“أقنعة سيت السبعة” أو “The seven veils of seth” هي ترجمة إنجليزية لرواية إبراهيم الكوني :”البحث عن المكان الضائع”، نُشرت هذهِ الرواية عن المؤسسة العربية للدراسات، والنشر عام 2003 “الطبعة الأولى”، أما الترجمة فقد نشرت عن دار Garnet Publishing عام 2008، وترجمها إلى الإنجليزية ويليام م. هاتشينس، لم يرد في النسخة العربية من الرواية اسم “سيت”، ولو مرة واحدة، ومع ذلكَ طلب الكوني من المترجم عنوان بديل هو : “أقنعة سيت السبعة”، يضيف المترجم أنّ في العنوان العربي : “البحث عن المكان الضائع”، إشارة إلى رواية بروست : “البحث عن الزمن المفقود”، والغريب أنّ المترجم في المقدمة يشير إلى أن الكوني “يبحث في نواحي الطبيعة البشرية بشكل عام، وليس من منطلق الثقافة الفرعونية”، كيف يجد إبراهيم الكوني في العنوان العربي إشارة إلى رواية بروست، ولا يجد في وجود اسم الإله سيت إشارة إلى إنزياح موضوع الرواية نحو الثقافة المصرية الفرعونية، خاصةً وأن المترجم وضع مسردًا بشخصيات الرواية في بدايتها، وعن إسان بطل الرواية يقول : “إسان المعروف بسيت”، وفي مقالة للأستاذة أميرة الزين بعنوان : “ميثولوجيا الطوارق: الآلهة في أعمال إبراهيم الكوني تقول : “تدور أحداث رواية أقنعة سيت السبعة، في واحة حيث أقامت مجموعة من الطوارق مستوطنة مزدهرة، إسان مسافر غامض، يدخل الواحة، ويلفت انتباه سكانها بسلوكهِ المريب_ يرفض كل عروض الضيافة التي يقدمها لهُ أهل الواحة، والأسوأ من ذلكَ، أنهُ اختار السكن في سرداب داخل مقبرة، وهذا ما جعل السكان يشعرون بعدم الراحة، لا أحد يعرف نواياه، باستثناء الأبله الذي يحذر شيوخ الواحة من خطر إبداء حسن الضيافة، ووصل الأمر بالابله، أن ينصح شيوخ الواحة بقتلهِ قبل فوات الأوان.
في نهاية الرواية، يتسبب إسان في حدوث عاصفة تدمر الواحة، وهذا ما يجبر السكان على مغادرة المكان، والعودة إلى حياة البدو الرحل السابقة. حديث الأستاذة أميرة الزين يزيد الأمر تعقيدًا، فسيت الإله الذي يعتقد البعض أنهُ إله خاص بالفراعنة في الميثولوجيا المصرية أصبح جزءًا من ميثولوجيا الطوارق، والحقيقة أن سيت ليس إلهًا فرعونيًا، بل يعامل في مجمع الآلهة؛ كإله أجنبي ولا يمكن أن يكون حكرًا على الطوارق دون كل الليبيين، فمن هو سيت؟
أصل الإله سيت
