حوارات

الشاعرة الليبية كريمة الشماخي أكتب حتى لا أموت غماً وهماً

أكتب حتى لا أموت غماً وهماً

قصيدة النثر هي عناوين جديدة للمشاعر الإنسانية

حاورها: عادل هاشم الميالي

الشاعرة: كريمة الشماخي

الشاعرة الليبية كريمة الشماخي من الأصوات الشعرية النسائية المتألقة، فقد تميزت بقصيدتها الشعرية الباذخة، حيث صدرت لها خمس مجموعات شعرية وهي (حوار مع الذات )، (الوديعة)، (ابنتي الوحيدة)، (خواطر امرأة عربية)، (عفواً سيدي)، كما صدر لها عام 2006 كتاب (البوكالة في الموروت الشعبي الليبي) وتستمد هذه الشاعرة قوة ألقها الشعري من مرجعيات ومدارس متعددة، ابتداءً من الموروث الشعبي الليبي إلى شعراء المعلقات وأخيرًا الحداثة.. والشاعرة كريمة الشماخي من مواليد ليبيا عام 1963، وقد عملت في مجال التدريس لأكثر من عشر سنوات، ثم انتقلت إلى هولندا عام 1995 لتقيم بصحبة زوجها، وفي هذه المساحة سنحاول التعرف على تجربة الشاعرة كريمة الشماخي ورؤاها الإبداعية والشعرية، فكان لنا معها هذا الحوار :

بداية ما هو جديدك الشعري؟

أنا عاكفة مند زمن طويل لكتابة مطولة شعرية باسم (بنات المختار)، وهي عبارة عن محاولة لتدوين تاريخ نضال المرأة الليبية في كافة مجالات الحياة، وسبل ارتقائها ضمن التطورات التي تشهدها الساحات العلمية والثقافية والأدبية، حيت إن هناك جوانب مستترة في حياة المرأة الليبية لم تصل إليها عيون الأدباء أولم تلمسها شغاف قلوب الشعراء، فعطاؤها لايتناسب مع ماهو مكتوب عنها، وهي التي عرفت مقاتلة في ساحات الجهاد ضد العدوان الإيطالي مع أخيها الرجل، وانتهاءً بأناملها الرقيقة التي تعزف أعذب الألحان أو تمسك الريشة لتخط الصور الجميلة على لوحة القدر، إضافة إلى حملها اليراع لتخطّ أجمل الأشعار، تلك عظمة المرأة الليبية.

حدثينا عن بداية علاقتك بالشعر؟

علاقتي بالشعر هي علاقة بصيص النور الذي يبدد ظلام الجهل،علاقة الفجر الباسم بعد ليل طويل، فالشعر هو بستان المعرفة الذي يعزف على بصيلات أشجارها أنين البلابل الحزينة، فلي مع الشعر رحلة عمر، معه أبكي حرقة في غربتي، أو أسقي سويعات الأيام بدموع، وهو النزيف الذي لايتوقف بين أناملي لكي أسطر عواطفي الجريحة على السطور، إنها علاقة الفراشة الملونة بالنور الذي يحرق أجنحتها، ولكن لامفر من الخوض في دهاليزه بحثا عن ابتسامة تعيد الأمل للشفاه الحزينة.

لماذا الكتابة الشعرية دون غيرها؟

ذلك لأن هناك تآلفًا حميميًا وصداقة دائمة بيني وبين الشعر، فهو حبيبي الذي أحكي له لواعج النار في قلبي، وهو صديقي أصارحه بمكنوناتي التي لا أستطيع البوح بها لأحد، وهو معيني حينما جار علي الزمان مرات ومرات.

مرجعيات الشاعرة

وما هي المرجعيات التي ساهمت في صقل موهبتك وتنمية ملكتك الأدبية؟

هناك أكثر من شلال ساهم في تحويلي المفاجىء نحو بحور الشعر، فالموروث الشعبي الليبي مليء بالأزجال والأشعار الجميلة ذات المضامين العميقة.

إضافة إلى صعوبة واقع حال المرأة (البنت) في مضمار عائلة قاسية لا تعرف معنى عذوبة الكلمات، فكنت أكتب ما تجود به قريحتي وأخبئها تحت وسادتي لأجدها في اليوم التالي ممزقة من قبل من لا يفهم لغة زقزقة العصافير، كما أن جدتي (رحمها الله) كانت تحفظ من الأشعار والأزجال التي تدل على عمق الشخصية الليبية، فتعلمت منها أن الشعر رسالة وليس نظماً إضافة إلى مكتبة مركز جهاد الليبيين التي كانت معيني الكبير للغوص في هذا المضمار الجارف.

