قيمة الروائي والكاتب والشاعر والفنان ليست في الجوائز التي يحصدها، أو عدد اللغات التي تترجم إليها أعماله، بل في الكبرياء الإنساني، ألا يتسول شيئا، أن لا يتعرى مهما كان السبب. قيمته ألا يُفتضح وتنكشف سوأته ويراه الناس يمشي عاريا مهما انتُبِذ ومهما دارت به الصوارف والشؤون ومهما أثقلت عليه الحوازن.
قيمته الحقيقية لا تظهر عالية إلا في محاريب القضايا الكبرى. قيمته هي أن يستمر في نضاله المجيد حتى الممات. قيمته الحقة الحاقة هي بحجم القضايا التي يدافع عنها وانحيازه لها، وكيف يغدق عليها من خمر روحه.
قضايا الوطن والإنسان أينما كان.
أما أولئك الذين لا يستقطرون قرائحهم وأقلامهم إلا داخل جدران ذواتهم العليلة فهم في الحقيقة كائنات لا كبرياء لها، تراهم دائما مهووسين بمجد ما هم ببالغيه، وأفئدتهم هواء.
ولقد رأينا في ليبيا وغير ليبيا أدباء وكتابا وشعراء وصلت شهرتهم إلى الآفاق (أو حتى من يخيل إليهم ذلك) أغدق عليهم الوطن وأهله بكل شيء ولم يغدقوا على الوطن وأهله بشيء..
رأيناهم وقد أفنوا عمرهم أسرى ذواتهم الصغيرة الممجدة، طوافين حول موائد الخيبات في حانات الفنادق البعيدة ناشرين الهذيان والجلبة والتباهي الساذج، أو لاهثين وهم ينخسون جيادهم الورقية على ضفاف الأنهر باحثين بجنون في طمي الحرف عن كمأ القضايا التافهة التي لا تروي إلا ظمأ بشعا لنداء الوثن في الأعماق، لكنه في الحقيقة وثن لا يمكن أن يرتوي أبدا وإن شرب كل دماء ومياه ودموع الأرض..
وفي كثير من الأحيان لا قضية.