في البداية يجب التأكيد، على أن كلمة ليبي لم تكن أبدًا في التاريخ القديم، تمثل تعبيرًا أثنوغرافيًا، بل كانت تعبيرًا جغرافيًا مثل؛ أوروبي، آسيوي، ولم يشير هذا التعبير ضمنًا إلى عرق أو لسان أو دين بعينهِ، ويجب أيضًا أن نعلم أنّ العلاقة الأثنولوجية بين مصر وليبيا؛ مرت بثلاثة فترات زمانية مختلفة_ الفترة الأولى التي كانت فيها مصر أفريقية ثقافيًا، بشكل كامل ومفتوحة فقط على الغرب، أو ليبيا، ومعزولة عن باقي العالم، وهذه الفترة تمتد إلى منتصف الألفية الرابعة، بعدها يسقط الجدار بين مصر والشرق، ويتم إغلاق الباب المفتوح على الغرب ويتحول كل سكان غرب وادي النيل إلى أعداء همجيين، تقول راشيل مايوه في مقالها : “سيت كإله أجنبي في عصر ما قبل الأسرات : “الليبيين هم السكان الأصليين في صعيد مصر قبل أن يخلق توحيد مصر العليا، ومصر السفلى حدودًا أيديولوجية وإقليمية”، بعد تحول الجنوب الليبي من غابات وأنهار إلى صحراء قاحلة، هاجر الليبيين إلى حيث الماء في صعيد مصر، وتضيف “راشيل مايوه” على ما سبق قولها :”ليس هناك شكّ في أن أصل سيت ليبي، علاوةً على ذلكَ، لا شك في أن الليبيين استوطنوا، صعيد مصر قبل ظهور النخبة الحاكمة، وقد ساهمت ثقافة الليبيين وديانتهم في قلب الفكر، والدين المصريين بطريقة أو بأخرى. كان سيت في صعيد مصر بالنسبة للمصريين في الشمال يمثل سرًا مجهولاً، وعالم لا يمكن التنبؤ بهِ وقوةً مقاومة للنظام “تجمع الليبيين في عصر ما قبل الأسرات في صعيد مصر، ويعود تاريخ هذا التجمع إلى 5500 قبل الميلاد، ويعتقد العلماء بعد اكتشاف مدافن هذه الفترة بأن؛ من كان يسكن صعيد مصر مجتمع مختلف جذريًا عن أي ثقافة سبقتهُ، تم الدفن في هذهِ الفترة بعناية شديدة_ قبل الدفن يوضع ما يشبهُ الحصيرة على الأرض، ويوضع الرأس على وسادة مصنوعة من القش، والجسم يلّف بجلد غزال ويوضع على جانبهِ الأيسر، في وضع متقلّص، وهذا يشبه تمامًا الوضع الذي وجد فيهِ “فابريزيو موري”، مومياء الطفل في الأكاكوس وتحديدًا في “وان موهي جاج”، وبعد استقرارهم، ونتيجةً لتطورهم ظهرت حضارة نقادة الأولى والثانية_ وفي هذه الفترة كان سيت هو الإله الأساسي، وهو أول إله للدولة. سيت منحوت على الكثير من الأدوات في نقادة الأولى التي يعود تاريخ بدايتها إلى 3790، قبل الميلاد، ففي نقادة الثانية؛ كانت هناك ثلاثة مراكز رئيسية نقادة، هيراكونبوليس، أبيدوس، وكانت أولى هذهِ المدن تعرف أيضًا باسم “نوبت”، وتعني مدينة الذهب وفي نصوص الأهرام يُعرف سيت باسم : “سيت نوبت”أمبوس أيضًا كانت مكان رئيسي لعبادة سيت، وإذا عرفنا من كتاب : “الطوارق عبر العصور” للأستاذ الشاوي اللاله البكاي أماهين؛ أن الجرمنت هم أسلاف الطوارق، فهذا يعني أن وجودهم لا يتجاوز 1200 سنة قبل الميلاد، فكيف يمكن أن ينسب سيت لمثيولوجيا الطوارق وهو موجود قبلهم بالالاف السنين، سيت إله ليبي ويقع داخل الميثولوجيا الليبية.