لماذا تكتبين؟

الكتابة بالنسبة لي هي الحياة بعينها، فأنا أكتب إذاً أنا موجودة في عالم رجولي لابد لي من إثبات ذاتي المقهورة، أكتب لكي أحكي قصة الأيام الحزينة لسلحفاة وديعة تعرضت للذبح في مسلخ الحب الذي كان، أكتب لكي لا أموت غماً وهماً، ومن هنا فالكتابة هي الملجأ لي بعد بوادرالانهيار الكثيرة التي تلاحقني كما تلاحق أية امرأة ارتضت أن تبقى أنثى وتنسى أنها إنسانة لها رسالة سامية في الحياة، فالكتابة بمداد القلب هي الجرح الأكبر الذي لايندمل.

هل تخططين لكتابة قصائدك أم تكتبين استجابة لحالة انفعالية معينة؟

كل قصائدي تأتي عفوية استجابة إلى مشاعر فياضة لابد وأن تخرج لكي أرتاح من هذا الثقل الكبير، وهذه الاستجابة هي بركان ثائر لا يهدأ إلا بأن أوجه مدافع قلمي دفاعاً عن نفسي كامرأة وإنسانة وأنثى في وقت واحد.

طقوس الكتابة

لحظة البوح بالقصيدة.. هل ثمة طقوس خاصة بها؟

 لا طقوس حقيقية في لحظات البوح بالقصيدة وإنما هناك طقوس تتوالد في أي لحظة، فأنا حين أشاهد اغتيال العصافير في العراق وفلسطين أجد نفسي داخل صومعة وضمن طقوس حزينة لكي أنقل غضبي على الورق الأصم، وعندما أشاهد حمامة سقطت في شباك صياد خبيث فإنني أبني طقوساً خاصة في البوح بالشعر لكي أحوّل الصياد إلى طريدة، فهذه الطقوس آتية ولا علاقة لها بالزمن، وإنما هي نتاج زمن قاسٍ لايتحمله عقل شاعرة، حيث تنقاد مع مداد قلمها طائعة نحو تهدئة مؤقتة لحالة إنسانية محبطة، أما الإحساس بالحب فهو نتاج يومي أجده في الطيور الجميلة التي تزقزق على نافذتي، أو أجده في ابتسامة ملاك (ابنتي) أو أغوص بعيداً في سفينة حبي مع أمير البحر حسين (ابني) فأنا أعوم في شطآن الحنين دائماً.

قصائدك هل هي ذاتية مغرقة في الانكفاء والانطواء أم أنها تحمل رؤية وموقفًا وقضية؟

بالنسبة لقصائدي هي بالتأكيد ذاتية المنشأ وعلى أساس المتغيرات التي تحكم ظروف أي شاعر، فالانكفاء والانطواء حالتان متميزتان في شخصية أي شاعر، ولابد من الاستراحة على ضفتيهما من عناء الركض خلف القوافي، ولكن هذه القصائد بالرغم من ذاتيتها إلا أنها تحمل موقفاً معيناً واضحاً من أي شيء، ابتداءً من النفس البشرية وتعليلاتها الخفية وانتهاء ً بتعليل الظواهر المحسوسة وغير المحسوسة، وبالتالي بعض القصائد فيها موقف واضح بلا لبس وخصوصاً التي تتعلق بحب الوطن والذود عنه، وأيضاً هناك مواقف تتكرر في الواقع اليومي لإظهار موقف الإنسان من كل المتغيرات التي تتسارع بشكل جنوني، فالالتزام بتراثنا ومناهلنا الجميلة هو موقف، وإن تجيير هذا الموقف في إبداء الرأي في أي أمر يصبح قضية واضحة المعالم.

