وقفت أمام سؤال لنفسي: من أنا؟ متأملة مشاعري والتي كانت حينها مضطربة بسبب أنني ساندت شخصا كما لو كنت أنتمي لما ينتمي من أفكار، فقط لأننا من ذات الكيان، كنت مترددة لكنني فعلت ما لن أعيده، الارتباط بكتلة، وسأقاوم ذلك على الدوام، فأنا في كل الأحوال أنتمي للفكرة وليس للأشخاص فضلا عن الكيانات، كما وأنني أنفر من الثبات ، الثبات الذي أتصور هو ما يربطونه بالمبدأ وذلك في صورة خطأ شائع، فالمبدأ على هذا الحال وفي صورة فوتوغرافية له، سيبدو شخصا عنيدا متشبثا بالإطار القديم ولا يساير التغيير ولا يستوعبه ولا يأخذ منه ما يلزم ليكون للفكرة التي ينتمي إليها فرصة للنمو. لذا يظهر أيضا نحيلا وجافا ولا يكاد يتنفس فما بالك بأن يتحرك، فبعض الأفكار الجيدة لا تصمد بسبب أنها لا تنضج، كما وأن بعضها يسقط على هيئة زهرة تاركة فرصة للثمرة، أو التُمرة لتحل محلها مبدية احترامها للانتقال، و القبول بالمراحل كدورة طبيعية للحياة، ثم أنني غير منتمية، أو هذا ما أشعر به دائما، لأن الناس يفسدون الأفكار وأحيانا يقتلونها، بتحويل الفكرة إلى صنم على صورة شيخ قبيلة أو شيخ دين، أو شيخ مال، أو شيخ كورة أو أي نوع من التشخيص للأفكار ،كما وأنني سأقول وباستمرار أن الانتماء توأم الفخر يولدان في ذات اللحظة، ومن الحكمة أن لا تسري مشاعر الفخر في أي كيان والأهم ألا تستشري في الأفراد، ولا أرى ما يستدعي ذلك، إلا مجموعة من تعقيدات وعقد المجتمعات البشرية بما فيها الخوف الأزلي مما ظل مغلقا على المعرفة، وهو الوجود،
ومحاولات فهمه بتجاهل الفلسفة وخلق مبررات لهذا الوجود بادعاءات التفوق بمختلف أشكاله، لهذا الانتماء بما يمثله من انحياز وعصبية ومناصرة على الحق والباطل لأي مجتمع أو أشخاص إنما هو انتماء قَبَلي، كما وأن الفخر يبرر في الأثناء كل ما نفعله، إنه الشاطار الذي نعلق عليه، عدة الهروب من المسئولية زي الكراهية، والعنصرية، ومخالفة القوانين، وحتى العنف.
يُعتقد أن أصل القبائل يعود إلى فترة ما قبل التاريخ، حين احتاجت المجموعات الصغيرة من الناس للتضامن من أجل الحصول على الموارد، وعلى الحماية، للصمود أمام تهديدات مرئية ، والخوف لم يكن في العقل الباطن ،بل هو حسي، حيوانات ضارية، ظواهر طبيعية، زلازل ،براكين، فيضانات، و ندرة الطعام دون جهد جماعي في الصيد تاليا في الزراعة، والصراع على منابع المياه، إنها أشياء مازالت مخيفة إلى هذا اليوم واستمرار الحال أدى إلى نشأة كيانات أخرى تنتمي إليها المجموعات البشرية لنفس الأغراض: الحصول على الموارد بإضافة مهمة هي القوانين التي تساعد على مد فترات السلام لأطول فترة ممكنة، ويفسر علم النفس التطوري استمرار حاجة البشر للانتماء إلى مجموعات (قبائل) إنما ترسب في سلوكهم من العادات البدائية لأسلافهم ، فالإنسان الذي هذبه نشوء المجتمعات الحديثة والتي ينجو فيها الفرد لأن موارده مؤمنة ومحمية بالهوية الوطنية، غير أن عادات أسلافه التي قللت من الخطر كمنت فيه حتى بعد زوال الخطر وهو يعيش ضمن دولة كفرد تغنيه عن حاجته لقبيلة.
