الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
اختتم الموسم الصيفي 2023م ليالي المدينة فعالياته التي امتدت لما يقارب الشهر ونيّف بتنظيم أمسية حوارية وتكريمية أستضيف فيها الممثل والإذاعي “علي أحمد سالم”، وذلك بدار نويجي للثقافة بالمدينة القديمة طرابلس مساء يوم الأربعاء 6 من شهر سبتمبر الجاري حاوره فيها الإعلامي “أحمد النايلي” بحضور كبير ولافت للنخب الثقافية والفنية والإعلامية”، وفي مستهل حديثه أشار الفنان إلى نشأته وظروف دراسته الأولى عن المدرسة والنشاط المدرسي والإذاعة المدرسية قائلا : إنني أذكر هذه المحطات الهامة في حياتي لاسيما عندما أحببت وانجذبت إلى اللغة العربية لغتنا الجميلة الرائعة الموسيقية من خلال معلم العربية، ولازلت أذكره حتى الآن برغم أن تخذلني في تذكر اسمه بيد أنني أذكر شخصيته ومناقبه الأخلاقية، وكيف كان يؤدي ويأخذ قطع النصوص الأدبية والشعرية ويُجري عليها الحواريات فيقدم لتلاميذه جملة من الحوارات ليُدرِّبهم عليه، ولازلت أذكر مدى الأثر الذي تركه فينا ذاك المعلم الفذ، وأضاف الفنان علي أحمد سالم بالقول : أعتقد بأن المعلم وأهميته يدركها الجميع هو الذي يُتقن صنعته ورسالته ويقدم هذا الفن وهذه اللغة بهذا الأداء الجميل فإذا استطاع المعلم الجيد أن يُطوِّع جماليات اللغة العربية للنشء فقد حقق إنجازا كبيرا .
بواكير العمل المسرحي
فيما تناول الفنان علي أحمد سالم بواكيره الأولى على خشبة المسرح والتي انطلقت عام 1964م حين قدم العديد من الأعمال المسرحية وقتذاك ممثلا ومخرجا منذ المراحل الدراسية سواء في المرحلة الإبتدائية أو الإعدادية ليأخذ العمل المسرحي لاحقا شكله الناضج بتراكم سنوات التجربة والخبرة، وأوضح الفنان علي أحمد سالم بأن لظروف ولادته ونشأته بمدينة الأسكندرية بمصر نتيجة تهجير والده من مدينة مصراتة إبّان حقبة الاحتلال الإيطالي عامل كبير في صقل شخصيته الفنية كون أن مصر مثلت بشوارعها وأزقتها مسرحا مفتوحا فمثلا كنت استمع إلى الباعة المتجولين وأقلدهم، وهذا الأمر أوجد لدي الرغبة في التقليد والمحاكاة، وتابع : حينما عدنا لمدينة بنغازي عام 1959م تنقلت بالعمل في أماكن كثيرة ومختلفة ومنها أني عملت في مصلحة النقل البري التابعة لوزارة المواصلات، وهناك تعرّف عليّ الزملاء فاستشعروا برغبتي الكبيرة في التقليد والمحاكاة والإلقاء ما دفعهم لنصحيتي بضرورة الالتحاق بالمسرح الشعبي، وفي المسرح تزاملت مع مجموعة كنا نبتاع كتابا واحدا ونقرأه عبر جلسات جماعية أو نتبادل هذا الكتاب فيما بيننا، وبيّن الفنان علي أحمد سالم قائلا :لقد كان همّنا حينها هو أن نتثقف مسرحيا فابتعنا الكتب لنقرأ ومن يدرك أمرا يُعلمه للآخرين، ومن أبرز ما قرأنا كان كتاب (إعداد الممثل) للمؤلف “ستانيسلافسكي”، وكتاب (الإخراج المسرحي)للمؤلف “نزويرث” ثم أُفِد إلينا الممثل المصري “عمر الحريري” فلى يديّ هذا الممثل استطعنا أن نتعلم ونفهم ما معنى فن الإلقاء واكتسبنا كيفية التنفس مع هذا الأداء ونقطعه ومانحوه فعمر الحريري فتح بابا كبيرا أمام جيلنا، وأردف قائلا : أذكر أننا كنا نؤلف تأليفا جماعيا فقدمنا الكثير من المسرحيات.