أي توازن تحدثه الكتابة بينك وبين العالم؟

الكتابة تعيد لي حالة الصفاء الذهني بعد هذا العويل الذي ملأ الكون صخباً، إذ أن العالم اليوم أصبح أكثر قتامة من أي وقت آخر، حيث تحول الإنسان إلى سلعة، والمرأة إلى كومة لحم تباع في السوق، وافتقدت في كل هذا الهمس الجميل الذي يعيد التوازن لشخصيتي، فلكوني مغتربة (أعيش في هولندا بشكل دائم ) فإنني ألاحظ انحطاط كل القيم الإنسانية الجميلة التي تربينا عليها وأصبحت أمامي رسالة أكبر هي كيفية الحفاظ على عريني من هذه الذئاب التي تجوب الطرقان والكتب والفضائيات، فالتوازن المطلوب هنا هو توازن لحظي لا يسع القول والحديث عنه إلا وأن تبدد هذا التوازن إلى قلق، والقلق إلى تفكير مدمر، والدواء الشافي هو الاتجاه نحو القلم لكتابة الأشعار التي تريحني وتعيدني إلى ربوع ليبيانا الجميلة التي أشتاق إليها في كل لحظة، وأشتاق إلى صفاء أهلها ونقاء سريرتهم.

النص الإبداعي

وما هي المساحة التي يشغلها القارئ في ذهنك عند كتابة نصك الإبداعي؟

أنا أكتب أولاً لنفسي، وأخط الشعر على أية قصاصة تقع أمامي، ولا أفكر مطلقاً في انعكاس ذلك على القارئ، لأن كتابة الشعر تأتي بعد معاناة من شيء ما، وأنا أحياناً أحاول كتابة سطر واحد فلا أستطيع، وإنما في حالات أخرى أترك القلم لكي يمشي وحيداً بين أفكاري والسطور الراقدة التي تنضج مفاهيم الشعر في الشعر نفسه، حينها أبدأ بتقنيتها وتفتيحها لكي أنقل للقارئ صورة جميلة تعكس الإبداع الأدبي أكثر مما تعكس معاناتي أثناء كتابة الشعر.

هناك من يرى بأن الكتابة الحقيقية هي صدق وليس تكنيكاً، فهل أنت مع هذا الرأي؟

أكيد إنها صدق المشاعر، فلو عدنا لنقرأ (ألفية ابن مالك ) نجد أن التكنيك الإبداعي الشعري فيها أكبر مما يتصوره إنسان، ولكن لنقرأ عدة أبيات منها حتى يدب في أحشائنا النعاس لأنها خالية من أية مشاعر، فالتكنيك وحده لا يكفي لتسطير مسكوكات لفظية مرتبة تسمى مجازاً بالشعر أو الأدب، ولو لاحظت أن (البوكالة) وهي أسلوب شعري ليبي متميز منتشر في ليبيا، وهي جزء من تراثنا الأدبي، نجد فيها المشاعر مرتبة بصيغة نفسية تحاكي زمن كتابته، وإن التكنيك يكاد يكون مفقوداً، إلاّ من خلال طريقة أداء وطرح البوكالة من قبل العجائز في ليالي شهر رمضان المبارك، وإن هذا النوع من الأدب موجود في العراق أيضاً ويسمى هناك (الدرامي) ؛ فمثلاً :

آني قرنفلة والورد لايدبيا

وكلام الناس مايزيد عليا

هذا النوع من الأدب خالٍ من التكنيك (حسبما هو ظاهر) إلا أن السجع فيه والحكمة البالغة من أدائه هي الطاغية على أي مضمون إنشائي، وفي الحقيقة فإن التكنيك قد يكون مفيداً في بعض الأحيان كموسيقى شعرية تطرب أثناء إلقائها، إلا أنها قد تكون ثقيلة على العقل والفم واللسان وبذلك تصبح علة وعالة بنفس الوقت.

قصيدة اليوم هل تستطيع أن تنأى عن مؤثرات الحياة وتخلق عالماً خاصاً بها؟

بالتأكيد لا يمكن ذلك لأن المشاعر الإنسانية التي تنبض في قلب أي شاعر هي في الحقيقة انعكاس مباشر عمّا يجري على أرض الواقع، لأن صعوبة الحياة اليومية الرتيبة، وفقدان القيم الأصيلة التي تربينا عليها، حيث إن مداخن التكنولوجيا قتلت كل ما هو جميل في العلاقات الحميمة بين الشاعر وقلمه وبين القلم والقلب، ولو أن هناك تجاربَ هي أشبه ما تكون اعتكافاً عن دورة الحياة الرتيبة هذه، وبذلك يخلق الشاعر أو الأديب بشكل عام أن يبني صومعته ويتغنى بليلاه وحيداً خارج السرب، إلا أن وحدته هذه سوف يقتلها صراخ طفل جائع ليعود المبدع من جديد للانصهار في واقع مؤلم ليترك خلفه صومعته لتعشعش بها العناكب والوطاويط.

