ويقومون بازالة تلك الابيات الرائعة من مكانها في منتصف النصب ويقضون على أثر جميل مهم لشاعر الشباب علي صدقي عبد القادر كان مسطرا بحروف بارزة يخلد فيها جهاد الاجداد ضد الغزو الفاشستي الايطالي، يمسح العمال الاجانبكلمات القصيدة بقسوة لجهلهم بمعاني كلماتها، بينما يقف المسؤول الليبي الذي يقودهم ينظر لعملهم ببلاهة يهمه فيها فقط سرعة الانجاز .
لقد كانت حساسية النظام الليبي السابق عالية تجاه نجومية كل المبدعين الليبيين، وهنا نجد النظام يخشى نجومية شاعر انتقل إلى رحمة الله ولم يبق منه إلا ما قدم من أعمال شعرية مميزة، أليس هو نفس النظام الذي أبعد تمثال الامبراطور سبتيموس سفيروس عن ميدان الشهداء وحدد أقامته بمدينة لبدة لا يغادرها ابدأ، وهو من منع ذكر اسماء المسؤولين السياسيين في الاذاعة والتلفزيون والاكتفاء بصفاتهم، وحدد عبر الاذاعة ذكر ارقام لاعبي كرة القدم دون ذكر الاسماء.
رحم الله الشاعر علي صدقي عبد القادر الذي كانت ومازالت تنحني لكلماته الجباه .
____________
نشر بصحيفة الرأي
تعليق واحد
من اشعاره التي تعتبر من الروائع : قصيدته …. ليبيا بلد الطيوب … وأيضا قصيدته … لك انت يا أمي موجودتان في الرابط التالي: http://kmorgham3.blogspot.com/