حوارات

عائشة إدريس المغربي: شعرت أنني أملك منذ صغري حدسا تجاه الأشياء والكون

شعرت أنني أملك منذ صغري حدسا تجاه الأشياء والكون

حاورها: بسام الطعان- موقع ميدل ايست اونلاين

شاعرة وكاتبة ليبية، دكتوراه في فلسفة الجمال من جامعة السوربون لها حضور كبير وبهي في المشهد الثقافي والاجتماعي الليبي، تعمل أستاذة لفلسفة الجمال بجامعة ناصر الأممية.

صدر لها: الأشياء الطيبة (شعر)، البوح بسر أنثاي (شعر)، أميرة الورق (شعر)، صمت البنفسج (شعر)، بائعة الزهور (مسرحية)، أوهام الغبار (قصص).

 الشاعرة: عائشة المغربي

* تكتبين القصة القصيرة والشعر، وتجربتك الإبداعية غنية ومستمرة، ما هي الرسالة التي تودين تحقيقها عبر هذه التجربة، ولماذا اخترت هذه الطريق الصعبة، طريق الإبداع؟

– نعم أكتب الشعر والقصة، فلي بعض التجارب القليلة اعتبرها تجليات لروح الشعر لأنني أرى الشعر قادر على أن يستوعب كل الأجناس الأدبية ويمنحها من روحه. إن روح الإبداع حين لا تستطيع الصعود لقمة الإبداع فأنها تتجلى في أنماط أخرى من الإبداع، القصة الخاطرة الرواية الرسائل، لكنني لا أقلل من شأن هذه الأشكال الأخرى للإبداع، واعتبر الشعر أصعب أنواع الكتابة وأجملها، لأنه يملك دهشة البداية، بمعنى أنه يحتفظ بدهشة ولادة الأشياء وفطرتها، إن الصنعة والاحتراف والسعي خلف الشهرة والنمطية أفسدت العلاقة مع الشعر، فالشعر سيبقى دائما في مرحلة الطفولة بكل ما تحمله من جمال وبراءة وعفوية، وإن كان يحمل هم الكون وأسئلته المحيرة.

في واقع الأمر لم أقرر أن اختار هذه الطريق، إن قصة الإبداع شائكة جدا وتتضافر كثيرا من الأسباب والظروف لتخلق شاعرا لكنني أدركت منذ تفتح وعي الكون والحياة أنني ساكون شاعرة، وشعرت أنني أملك منذ صغري حدسا تجاه الأشياء والكون، وأرى الآخرين حولي، وسمة الشعر تلك المعرفة، ما لا يراه، معرفة العقل أو المادة، لكنها تتجاوزها إلى التي لا تتأسس على معرفة أرقى وأكثر إحساسا، رسالة الشعر الحب والسلام والجمال، وأنا أحاول أن أزرع بعضا منه في هذا الكون الذي يعج بالحروب والدمار والفقر والظلم، انتصر من خلال ما اكتب للحرية والخير وللضعفاء والمهمشين.

* كل جنس أدبي له مكانته الخاصة به، وقارئه الخاص به، برأيك أي جنس أدبي له النصيب الأوفر من القراء، الرواية أن القصة أم القصيدة، ولماذا؟

– كل أنواع الأدب هو من الإبداع وكل رأي خالف هذا القول اعتبره سذاجة لكن لا يمكن لنا أن نتناول نفس الموضوع وبنفس الطريقة في كل من الشعر والرواية أو القصة القصيرة. إن الوظيفة تختلف وكذلك الأدوات واللغة والتكثيف والأبعاد الزمانية والمكانية، ما يمكن توظيفه في الشعر غير ما يكون في الرواية.

أعتقد أن القصة أو الرواية الآن لها النصيب الأوفر من القراء، وهو زمن توهج الرواية خاصة لكن هذا لا يلغي دور الشعر وينقص من مكانته. هناك أسباب عديدة تجعل كل جنس من الأجناس الأدبية يصبح له الأولوية منها على سبيل المثال أن الرواية قد استفادت من اللغة الشعرية واستعارت أدواته.

إذا ما عدنا للوراء فإن الشعر في زمن الملاحم الكبرى كان يحتوي كل الأجناس الأدبية الأخرى، وبذلك سيظل الشعر هو أساس الإبداع الأدبي، والأجناس الأدبية الأخرى ما هي إلا وليدة الشعر وقد تطورت وخلقت لها طعمها الخاص بها.