برأيك هل يستطيع الشعر أن يغير الواقع؟

كثير من الشعراء حاولوا أن يغيروا الواقع من خلال معاول الخليل بن أحمد الفراهيدي، إلاّ أن جميع محاولات تشرذم الشاعر الحصيري الذي كان يحاكي تاريخ عروة بن الورد، أو محاولات تمرد الشاعر حسين مردان في أن يغير نبض الشاعر، إلاّ هذا الركام من الإبداع في بناء بيوت من الشعر الجميل، ولكن أغلبية هذه البيوت بنيت على أرضية هشة لم تقاوم عاديات الزمن وفي المحصلة النهائية فإن الشعراء لم ولن يملوا من رصد حركة سير المجتمعات، وهم بالتالي الأقدر على تغيير الواقع، ولن تتوقف محاولاتهم مادامت أجنحة الفكر تتفتح كل يوم عن قريض جديد وإبداع جديد.

تأثيرات الغربة

ماهي تأثيرات الغربة في تجربتك الشعرية؟

الغربة أضافت لي أكثر من حالة إبداع، لا سيما وأنا أعيش مع زوجي وهو كاتب مبدع من بلاد الرافدين وله مؤلفات كثيرة، حيث يعود له الفضل الأكبر في إخراج أشعاري من تحت الوسادة أو من دفاتر ذكرياتي العتيقة لكي يحوّلها إلى أروقة المطابع، ومعه كتبت أجمل قصائدي لا سيما وأنه تعود أن يهدي لي في كل مناسبة طبع ديوان من دواويني الشعرية ومتابعة كتاباتي، فهو الناقد الأول والرائع بالنسبة لي، ومن خلاله تعرفت على الصحافة العالمية وبدأت في كتابة مقالات عن الموروث الشعبي الليبي في عدد كبير من الصحف العربية والأجنبية في أوروبا، ومن ناحية أخرى أضافت الغربة لي إحساسي الكبير بحب ليبيا وطن الكبرياء فاشتقت إلى مرابعها وساحاتها، الأمرالذي بجعلني دائمة التغني بهذا البلد الجميل في قصائدي الكثيرة، كما أنني في كل ندوة أو مؤتمر أنقل الصور الجميلة عن وطني العزيز ووقفات العز في تاريخه المجيد.

ما هو موقفك من قصيدة النثر والحداثة الشعرية؟

هناك خلجات للنفس تتفتح بين أريج الخمائل بشكل مفاجئ، وهذه الخلجات لا يمكن التعبير عنها إلا من خلال قصائد النثر والتي ترتبط مباشرة بالحدث في حياه أي شاعر، لذا فإن قصيدة النثر هي عناوين جديدة للمشاعر الإنسانية تصبّ في نفس حوض الإبداع الشعري، وكذلك الحداثة الشعرية التي تخرج أحياناً عن قيود ومسارات تاريخ الأدب في تراثنا الشعري إلا أنها قد تكون متلازمة مع عنفوان النفس البشرية في لحظة ما ولسبب معين، لذلك أعتقد أن بعضاً من قصائد النثر تعبر عن المكنون الذاتي لإرهاصات الشاعر نفسه، وهي أقرب لصراع الإنسان مع نفسه أو أقرب إلى خربشات تعكس ما بداخل الإنسان من علل وأمراض، وتبقى قصيدة التفعيلة عروس الشعر بالرغم من عدم التقرب منها من قبل البعض بسبب جهله أو عدم استطاعته مجاراة هذا النوع من الأدب، أو بسبب بساطة مضمونه الفكري وانسياقه مع الواقع العام، وفي كلا الأمرين فإن المحصلة هي دائماً لصالح الإنسان في التطور والإبداع فكم من قصيدة لا ترتقي للشعر إلا بمفرداتها وأدواتها.