لماذا يستمر انتماء الشخص لمشروع القبيلة رغم أنه ثمة دولة تتولى حمايته وتوفر احتياجاته وقوته، في صورة وظيفة أو خدمات أو تسمح له بذلك، وبما يترتب عليه الإخلال من محاسبة؟ لماذا؟ إلا إن كان يرغب في الإفلات من الذنوب والعقاب ومن الأخطاء، فالعصبية القبلية حتى لو كانت في شكل حزب أو جمعية أو رابطة إنما أغلب انحرافاتها هو بإفساد الفكرة التي تعني العمل والنمو إلى محاباة أو تحيز لها ووراء أفرادها ظالمين قبل مظلومين دون تمييز بين الموقفين. قلت لكن ولكم، الناس تفسد الأفكار، وتميل في اتجاه من يغطس أكثر حتى في التكتل الواحد ناحية من يحيي السلوك البدائي الكامن كما لو كانت حنينا لإنسان البدايات الذي كان له مبرره وهو يجتمع مع آخرين في مواجهة الخوف من عدو معروف، فالقبيلة التي انشأتها الحاجة للبقاء وهو تحدي وجود، حينما اصطدمت مصلحتها في البقاء دخلت في صراعات مع قبائل أخرى، ولكن فيما تختلف حياتنا الآن عن تلك الأزمان؟ أن العالم الآن ينطبق عليه حرفيا التعبير العالم قرية كبيرة، لن تكون فكرة الوجود التي تستدعي قتل آخرين أو سلبهم إلا انتحارا بطيئا للقبيلة، لأن أثر ذلك سيكون لاحقا وبالا كما برهن على ذلك أقرب مثال زمنيا: تأثر سلاسل الغذاء في العالم بالحرب الروسية الأوكرانية التي وصلت إلى جيوب كل الناس أينما وجدوا على هذا الكوكب.
أنظرُ للكيانات تحت أي مسمى جمعية، حزب، منظمة، مؤسسة، أو حتى دولة، على أنها قبيلة إذا اعتمدت المعاملات والفكرة الأساسية للقبيلة، مثل القيود على الحرية الفردية، والتضييق على حياة النساء، والأقليات العرقية أو الدينية، اتباع تقسيمات تمييزية، على أساس النوع، أو الأفكار وازدراء الاختلاف، أو استخدام العنف في إدارته كحل وحيد، عدم وجود عقد اجتماعي أخلاقي يحدد المسؤوليات ويقيد السلطات، أن يأوي أو يساند من خالف شروط العقد فقط لأنه منتمي لها، عدم التكيف مع الواقع ، عدم السماح بالتغيير، والأهم ألا يكون الكيان فوق أهمية المصلحة العامة لأعضائه، نعم فكرة القبيلة تنمو باضطراد فيما لو لم ننتبه لنوع انتماءتنا، كلما اقرأ أخبارا تتعلق بالسياسة الأمريكية مثلا وهى المثال للعالم الحر، ينتابني شعور بأن الحزب الجمهوري الذي شاهد ما فعله مرشحهم ترامب، من سياسات استعلائية وتمييزية، دون أن يتوقف عن مساندته حتى بعدما أوصل المجتمع الأمريكي لما يشبه حالة عالم ثالثية بعدما رفض نتائج الانتخابات كأهم مبدأ في الديمقراطية لا يمكن إلا تفسيره على أنه مجرد سلوك قبلي، يحتوي ويساند العضو المخرب بسبب العصبية، فالتعنت وخرق القوانين، والاستئثار بالموارد والمنفعة، والاستحواذ، انما هي عادات القبيلة، ولكن ستصبح معرقلة للحياة الحديثة حينما تناصر المعتدي من حزبها على مبدأ اخلاقي سيفسد حياة القبيلة أو الحزب، إذا الفرق بين القبيلة والمجتمع الحديث هو عمق المعرفة في المجتمع الحديث أن من مصلحته أن لا يساند المعتدي على النظام العام خصوصا إذا كان عضوا في هذا المجتمع، حينها نكون فعلا نجونا من فكرة القبيلة. فالعالم الذي يجمعنا اليوم أو الدولة التي نحن مواطنيها أو المؤسسة أو الحزب أو المنظمة أو الكيان أياً كان لم تعد تتوفر له أسباب نشوء القبيلة ونجاحها وهي العزلة.
أهم ما أردت قوله أنه عندما ينحرف الأشخاص لا نترك الفكرة بل نترك الأشخاص. هل تفهمونني؟