* كيف تنظرين إلى واقع القصيدة الليبية، وكيف تصفين علاقة الجمهور الليبي بالشعر، وأين مكان القصيدة الليبية على خارطة القصيدة العربية؟

– الشعر في ليبيا يعتبر امتدادا للتجربة العربية عموما، لكن التجارب الشعرية في ليبيا تجارب فردية متناثرة على رقعة واسعة من السنين والجغرافيا ولا تملك حتى الآن قراءة واعية ترصد تطورها واتجاهاتها وسماتها المشتركة رغم وجود العديد من التجارب الناضجة والمدهشة بينها فهي تدور في إطار المحلية لا تظهر إلا بعض الأسماء المعروفة منذ فترة، وهي تتكرر كأنه لا وجود لغيرها ولا يمكن أن نتطرق إلى مكان القصيدة في ليبيا على خارطة القصيدة العربية ما لم تتم قراءتها، لكن الأدب بصفة عامة يعاني انتكاسة وخاصة الشعر، فالعالم اليوم ينحدر بشدة نحو المادة وتتآكل القيم الروحية التي يمثلها الأدب وخاصة الشعر، والشعوب العربية كما تشير الإحصائيات والدراسات شعوب لا تقرأ فما بالك بالشعر الذي تحتاج قراءته إلى حساسية عالية جدا.

* هل من بروز ظواهر شعرية جديدة في ليبيا كالتي تجسدت في الشعراء الليبيين الكبار؟

– هناك العديد من التجارب الجميلة والمميزة في ليبيا، لكن كما قلت لك كأن التجربة الليبية لم تقرأ بعد، وهذا ما يجعل من الصعب الحكم عليها لكنني على صعيد شخصي أرشح تجربة الشاعر المرحوم علي صدقي عبدالقادر كظاهرة شعرية مميزة ليست على صعيد التجربة الثقافية في ليبيا وإنما على مستوى العالم العربي والعالم، وهو شاعر مميز على صعيد تجربته الإنسانية والشعرية وهو عالم مترامي الأطراف أفقه لا يحد وتجربته خاصة جدا ومتفردة.

* هل توافقين الأصوات التي تقول إن القصيدة الحديثة أصبحت بديلا عن القصيدة الكلاسيكية؟

– أنا اعترض على صيغة السؤال، بمعني أن كلمة بديل هنا كأنما اشترينا صنفا جديدا بدل الصنف القديم الذي توقفنا عن استعماله وهذا لا ينطبق بالتأكيد على الشعر فما يحدث في الأدب أو الإبداع عموما هو تطور وهو لا يمكن أن يقطع الصلة أو ينفي ما سبقه، وبذلك سيظل تاريخ الأدب محتفظا بالقصيدة الكلاسيكية. كما أن الفهم الخاطئ أو السطحي لثورة الحداثة في الشعر يجعل من صيغة السؤال تتحدد الإجابة بنعم أو لا.

اليوم لا يمكن أن نقبل في الشعر بمعطيات جمالية ومعايير منذ عصر الخليل، إنها عملية تطور ذائقة جمالية لا تطول الشكل فقط لكنها تشمل التجربة الشعرية بكاملها وتحمل رؤيا جديدة مختلفة تماما مما يجعل الكتابة عنها بشكل القصيدة الكلاسيكية تجعلها عرجاء وكل ما لم يفهم جوهر التغيير الحقيقي في قصيدة الحداثة فلا يعني تخلية عن الوزن والقافية. إنه كتب قصيدة حديثة وهذا هو مأزق القصيدة الآن في العديد من التجارب الشعرية التي لا تملك رؤيا.

* بمَ تفسرين هذا العدد من المبدعات، نحو 400 مبدعة عربية، وهناك موجة كاسحة من الكاتبات، هل هو نوع من التحدي لمجتمع ضاغط بإرث من التقاليد الصارمة، وهل هذا العدد قليل أم كثير بالنسبة للمرأة العربية؟

– لا أدري السبب وراء هذا الاحتجاج على عدد الكاتبات، وهل يمثل هذا العدد من الكاتبات رقما إلى جانب الكتاب الرجال.

من وجهة نظري هذا تعسف تجاه المرأة، أنا أنظر إلى نص جيد سواء كتبه رجل أو امرأة، وأعتقد أن هذا العدد قليل جدا نسبة لعدد النساء العربيات ومن جانب آخر الإبداع مسألة تختلف فليس المهم العدد أو الكم بقدر الكيف بمعني مدى تأثير وفاعلية هذه الأسماء على الساحة الثقافية ومسيرة الإنسانية.

* القصة القصيرة الليبية والعربية كواحد من الأجناس الأدبية، كيف تقيمينها في الوقت الراهن، وهل من تطورات طرأت على القصة الليبية؟

– تتجاوب التجارب الليبية مع التطورات التي تمر بها القصة القصيرة في العالم العربي، وهناك العديد من التجارب المميزة في ليبيا، هذه ملاحظة لا تعتبر تقييما لواقع القصة القصيرة في ليبيا، لأنني لست متخصصة في هذا المجال، ولأن النتاج الأدبي في ليبيا ـ كما سبق القول ـ لا يزال يعتبر أرضا بكراً لم يأخذ كفايته من الدراسات والنقد والتحليل وتعتبر تجربتي في كتابة القصة قليلة، فأنا لم اكتب إلا عددا قليلا جدا من النصوص القصصية، ورغم اعتزازي بهذه التجربة إلا أنها لا تمثلني بقدر الشعر فهو الوجود الحقيقي لتجربتي الإبداعية.