اسم وحيوان سيت
“يان إسمان” في كتابهِ : “آلهة مصر القديمة” يقول :”تعدد أشكال كتابة اسم الإله سيت، تثبت أنهُ اسم اجنبي لأن المصريين في محاولة، لإظهار أن الاسم غريب ويكتبونهُ بأكثر من شكل “، هـ. تي. فيلدي في كتابهِ : “سيت إله الفوضى” يقول : “يوجد العديد من الأشكال المختلفة لاسم سيت في اللغة المصرية منها: “سوتخ، ستيخ، سوت، سيت…إلخ، ولا يوجد سبب مقنع لكل هذه التهجئات المختلفة لنفس الاسم سوى، أنّ هذا الاسم أجنبي، يضيف فيلدي أنٌ كل الاشتقاقات الخاصة بالاسم زائفة، وليس هناك ما يدعمها، أما إذا تعلق الأمر بمعنى الاسم فهناك فوضى عارمة، نجد في معنى الاسم كل هذه المعاني مجتمعة : الظالم، المشؤوم، الهارب، المهاجر، المفقود، المنفصل، القادر على الهجرة ، الذي يكره الصداقة، العودة إلى الوراء، الحدود، التجاوز، المحرض _بالنسبة لفيليب جون تيرنر كاتب :”سيت الإله المشوّه” سيت هو إله “القوة” وليس الإرتباك كما يدعي فيلدي، ويجب أن يفهم القارىء أن سيت كما يُكتب بالعربية، وسيث كما كان يُكتب بالإغريقية قد لا تكون اسم الإله الليبي، وإنما هذا ما كان يطلق عليهِ في اللغة المصرية القديمة، فالليبيين على الرغم من علاقتهم الوثيقة بالمصريين في تلك الفترة، لم يكونوا يتكلمون اللغة المصرية، وهذا ما أكده : أنتوني ج. سبلنجر من جامعة ييل في مقال له بعنوان : “بعض الملاحظات عن الليبيين في الممكلة القديمة”، إذا توجهنا الآن إلى النظر في حيوان سيت فإن الأمر لن يكون أقل غموضًا من الاسم، فالتعرف على الحيوان الذي يرمز لسيت دائمًا ما كان لغزًا، غالبًا ما تم تصوير الآلهة في مصر القديمة بأجسام بشرية لها رأس حيوان، حورس برأس صقر، أنوبيس برأس أبن أوى، باست برأس قطة، الإله تحوت برأس أبومنجل، لكن رأس الإله سيت حير علماء المصريات، خاصةً وأن سيت ممثل تمثيلاً ناقصًا في كل أشكال التصوير المادي، والمرئي مقارنةً بباقي الآلهة.
وجد حيوان سيت لأول مرة منحوتًا على مشط في حضارة نقادة- المحاسنة 2، وهذا يعني قبل أكثر من 3100 سنة قبل الميلاد، راشيل مايوه في مقالها : “سيت كإله أجنبي في عصر ما قبل الأسرات تقول : “يصور سيت على أنه حيوان له أنف منحني، وآذان مدببة مميزة وذيل منتصب، وغالبًا ما يشار إلى الحيوان على أنه وحش رائع، اسم حيوان سيت غير معروف، والاقتراحات تشمل حمارًا، ثعلبًا، خنزيرًا، المظهر غير المعتاد لحيوان سيت يلّمح إلى مخلوقات صحراوية غامضة، وهذا يدل على أن المصريين القدماء ربطوا بين سيت والصحراء المجهولة منذ البداية، وخلصت أنجيلا مكدونالد إلى أن حيوان سيت؛ كان مخلوقًا مربكًا ينقل خصائص سيت الرئيسية وهي العداوة، الهيمنة، الغرابة”، وربما هذا ما جعل الغموض والإرتباك هو ما جعل إبراهيم الكوني يقول عن إسان في روايته : “اتخذ الأتان بعد أن عانى الويل من خبث البعائر. بل أحقاد هذا الجنس من المخلوقات هي ما هدته إلى الأتان”، ولا أدري لماذا اختار الكاتب إبراهيم الكوني الحمار بالذات على الرغم من أن أد. س. جينيسن في مقال له بعنوان : “الحيوان المقدس للإله سيت”، “بعض العلماء قال أنه حيوان خيالي قبل أبوالهول، أو حيوان مركب، وبعضهم أكد أنه رأس حمار، والبعض اقترح أنه مشتق من حيوان كان قد انقرض وأن المصريين لا يعرفونه”، وما قاله أد. س. جينيسن هو الحقيقة، فقد جلب الليبيين حيوان سيت معهم من الصحراء التي كانت غابات يومًا ما، وهذا الحيوان لا وجود له في مصر القديمة، فقد وجدت زرافة منحوتة في صعيد مصر من عصر ما قبل الأسرات يعود تاريخها إلى 3500 سنة، وقد ذكر ذلك “وران ر. داوسون” في مقال بعنوان “أقدم سجل للزرافة”، وقد درس عالم المصريات هذا الموضوع وأكد أن رأس حيوان سيت هو رأس زرافة، وهذا التفسير نال شهرة واسعة وتمت الموافقة عليه من قِبل علماء المصريات، وهذا ما ذكره فيليب جون تيرنر في كتابه : “سيت الإله المشوه.