ماذا عن قراءاتك، وبأي منها تأثرت؟

تتركز قراءاتي اليوم حول النهوض الكبير الذي يتفجر ثقافة وأدباً في بلدي الحبيب ليبيا، حيث إنني سعيدة بمواكبة المرأة الليبية لكل ميادين الإبداع الأدبي والفني والثقافي وإن هذا النهوض هو مفخرة لتاريخ ليبيا الخضراء الجميلة وصفاء قلوب أبناء المختار، فكم من لوحة رسمتها أنامل ليبية لتغوص عميقاً في بحر الحب، وكم من قصيدة عصماء ألقتها الشاعرات الشابات بمساندة من الأهل والأحبة للتمسك بخيوط السحاب الجميل حتى تمطر أدباً وثقافة وحباً وعذوبة ورومانسية، فكل قراءاتي اليوم منصبة على متابعة الأدب والشعر في ليبيا بالدرجة الأولى، مع قراءة بعض الكتب ومتابعة نشاطات الأدباء في الغرب بشكل عام، وأنا الآن منكبة على دراسة الأعمال الكاملة للأستاذ الكبير علي المصراتي لما فيها من عذوبة التاريخ ونسيج الأصالة وإبداع الماضي والحاضر.

الشعر في ليبيا

ما هي مكانة الشعر في المشهد الثقافي الليبي؟

أرى بأنها تحاكي التطور الكبير الذي حصل في مجمل الأمور الحياتية في ليبيا فسابقاً كنا نختلق الأعذار لكي نقرأ بيتاً شعرياً بين الأصدقاء أو في المدرسة أما اليوم فقد تفجرت المواهب الخلاقة المبدعة بمساعدة المجتمع نتيجة التطور والانفتاح على الآخر، حتى باتت المرأة الليبية تذهب إلى المنتديات الثقافية المنتشرة بشكل كبير في ربوع ليبيانا الجميلة، وكذلك المؤتمرات والمسابقات الشعرية حيث برزت شاعرات متميزات كخلود الفلاح وهي صوت نسائي رقيق ومعبر.

كيف يصبح شاعر ما متفرداً؟

دعني أصارحك القول بأن التفرد في الشعر أو في أية موهبة أدبية هو أولاً وأخيراً بيد الشخص نفسه، ومرتبط بشيئين أساسيين أولهما أن الله شاء هذا التفرد، والأمر الآخر هو الظروف الاستثنائية التي قد تخلق تفرداً في مجال ما و لفترة محدودة، إلا أن التفرد بالمعنى المجرد تشوبه علل غير منتظرة، فكم من شاعر متفرد في أسلوبه ومكانته الاجتماعية لو دققنا في أعماله نجد أن هناك قصائد تافهه أو غير سوية، فليس كل قصائد السياب مثلاً جميلة بالرغم من تفرده الواضح في مسيرة الشعر، وكذلك الأمر ينعكس بشكل مباشر على التفرد اللحظي، أي أن هناك تفرداً لفترة زمنية معينة ولظروف خاصة حيث ينتهي هذا التفرد بانتهاء مسبباته، وقد لاحظت مؤخراً أن هناك شعراء يحاولون النيل من تاريخنا وتراثنا ويزجون بأسماء أدبية في قصائد غير مفهومة، أو يختارون كلمات ذات دلالات جنسية واضحة أو مفردات عامية قبيحة لكي يلفت الأنظار إليه على أنه متفرد بهذا الأسلوب، وهو في الحقيقة شخص مريض وليس شاعرًا مبدعًا، فلكل تفرد مكانه وزمانه وشخوصه، وهذا ينعكس على كل عصور البشرية.

الكتابة كفعل إبداعي كيف تصفينها؟

الكتابة كفعل إبداعي أصنفها كنحات يطرز لوحة لطاووس رائع الجمال، كل يوم يضيف عليها لمحات من جمال وإبداع فكره من خلال أنامله الفضفاضة، حتى تكتمل الصورة لتظهر جلياً ما أبدع الله في خلقه، فالفعل الإبداعي يحتاج إلى صبر في كيفية إخراج حشرجات الموت على ورق أصم، أو تسطير منافذ الخروج من أزمة على شكل عواطف جياشة فوق سطور بالية، إلا أن الفعل الإبداعي في أي مجال من مجالات الأدب والفنون هو معيار لرقي الإنسان، وإذا عملنا تزاوجاً بين مناهلنا وتراثنا الإبداعي قد تصل إلى فعل إبداعي متميز.

نشر بمجلة البيت: السنة الثالثة والأربعون – العدد السابع – ناصر (يوليو) 2008

مقالات ذات علاقة

د.مها المكشر: الممارسة التشكيلية لابوراوي

المشرف العام

إبراهيم الكوني: أبحث عن الأسطورة لكي تخلقني

المشرف العام

الكاتب: سالم الهنداوي/ المثقَّف الحكومي هو مثقَّف مزيَّف مثله مثل النظام المزيَّف

المشرف العام

اترك تعليق