المقالة

أسئلةٌ قَلِقة

من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي
من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي

للشعر كما للنثر وسائر الفنون أسئلة قلقة ….

 في منتصف القرن الماضي وفي عاصمة البرازيل التقى شاعران لبنانيان، شفيق معلوف المفتون بحضارة أميركا والغرب، وإلياس فرحات المفتون بحضارة العرب والمجد العربي التليد.

قال شفيق معلوف ذاما البداوة ومظاهر الجاهلية، ومفتخرا بعصر النور والحضارة:

خَلِّ البــداوةَ رُمـْـحــــَها وحُســامَــهـــا ….. والجـاهــلـــيةَ نـــُوقَـــها وخــــيامَـــهــا

مضـــتِ العصــورُ الباليـــاتُ فما لنا ….. نـحيـا بـهــا مُتــلـــمِّسينَ ظـــلامـهــــا

أيكـونُ عصرُ النـــورِ طـوعَ بَنــانِنــا….. ونُلِمُّ مـــن تلـــك العصـورِ حُــطـــامَهــــا

فاتركْ تقـــــاليدَ القــــديمِ مُــهـــدِّمــاً….. أقــــداسَــها ومُحــطِّــمــا أصـــــنامَهـــا

ردَّ عليه إلياس فرحات مادحا البداوة ومظاهر الجاهلية، دون أن ينكر فضل الحضارة:

حَيِّ البــــداوةَ نُــــــــوقَـــهـــا وخِيــامَــــهـــا ….. والجاهــليةَ رُمـــحَـهــا وحُســــامَــهـــا

حيَّتْـــكَ أشبــــاحُ القــديمِ وســلـَّـــمتْ ….. فمــــنَ العـــــــدالـــــةِ أن تردَّ سلامــــــَهــا

ليس افتـــتـانُكَ بالفـــتــاةِ نـَــقيــــصـــة ً….. ما دمــــتَ تعرفُ للعجوزِ مـَـــقامــَـهـــا

لــولا الجــذورُ المطمـــئنةُ في الثــرى ….. ما كانــــت الأغصانُ تــــرفعُ هامَـــهــــا

والواقع أن اختلاف رؤية الشاعرين هو امتداد لجدل وجودي قديم، وصراع فكري اتخذ أشكالا ومسميات ثنائية عديدة منها: (القديم والجديد ـ البداوة والحضارة ـ الأصالة والزيف ـ حماة التراث ودعاة الحداثة ـ الثابت والمتحول).

وفي الموروث الشعري نجد بعض النصوص التي تعبر عن رفض أصحابها للحياة الحضرية وتفضيل حياة البادية عليها، ومن ذلك قول ميسون بنت بحدل زوجة معاوية بن أبي سفيان:

لَبـيـتٌ تخــــــفــق الأرواحُ فـــــيه …أحــــــبُّ إلـــــيَّ مــــن قصــــــــر منـيفِ

ولبــسِ عبـــــــاءةٍ وتقـرُّ عينـــي …أحـــــــبُّ إلـــــيَّ مــن لبــــــس الشفوفِ

خشونةُ عيشتي في البدو أشــهى …على نفسي من العيش الظــريفِ

وفي العصر العباسي جاهر أبونواس بحبه للمدنية وكرهه لحياة البداوة قائلا:    

حاشا لِدُرَّةَ أن تُبنى الخيامُ لها ….. وأنْ تروحَ عليها الإبلُ والشاءُ

ولعلنا نخلص مما تقدم أن هذه النصوص أثارت في حينها أسئلة وجودية لا تزال مطروحة، ولم يستطع العرب القدامى ولا المحدثون الإجابة عنها حتى اليوم:

كيف نحيا في هذا العالم المتغير؟

 هل نعيش بمزاج وفكر وعادات وتقاليد أجدادنا، أم نعيش وفق متطلبات عصرنا؟

هل نتبع ونحاكي حياة أجدادنا أم حياة أهل عصرنا؟

أيهما أفضل لنا ـ طالما لا مفر لنا من التقليد ـ أن نقلد القدامى، أم نقلد المحدثين الذين سبقونا للحداثة؟

كيف نتعامل مع تراثنا؟ هل نحافظ عليه كما هو؟ أم نغربله؟ أم نتجاهله؟

هل يُعقل أن تتجاهل أمة تراثها؟

ماذا علينا لو أمسكنا العصا من منتصفها وعشنا عيشة القدامى والمحدثين معا؟

لكن هل يمكن فعل هذا؟

هل يمكن أن تعيش أمة حياتين متعارضتين في وقت واحد؟

هل هناك أمة على وجه الأرض تحتكم في حياتها المعاصرة إلى قوانين وأعراف القرون الماضية؟

هل إيطاليا مثلا تحتكم الآن إلى قوانين الامبراطورية الرومانية القديمة، أم يا ترى اليونان تحتكم الآن إلى القوانين التي كانت يُعمل بها زمن الحضارة الإغريقية؟

مقالات ذات علاقة

قيمة الروائي

المشرف العام

أوسكار 2019

طارق الشرع

سعادة افتراضية

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق