الطيوب| حاورها : مهنَّد سليمان
النقد والنص الإبداعي جدلية مزمنة لا تكاد تنتهي فكلا الأمرين أمر النص وأمر النقد غالبا ما يقفان على أرض ملتهبة مزروعة بالألغام فيكون المآل صدامهما وتشابكهما ، فلم يسجل التاريخ حتى الآن أية أرضية مشتركة فواقع الشد والجذب يفرض شروطه وحالة المد الجزر تلقي بظلالها على طرفي المعادلة الإبداعية، ومن عوامل تداعي التواصل بينهما أن صاحب النص الإبداعي يرى بأن النقد هو محض تسويغ شرعي لوصاية مرفوضة على الأدب، والناقد بدوره يجد بأنه يمارس أدواته النقدية للاضاءة على مَواطن الضعف والخلل ليعيد تفكيك خلاياه بغية التوصل لفهم منطقي للنص الإبداعي ما يجعل الناقد حسب تقدير البعض يكتب أحيانا نصا موازيا يتجاوز به مفاتيح التأويل لدى صاحب النص الإبداعي أو الأدبي لكنّ السؤال المطروح لِم لا يتعاطى الطرفين بشيء من المرونة مع بعضهما أليس الأجدر عوض أن تكون العلاقة حادة وندية أن تتحول إلى تواصل تكاملي يساهم في بناء العملية الإبداعية وإثرائها.
وعبر هذه البسطة أجرينا حوارا مع الناقدة الليبية “أحلام عمار العيدودي” وتطرقنا معها لعدة مسائل تهم النقد والناقد في ضوء ما طرحناه عليها من أسئلة ، وضيفة حوارنا لهذا اليوم من مواليد زوارة 1981م حاصلة على شهادة الليسانس في اللغة العربية من الجامعة الليبية المفتوحة، وتُعد حاليا رسالة الماجستير في النقد الأدبي بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا بطرابلس.
هل جمود الحركة النقدية عائد إلى مستوى ما يطرحه الأدب المعاصر من نصوص روائية؟
النقد ما هو النقد؟ النقد هو عملية تقوم على تفسير النص الأدبي وكشف خفاياه ،وهو علم يحتاج إلى ذائقة وجدانية ،وقدرة على قراءة النص من زوايا متعددة قد لا تخطر على ذهن كاتب النص نفسه،والنقد أنواع فهناك نقد وظيفي، ونقد بنيوي، ونقد تأثيري،ونقد تاريخي،ونقد انطباعي ويكتسح الأخير الساحة النقدية العربية منذ وقت طويل،وهذا سبب ما يراه البعض جمود في الحركة النقدية،ومن وجهة نظري لم يتعرف المبدع العربي على الأنواع الأخرى من النقد عن قرب أو بشكل تطبيقي؛أو بمعنى آخر لم يتم تطبيق مثلاً:النقد التأثيري على نص روائي أو ققصي عربي؛ فبالتالي أصبح المبدع العربي لا يعترف ولا يتقبل أي نوع آخر من أنواع النقد السابق ذكرها ! هذا ما ساهم في الحقيقة إلى ما يمكن أن نسميه(جمود نقدي) أما الأدب المعاصر فهو برئ براءة الذئب من دم يوسف..
طالع أيضًا: صـوت الـراوي الـسـاحـر في روايـة (الـكـلـب الـذهـبي)
بعبارة أدق :هل الخلط بين النص وكاتبه أدى لهذا الجمود؟
لا أعلم كيف يعتقد بعض من الكُتاب العرب أنه لا يُسأل عما يكتب.؟ يجب على المبدع العربي أن يعي جيداً أنه بمجرد أن يتم نشر نصه يخرج النص عن سلطته ليصبح في سلطة المتلقي القارئ، وهذا القارئ يقرأ النص كيف يشاء ويفككه ويحلله كيفما يشاء، وهذا التفكيك والتحليل يُولّد النقد ويفتح أفاقا جديدة ويثري النص ويساهم في تطور الحركة النقدية وتخليصها من الجمود الذي سببه شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى المبدع العربي،والتي دفعته لمناقشة أي عملية نقدية تُقدم في نصه وأحيانا رفضها والتهجم عليها،وهذا ما جعل السيادة للنقد الانطباعي، الذي لا يخلو في أحيان كثيرة من المحاباة والمجاملة وهو ما أدى بالتالي إلى جمود الحركة النقدية، حتى أصبح البعض يعتقد أن أي محاولة نقدية تخرج عن هذا النمط السائد لا يمكن تصنيفها كنقد.! فيجب على المبدع العربي أن يعي جيداً أن كل كتابة نقدية هي بمثابة بث للروح في النص وإثرائه، وكل كتابة نقدية هي دليل على ما يحويه النص من ظواهر أدبية يجدر دراستها وتتبعها.
لكن في المقابل هنالك من يقول إن أدب اليوم تجاوز المدارس النقدية الكلاسيكية، كيف نُقيّم هذا الرأي؟
سيموت الإبداع بموت النقد،أدب ما قبل الإسلام لم يستطع أن يتجاوزما أُتيح له من محاولات تقييمية كانت تُعرف بالحكومات مثل: حكومة (أم جُندب) والتي أُعتبرت نموذج للدلالة على بداية النقد العربي،أما المدارس النقدية الكلاسيكية فهي مناهج وافدة لا يمكننا تجاوزها فقد ساهمت في فترة من الفترات في انعاش الحركة الأدبية العربية.! وهذا ما لم تستطع فعله المناهج النقدية العربية القديمة، وبعيداً عن مسألة التجاوز التي باتت تُعبر عن إفراط المبدع العربي في الإعجاب بنفسه فإن النقد والإبداع لا يمكن لأي منهما التنصل من الآخر بأي شكل من الأشكال،والأدب العربي أدب حي قادر على تقبل كل ما هو جديد وهيكلته بما يتناسب وطبيعة بيئته العربية.