التجربة الإذاعية
كما تطرق الفنان علي أحمد سالم إلى بدايات عهده بالإذاعة المسموعة بعد نصيحة زملائه في المدرسة الثانوية من خلال تقدمه بطلب أرسله للإذاعة عبر البريد مضيفا بالقول : جاءني الرد من إدارة الإذاعة بأننا لسنا الآن بحاجة إلى مذيعين جدد وحالما نحتاج إليك سنراسلك وبقدر ما حزنت بقدر ما سعدت بأنهم لم يُهملوا طلبي وراسلوني، وأردف قائلا اقترح عليّ في إحدى اللقاءات “محمد علي الورفلي” فكرة تقديم برنامج إذاعي، وكان البرنامج يقوم على توجيه رسالة يستهدف بها شرائح مجتمعية متعددة، وبعد فترة زمنية أجريت اختبارا واعتمدت كإذاعي رسمي ما أهّلني لتقديم وإعداد باقة متنوعة من الأعمال الإذاعية اجتماعية وسياسية ولغوية فضلا عن تجربة تقديمي لنشرات الأخبار على شاشة التلفزيون تزامنا مع انطلاقته عام 1968م، وكان لي كذلك تجربة التعليق على البرامج الوثائقية.
تطويع اللغة العربية الفصحى
ولفت الفنان علي أحمد سالم أن الجمهور عندما يتلقى مادة جيدة وجادة وصادقة تنسجم معها فالجمهور لا يضيق ذرعا باللغة العربية الفصحي مثلما يتردد أحيانا، وأكد الفنان بأنه لا يتبرم مطلقا من التمثيل باللهجة العامية قائلا : أنا أعلم تماما دور العامية والشعر العامي في تسجيل ديوان ملاحم الجهاد الليبي بيد أني أميل للتمثيل بالفصحى وأشعر بأني أضيف للمتلقي شيئا جديدا بالفصحى، وتابع : ربما تراجع توظيف اللغة العربية الفصحى جعل المسرحيات خلال الآونة الأخيرة تكاد تخلو من المضامين والرسائل الجيدة.
من الرسالة إلى عمر المختار
بينما توقف الفنان علي أحمد سالم عند تجربة عمله مع فيلم الرسالة وظروف تعرّفه على المخرج السوري الراحل “مصطفى العقاد” موضحا بأن ترشيحه لتجسيد دور الصحابي “بلال الحبشي” في مدينة طرابلس بين زملائه الفنانين بعدما أخبرهم العقاد بأنه قد استوفى جميع الأدوار الرئيسة في فيلم(الرسالة) ولا ينقصه سوى شخصية “بلال الحبشي” ليُشيروا عليه باسناد الدور لي وأردف بالقول : جاء العقاد إلى مدينة بنغازي والتقيت به في المسرح الشعبي ليُسلّمني سيناريو العمل وفتح لي على صفحة دعاء الطائف وقائلا لي اقرأه واستعد له، وأثناء قراءتي للدعاء أمامه أخذني الانفعال جليا، وأكد الفنان علي أحمد سالم في سياق حديثه بأن فيلم (الرسالة) من الناحية التمثيلية لم يضف إليّ الكثير فالتراكم الذي أحدثته التجربة المسرحية في وعيي هو المرجع والمساعد لكن ربما الجديد والإضافة الحقيقية في فيلم (الرسالة) هي التقنيات المستخدمة ونوعيتها علاوة على التعرف على كوكبة من الزملاء والممثلين العرب، كما عرّج الفنان علي أحمد سالم على تجربته كأحد مساعدي المخرج في فيلم (عمر المختار) الذي انبثقت فكرة تنفيذه أثناء تصوير فيلم (الرسالة)، ومدى تحمّس الفنان “أنطوني كوين” لتجسيد دوره.