أسطورة سيت وحورس
الأسطورة باختصار شديد تقول : سيت هو الإله الشرير الذي يقتل أخوه أوزوريس بدافع الغيرة منه، والاستيلاء على العرش، إيزيس زوجة أوزوريس تبحث عن قطع جسد زوجها، وتربي ابنها حورس الذي يتحدى عمهُ سيت في نهاية الأمر، في معركة طاحنة يفقد حورس عينهُ، أما سيت فيفقد خصيتيه، وينتهي الصراع بانتصار حورس على عمهِ. الغريب أن الصراع بين سيت وأوزوريس يتم التلّميح له بإيجاز شديد في النصوص الدينية، والغريب أكثر هو أن حورس لم يظهر في الثقافة المادية البصرية؛ إلا حوالي عام 2575 قبل الميلاد، وهذا ما يجعلنا نبحث عن أصل هذه الأسطورة خارج ثقافة مصر القديمة_ دعونا أولاً ننظر في أمر الإله أوزوريس شقيق الإله سيت، يقول “واليس بدج” في كتابهِ “آلهة المصريين أو دراسة في الميثولوجية المصرية”، حتى الآن لم يتم استنتاج أي دليل من النصوص الهيروغليفية يمكننا؛ من أن نقول بالتحديد متى بدأت عبادة أوزوريس، أو في أي بلدة أو مدينة كانت له طائفة في البداية، وفي كتاب واليس بدج : “أوزوريس والقيامة المصرية يقول : “لا نجد أي نص مرتبط بتاريخ هذا الإله، ولم يذكر في أي مكان أسباب توليهِ هذا المنصب الرفيع”، ما هو أكيد وثابت أن مركز السلالات الأولى لعبادتهِ موجود في أبيدوس في جنوب مصر، وفي لوحة هيماكا أوزوريس يرتدي التاج الأبيض (تاج الجنوب)، ويذهب بدج إلى أبعد من ذلك فيقول أن أوزوريس إله ليبي، والأهم من كل ذلك هو أن أوزوريس هو إله الماء والغطاء النباتي كما يقول “هـ. س. ك. بكري” في رسالة بعنوان : “العناصر الرئيسية لأسطورة أوزوريس”، كل ذلك يجعلنا نعتقد أن أسطورة سيت وأوزوريس ليبية وقديمة جدًا، وربما كانت هذه الأسطورة موجودة حتى قبل أن يهاجر الليبين القدماء إلى صعيد مصر ويؤسسوا حضارة نقادة، كانت أرض الليبيين غابات كثيفة، وتجري فيها أنهار عديدة، ويؤكد بدج ذلك بقولهِ في كتاب آلهة المصريين :كان أوزوريس لا يعرف الجوع والعطش، عاش في منطقة المياه فيها غزيرة، ولا يشعر فيها أبدًا بالجوع، ولم يكن مطلوبًا منه القيام بأي عمل”، فجأة ظهر سيت إله الصحراء وريح “القبلي” ، وقتل أخوهُ أوزوريس. جف الماء وتحول الغطاء النباتي إلى بحر من الرمال، كان لابد من الرحيل إلى حيث الماء، بحسب رواية “بلوتارخ” فإن ظهور سيت المفاجئ يرمز إليهِ في الأسطورة بولادة سيت التي لم تكن طبيعية، فقد مزق