أترين أن التطبيقات النقدية لم تواكب التطور المطلوب ؟
سيادة تطبيق النقد الانطباعي ـ كما أسلفت الذكرـ لم يدع مجالاً لظهور وانتشار تطبيقات نقدية لمناهج من نوع آخر، والحياة الاجتماعية وطبيعتها ساهمت أيضاً في جعل العلاقة بين الناقد وكاتب النص علاقة محاباة ومجاملة، ما نتج عنه اتحاد الناقد والكاتب لرفض أي محاولة نقدية على نمط جديد ـ وبالمناسبة الناقد المتخصص هو الوحيد القادر على قيادة التغيير وانتهاج نهج جديد من شأنه أن يقلب الموازين المعتادة،ما يعني أننا أمام منهج انطباعي وناقد غير متخصص فستكون النتيجة بكل تأكيد ثبات تطبيقي لمنهج واحد بالإضافة إلى عدم القابلية لمنهج آخر والنتيجة جمود وعدم تطور.
لماذا برأيك لازال الأديب عامة والروائي خاصة يفتقر لقابلية التسامح مع نقد نصه الإبداعي ؟
ليت الأديب العربي يعلم ويعرف كيف يدرس طالب الأدب المبدع العربي؛ في الحقيقة نحن ندرسهم بشغف وحب كبيرين،حتى أن أساتذتنا إذا ما لاحظوا شغفنا هذا بادروا بتنبيهنا إلى أهمية الفصل بين هذا الحب والشغف وبين ما يكتبه المبدع لنصل إلى نتيجة نقدية تكون بمثابة إضافة تليق بكاتب النص ومبدعه أولاً وبالنقد الذي يُطلق عليه (النقد الأكاديمي) ثانياً .إن المُبدع الحقيقي قادر على فهم ماهية النقد وما سيضيفه لنصه،وهو بالتالي قادرعلى استيعاب العملية النقدية بكل ما تحويه من إضافات وملاحظات التقطتها عين ناقد متخصص يمتلك أدواته النقدية. إن الروائي يعيش مع نصه كثيراً لدرجة أنه قد يتلبس بعض شخصياته لذلك تجده حساس نحو ما يكتب، وينسى أن الرواية قد خرجت من سلطته لتصبح في سلطة قارئ؛ كُتب النص من أجل أن يقرأه، ويفككه ويحلله أحياناً،لذلك أفضل شخصياً دراسة أكثر النصوص الروائية بالمنهج النفسي.
طالع أيضًا: رواية صندوق الرمل بين التاريخ والفاعلية الاجتماعية
إخضاع النص الإبداعي لمعايير وشروط المدارس النقدية ،ألا يثني عنق العمل الخاضع بدوره لمعطيات بيئته المحلية؟
إن إخضاع النص الإبداعي لمعايير النقد ومناهجه يطيل من عمر النص،ويوسع دائرة انتشاره محلياً وعربياً وعالمياً، أما فيما يتعلق بإخضاع النص الأدبي لمعايير ومعطيات تتعلق ببيئة النص وصاحبه فهذا موضوع آخر يدخل فيما يسمى بـ”أخلقة الأدب”.
كيف يمكن بناء تواصل مثمر بين الناقد والمبدع؟
الناقد والمبدع.! أليس الناقد مبدعاً؟ النقد عملية إبداعية مهما اختلفت أساليبه ومناهجه،فالناقد هو الوسيط بين مبدع النص أو كاتبه وبين القارئ،فكيف تتم هذه الوساطة إذا لم يكن الناقد مبدعاً.؟ أعتقد أن هناك أزمة مفاهيم، واختلاط مهام مما جعل البعض يعتقد أن الناقد عدو للنص،وفي الحقيقة الناقد قارئ من قراء النص كل ما في الأمر أن هذا القارئ الناقد يمتلك أدوات تؤهله لتفكيك وتشريح النص؛لإخراج خفاياه ومقاصد كاتبه فالناقد يستطيع اشتفاف غيبيات النص، والناقد يعيد كتابة النص بشكل آخر، ولكن من وجهة نظر مبدعٍ آخر.
كلمة أخيرة:-
يتجسد الإبداع في “الإيديولوجيا” التي تُقدم من خلال مختلف الأجناس الأدبية،والنقد ما هو إلا عملية تشريحية لنصوص متنوعة تحويها تلك الأجناس، وهو ظاهرة صحية تساهم في أدلجة العقل الإنساني،بما يتناسب وطبيعة الحياة المعاصرة،والعلاقة تقوم بالدرجة الأولى بين الناقد والنص؛أما علاقة الناقد بصاحب النص فلاتكون إلا من خلال تجليات الإبداع في النص؛ بمعنى علاقة المبدع بالمبدع. إنّ وضع النص تحت مطرقة النقد هو تجرد الناقد من كل أهوائه،ولبس لباس الحِيدة والموضوعية، وكل ناقد يختارالنص الذي يمارس عليه العملية النقدية من خلال قراءة معمقة للنص أولاً، ومن خلال ظواهر يستشعر حضورها داخل النص فتستفزه للكتابة النقدية؛ لذلك يجب أن تكون العملية النقدية بعيدةً كل البعد عن الشخصنة والمجاملة والمحاباة؛ التي أصبحت سبباً رئيساً من أسباب جمود النقد في العالم العربي.