* في عالمنا العربي المقيد بالأغلال، المعبأ بالاحتلال، المحاصر بالتهديد والوعيد، الفاقد القوة، الناقص الحرية، المستجدي للسلام، في هذا العالم المضحك المبكي، ما المطلوب من الكاتب العربي، ماذا يمكن أن يفعل، هل يستطيع أن يفعل شيئا وهو غارق في همه إلى قمة رأسه؟

– إذا نظرنا إلى التاريخ الإنساني، فإننا نجد أن للكاتب دورا كبيرا في التغيرات التي حدثت في العالم والثورات الكبرى كانت نتيجة للوعي الذي أسهمت الكلمة في تأسيسه غير أن الأمور الآن اختلفت تماما، وخاصة في العالم العربي، أنا غير متفائلة على الإطلاق بهذا الدور ولكنني مع هذا لا أكف عن المحاولة.

* هل من مشاكل تواجه المرأة العربية المبدعة، وماذا ينقصها، وإلى ماذا تحتاج حتى تبرز كما يجب على الخريطة الإبداعية؟

– أكبر مشكلة تواجه المرأة المبدعة في العالم العربية، النظر إليها من خلال جسدها وكل ما تكتبه يقاس على هذا المنوال، كأنما لا تملك عقلا في رأسها، ومنظورا إليه من خلال المحرم والعيب والأخلاقي. هذا يشكل عائقا كبيرا أمام تجربتها التي تختزل دائما للحديث حول الجسد والجنس. تجربة الرجل الأدبية والفكرية والأخلاقية تقيم من خلال هذا المنظور بينما تجربة المرأة تقاس من منظور أخلاقي بصرف النظر عن قيمتها الفكرية والإبداعية. في تصوري أن النقصان المزمن في النظرة للمرأة يجعل إبداع المرأة أعرج رغم استقامة خطواتنا.

* كيف تقرئين آفاق التواصل بين الثقافة العربية العربية، وفي أي دولة عربية الحركة الثقافية فيها هي الأبرز والأجمل برأيك؟

– جغرافيا هناك المشرق والمغرب والتواصل بين هاتين النقطتين، ضعيف ومتقطع، فالمشرق أكثر قدرة على التعبير عن نفسه وأكثر قدرة على الانتشار، بينما المغرب رغم قدراته الهائلة فإنه لا ينتشر بسرعة كافية، هناك أذن أزمة في أفق التواصل إذا استثنينا بعض الأسماء المعروفة وهي تنتشر في رقعة الخارطة العربية وتبقى لفترات طويلة مهيمنة ولا تفسح مجال للأسماء الجديدة بسهولة.

لقد غيرت ثورة الاتصالات مؤخرا المعادلة، فالنت أسهم في مسألة الاحتكار الذي يمارس على الأنشطة الإبداعية والأدبية والمهرجانات والندوات والمعارض والتي لا يذهب إليها في الغالب إلا من له علاقات ومصالح، وليس الكل طبعا دائما هناك استثناءات. بيروت كانت هي الأكثر إشعاعا والأبرز والأجمل كذلك القاهرة الآن لم تعد كذلك لحسابات ليست ثقافية بالتأكيد لكن برز الخليج بإمكاناته المادية ليجذب فراشات الإبداع إلى دائرة الضوء التي يحاول أن يجعلها مشتعلة وإن أسهمت كل الأسماء العربية في استمرارها.

* هل الكلمة قادرة على أن تعزز التواصل بين أبناء الأمة الواحدة، وهل الكلمة تفعل في الحياة فعل الرصاصة؟

– الرصاصة ليست قادرة إلا على الهدم، والكلمة قادرة على البناء، والهدم لكن الرصاصة أسرع وأقوى، لكن الكلمة قادرة على تعزيز أفق التواصل بين أبناء الأمة العربية والتي ليست واحدة للأسف لكنها لا تفعل فعل الرصاصة في الحياة كما عبرت، إنها مثل عوامل التعرية التي ندرسها في الجغرافيا تحتاج لوقت طويل لترسم تغييرا في خارطة الحياة.

مقالات ذات علاقة

دينا القلال: كثيرة هي الأقنعة ولكن الحب ليس قناعًا نرتديه

حواء القمودي

الخروبي: غاية الفن الحروفي مشاهدة القصيدة لا قراءتها

عبدالسلام الفقهي

الشاعر محمد عبد الله.. لفسانيا: طموحاتي كبيرة جدا ليس لها مدى أو حتى فضاء يحتويها

المشرف العام

اترك تعليق