بطن أمهِ وخرج إلى العالم، أما حورس فهو الإضافة المصرية للأسطورة، يجب أن ندرك تمامًا أن الأسطورة في مصر القديمة كما يقول يان أسمان : “الأسطورة في مصر ظاهرة سياسية وليست دينية”، فحورس ابن أوزوريس؛ هو الماء في الأرض الجديدة، وعودة أوزوريس إلى الحياة تعني عودة الحياة والغطاء النباتي إلى ما كان عليه_ إضافةً حورس ما هو إلا إضافة بعد أسطوري للصراع بين الليبيين في مصر العليا، والمصريين في مصر السفلى، ولا شك أنّ فقد حورس لعينهِ، وسيت لخصيتيهِ ما هي إلا رمز للتنازلات التي قدمها كل جانب لقيام مصر الموحدة. عرف المصريين في مصر السفلى مدى شجاعة الليبيين في مصر العليا، وبدلاً من الصراع الذي لا نهاية لهُ أرادوا إدخالهم في نظام الدولة للدفاع عنها، والمقاتلة إلى جانبهم، وهذا يظهر بوضوح في جدارية يعلّم فيها سيت حورس القتال، ويزيد من وضوح هذه المسألة اختيار سيت ليدافع عن راعٍ أثناء رحلته الليلية، والجدارية التي يظهر فيها سيت يطعن الثعبان أبيب وخلفهُ يجلس الإله رع، لا تدع مجالاً للشك في ذلكَ.
راشيل مايوه في مقالها : “سيت كإله أجنبي في عصر ما قبل الأسرات “تقول: “أسطورة حورس وسيت هي حكاية تغلب الثقافة والدين المصريين على ثقافة الليبيين في صعيد مصر”.
إذا عدنا إلى أسطورة رع_ بدج يؤكد أن رع أيضًا ليس هناك معنى لاسمه في الثقافة المصرية القديمة_ نفسها سنجد أنها ليست سوى حكاية رحلة الليبيين، نحو الشرق وأبيب ماهو إلا الصعوبات التي واجهوها في رحلتهم إلى حيث تشرق الشمس، وفي الليل يعود رع إلى مكان الجنة المفقودة وهو الغرب، لم ينسى الليبيين ذلك المكان الذي عاشوا فيه وأصبح جنتهم المفقودة، ولم ينسوا أن سيت بالرغم من كل ما فعلهُ قد ساعدهم في الوصول إلى مكانهم الجديد لتأسيس حضارة ومن هنا أصبح سيت هو الشرير/الطيب، يقول عالم المصريات إيان تايلور : “لولا سيت لما أشرقت الشمس كل صباح”، تتجلى مظاهر هذا الحنين في وضع رؤوس موتاهم جهة الغرب، وفي أن اسم أول مكان عبد فيه أوزوريس قبل 5000 سنة تينيس قبل أن تصبح أبيدوس فيما بعد، وفي تينيس نشأ نارمر الذي استطاع توحيد مصر العليا ومصر السفلى، واطلق الليبيين القدماء عليها اسم تينيس وهو اسم لمكان اسطوري يمثل الجنة، وفي أنهم في محاولة منهم لدفن موتاهم في كهوف، كما كانوا يفعلون في الغرب اخترعوا الأهرام كنسخة لجبالهم في الغرب.
