الأربعاء, 2 أبريل 2025
شخصيات

جمعنا الترحال

في الذكرى الأولى لرحيل الكاتب الليبي زياد علي

الراحل الكاتب زياد علي، صحبة الكاتب الصحفي بشير زعبية
الراحل الكاتب زياد علي، صحبة الكاتب الصحفي بشير زعبية

جمعنا الترحال في القاهرة، ودمشق، وفي الشطر الأوروبي من جزيرة قبرص، زياد بحيويته المعهودة، وابتسامته العلامة الدائمة لمحياه، وحكاياته الثرية بالأسماء، والأمكنة، ووفائه اللامحدود لكل من التقاهم أينما حل، وكانوا شهودا على تجاربه، ظل حتى داهمه المرض محتفظا بكل هذه العناصر التي كونت شخصيته، وخبرها كل من تعرف عليه عن قرب، وصار له صديقا.. أنا كنت من ضمن أولئك الأصدقاء، وقد تعرفت على الراحل العزيز، منتصف سبعينيات القرن الماضي، وتعززت علاقتنا في سني ترحالنا منذ ثمانينيات القرن الماضي، كان يبدي لي إعجابه ببداياتي القصصية، وحين عزمت على إصدار مجموعتي الأولى «حالة مشاهدة» بادر بكتابة مقدمة المجموعة، لكن لأسباب التغيرات الإدارية، والمكانية للجهة الناشرة (الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع) فقد المخطوط، ليظهر بعد سنوات باسم آخر، هو «العابر» وبدون مقدمة، ومنذ أربع سنوات أطلعني على قراءة نقدية لأعمالي القصصية وأخبرني بأنه يريد نشرها في جريدة الوسط، وموقعها الإلكتروني «بوابة الوسط»، وقد سعدت بما كتب، غير أنني أبلغته تحفظي على نشرها تفاديا للحرج بسبب موقعي رئيسا لتحرير الجريدة والموقع، واحتفظت بنسخة لشخصي، وقد اطلعت على جزء منها منشورا في موقع «بلد الطيوب» مؤخرا.. وفي دمشق كنت شاهدا على زواج المرحوم زياد الأول، وفي قبرص كنت أداعب ابنه البكر علي من زوجته البحرينية، وفي بيته في نيقوسيا شرعت في كتابة مشروع رواية، وتحول المشروع بسبب كسلي أولا، وانشغالي في عملي الصحفي ثانيا، إلى قصة قصيرة «قريبا من البحر» ضمنتها مجموعتي الثانية «كان هذا هو الموجز» وقد كان يلومني دائما كونه يرى أن العمل الإعلامي أبعدني عن كتابة القصة..

خلال إقامته الثانية في القاهرة التقينا مجددا، وكان حريصا على زيارتي بين حين وآخر في مقر جريدة الوسطن واقترح عليّ مرارا تطوير، وتوسيع الفضاء الثقافي في جريدة، وبوابة الوسط، وعبر أحاديثنا وحكاياتنا عن القاهرة، لاحظت أنه ظل أسير مرحلة النصف الأول من حقبة سبعينيات القرن الماضي، أو هو وفيا لها بما كانت تزخر بالشخصيات الأدبية والثقافية، مقهى ريش، ولاباس، وسعيد الكفراوي، وحلمي سالم، وأمل دنقل، وأحمد فؤاد نجم، وغيرهم، لذا كانت له جلسته الأسبوعية في مقهى «زهرة البستان» المحاذية لمقهى ريش رفقة كوكبة من شخصيات مصر الثقافية، لعله كان يسترجع بذلك ذكريات السبعينيات، وبالقدر نفسه كان فيه وفيا لأسماء عربية أخرى، وأكثرها حضورا في ذاكرته، الشاعران الأديبان اليمنيان، عبدالعزيز المقالح، وعبدالله البردوني، والشاعر وزير الثقافة اليمني الأسبق، حسن اللوزي، والشاعر البحريني، قاسم حداد، كما تحفل ذاكرته بأساء نخب المشهد الأدبي والثقافي في تونس، والمغرب، والجزائر، والإمارات العربية، ولبنان..

الكتاب: زياد علي، بشير زعبية، كامل عراب
الكتاب: زياد علي، بشير زعبية، كامل عراب

عبر كل هذه التجر استطاع زياد أن يكوّن شبكة علاقات مهمة في الأوساط الأدبية والثقافية العربية، وكانت له مساهمات تفرّد بها في مجال التعريف بكتاب، وأدباء بلاده في تلك الأوساط، والعكس أيضا، وصار بفضل من العادي أن يجد كاتب ليبي نصا منشورا له في إحدى الصحف والمجلات العربية، وبالمقابل نشر نصوص لكتاب عرب في صحافتنا الليبية، وقد حدث أن وجدت مرة قصة لي منشورة في جريدة «الفجر» إماراتية، علمت فيما بعد أن الراحل زياد هو من نشرها..

حضور فقيد الأدب الليبي، زياد علي كان مميزا أيضا في فضاء الأدب، والصحافة، والثقافة في ليبيا عموما، عبر إصداراته(قصص، وكتب، ودراسات نقدية)، وما نشره من مقالات في عديد الصحف، والمجلات، وأيضا من خلال وجوده عضوا بالأمانة العامة لرابطة الأدباء والكتاب الليبيين، ورئاسة تحرير مجلة الفصول الأربعة التي تصدر عن الرابطة، ثم رئاسة تحرير جريدة «الدعوة» الصادرة عن جمعية الدعوة الإسلامية.. ودائما ما يكون للقدر مفارقاته، فزياد علي اذلك الشاب عرف القاهرة في بدايات شبابه، وعاش فيها مرحلة مهمة من سيرته الذاتية بما حملت من زحمة الأسماء، وتنوع الأصدقاء، وتعدد العلاقات، وحيوية الحركة، والتنقل، والنشاط، يرحل في الربع الأخير من العمر وحيدا وقد استفرد به المرض ليوارى الثرى في القاهرة نفسها التي احتضنته شابا متقدا واعدا قبل نحو نصف قرن.

مقالات ذات علاقة

الرسام الليبي المبدع محمد نجيب

المشرف العام

في مثل هذا اليوم رحل الفنان محمد مرشان

محمد عقيلة العمامي

خليفة التليسي.. والهوية الشعرية

المشرف العام

اترك تعليق