ترمز الأهرام إلى تحول حضاري تتضح معالمه في مراحل بناءها، وهذا العمل البنائي هو قمة التطور الذي بدأ في نقادة وتكامل فيها، ويجب أن نشير هنا إلى أن بعض العلماء يعتقدون أن جزء من الليبيين الذين قاموا بهذه الرحلة اتجه نحو الواحات الغربية، منهم بنجامين ليونارد في مقالتهِ: “إله الواحات”، في هذه المقالة يقول بنجامين : “الصحراء الغربية كلها كانت مكان سيت وتحت حمايِته”، سيت كان سيد الواحات والمعبود الرئيسي فيها، وهذا عكس ما يورده الكوني في روايتهِ أقنعة سيت السبعة، فسيت في روايتهِ يكره الواحات لأنها المكان الذي ركن إليه المهاجرين وهم :”رجال ذلك الزمان ملة مهاجرة قدرها؛ أن تحيا سعيدة مالم تستقر في أرض كما تقتضي بنود عهد قديم خفي لا تدري الأجيال عنه الكثير”، وهذا عكس تمامًا ما نجده في واحات الصحراء، فسيت يعبد في الواحات كإله إيجابي ونجد جداريات له في كل مكان، وكان يعبد معه أوزوريس، وإيزيس، وآمون، ولا وجود لحورس هناك، وهذا ما يؤكده بنجامين تايلور. وجد العلماء في أبيدوس عدة طرق للقوافل تؤدي إلى الواحات الغربية وهذا يعني أن الاتصال بين سكان مصر العليا والواحات الغربية لم يتوقف، أضف إلى ذلك أن سكان مصر العليا كانوا يستخدمون في لباسهم غمد القضيب الذي يعرف به الليبيين دون غيرهم، ولم يرد في لباسهم أي شيء يحيل إلى الطوارق، وهذا ما ينفي قول الكوني : “الطوارق هم من استقر في بلاد وادي النيل، وهم من بنى الحضارة المصرية قبل آلاف السنين” قبل آلاف السنين لم يكن هناك مجموعة من الناس تسمى الطوارق، ولم يرد ذكر الجرمنت أو الطوارق في كتاب ويليام أ. كوني:”لقاء مصر مع الغرب : العرق والثقافة والهوية”، الذين ورد ذكرهم في هذا الكتاب:التحنو، التمحو، الليبو، المشواش، ولم يرد ذكرهم في كتاب ويلهيلم هولشر : “ليبيا ومصر”، لأن الجرمنت أسلاف الطوارق وصلوا إلى ليبيا بعد وقت يقدر بآلاف السنين، إن نسبة هذه الأساطير القديمة وهذا التاريخ الممزوج بالأسطورة للطوارق وحدهم يعد إجحافًا في حق كل الليبيين بغض النظر عن اختلاف الأعراق والثقافات، فتانيت مثلا التي يقول الكوني في راويته : “أقنعة سيت السبعة” عنها :”أنا تانيت التي ولدت نفسها من نفسها، وخلقت الصحراء من لحمها”، يقول عنها كريستيان زيفي في مقالة بعنوان : “المعبودات الأجنبية في مصر” : “تانيت أو نيت كما يسميها المصريين هي آلهة ليبية منذ العصور الغابرة ليس هناك في أن نيت قدماء المصريين، وتانيت الفينيقيين، وأثينا الإغريق لم يكن سوى الإلهة الليبية تانيت، الإلهة تانيت هي واحدة من أقدم الآلهة في العالم وقد تم توثيق ضريحها في مصر في عصور ما قبل الأسرات، وهي الإله الراعي لمدينة سايس الواقعة في غرب دلتا النيل في الوجه البحري، أرض تانيت هي إشارة إلى أرض ليبيا، وتجسد عند الليبيين القدماء مياه الخليقة الأولى، ويرتبط اسمها أيضًا بالحكمة والقانون، ولهذا السبب كانت هي الحكم في نزاع حورس وسيت” فبأي حق تصبح حكرًا على أي قبيلة تانيت موجودة قبل وجودها، هذا تاريخ الليبيين جميعًا بكل مكوناتهم العرقية والثقافية، وأساطير الليبيين شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، فلا مجال لأن تكون أساطير لقطعة جغرافية من ليبيا أو رأسمال ثقافي لمكون واحد من مكوناتها