قراءات

بوكليب ويد التاريخ

الكاتب الليبي جمعة بوكليب يوقع كتابيه بمكتبة الفرجاني بلندن
الكاتب الليبي جمعة بوكليب يوقع كتابيه بمكتبة الفرجاني بلندن

جمعة بوكليب، الذي عرفناه قاصاً ومترجماً وروائياً، يكتب المقالة وجمع بعضها في كتابه المعنون (يد التاريخ)*، والذي جمع بين غلافيه 75 مقالاً، تنوعت موضوعاتها، في أكثر من 300 صفحة، بتقدير للدكتور نورالدين خليفة النمر.

قبل العبور إلى متن الكتاب، سيكون من المهم جداً الدخول عبر تقديم الدكتور نورالدين النمر المعنون (يد المقالة)، والذي يسبر بنا عوالم بوكليب، الحياتية والاجتماعية والفكرية، وهي مقدمة مهمة لمن يرد التعرف إلى الكاتب، والوقوف على تجربته الإبداعية.

من يكتب التاريخ؟

يفتتح الكاتب جمعة بوكليب سلسلة مقالات الكتاب، بمقالته (من يكتب التاريخ؟) في محاولة منه للإجابة عن هذا السؤال الذي كثيراً ما دارت حوله الحوارات والنقاشات، وهو يؤكد هذا الطرح منذ البداية بقوله: (المعارك حول حق كتابة التاريخ، لم ولن تتوقف. فهل يعني ذلك أن ما كُتب، حتى الآن، من تواريخ تفتقد المصداقية؟)، قبل أن يدخل مقصده وهو إعادة كتابة التاريخ الليبي من قبل نظام القذافي.

وخلال قراءتنا للكتاب، من خلال ما تضمن من مقالات، سنجد اهتمام الكتاب الكبير بالتاريخ، كأحد نقاط الارتكاز لتحليل وقراءة الأحداث، وعلى أكثر من مستوى تاريخي؛ محلي، عربي، عالمي. وبغض النظر عن خلفيات هذا الاهتمام، أو هذا النهج، إلا أن هذا الاهتمام يدعمه اطلاع معمق، وقراءة متفحصه لأحداثه، وتتبع دقيق لمجريات الأمور على مستوى العالم، وكأن الكاتب يؤكد أن ما نعيشه حاضراً، يرتبط إلى حد كبير، إن لم نقل كلي بما حدث سابقاً، على أساسا نظرية أثر الفراشة، وهو رأي أتفق معه شخصياً، وأجد له الكثير من الشواهد والحقائق.

الثقافة والمجتمع!

إذ اعتبرنا التاريخ أحد أهم موضوعات الكتاب، فإن الثقافة، والثقافة والمجتمع، أخذت جانباً من اهتمام الكتاب، ولعل (ثلاثة أنواع من الكتاب) مقال يستحق الوقوف عنده، كونه يناقش في إحدى زواياه حاجة المجتمع على الكاتب، فالكاتب بأسلوبه السهل السلس، تلمس علاقة المجتمع بثلاثة أنواع من الكتَاب ارتبط وجودهم في المجتمع بحاجته إليهم، ولأن المجتمع يتغير وتتغير بالتالي حاجاته، انقطع اثنان مرهونان بالأمية، وكانت الحاجة للثالث لبناء ثقافة المجتمع.

هذه المقالة، لعلها تفسر لنا رغبة المبدع في الكتابة الصحافية، من خلال العمود أو مقالة الرأي، وهي ممارسة دوره في بناء ثقافة المجتمع، وتوعيته، وإنارة مناطقه المظلمة. ومن ذات المنطلق، يمارس الكاتب من خلال مجموعة من المقالات رحلة ثقافية، تمتد أفقياً على جغرافيا الكرة الأرضية، ورأسياً في موروثها التاريخي والثقافي، حتى إن قراءاته للأعمال الإبداعية والأدبية تدخل في هذا الجانب، كما في: يا تمر سيوه يا …..، تلات سلامات يا وحشني، حروب الألوان، حرب فيتنام تعود للواجهة. وهنا القراءة، لا تتوجه للكتاب فقط، بل الأعمال الفنية والدرامية، فهي في المجمل قوالب ثقافية لها نصيبها من المحمولات التاريخية والثقافية.

القاص والمترجم جمعة بوكليب. الصورة: عن الشبكة.
القاص والمترجم جمعة بوكليب. الصورة: عن الشبكة.

ثلاث عتبات لبناء مقالة!

تتميز كتابات الكاتب جمعة بوكليب، بلغتها السلسلة، وبنائها البسيط، البعيد عن التكلف، مما يسهل على القارئ الوصول سريعاً لما يريده، وهي تقنية تصعب على جملة من الكتاب، هذا دون أن ننسى لمسته السحرية الساخرة، التي تجعلك تبتسم، وقد تقهقه، وأنت تتخيل الموقف، وهي ذاتها اللمسة الحانية والعاطفية التي تؤثر فيك، فلا تتوارى عن إبداء تعاطفك أو انزعاجك.

75 مقالاً جمعها بوكليب في هذا الكتاب، كتبت تناولت موضوعات عدة، تنوعت في تناولها وزاوية قراءتها للموضوع، لكنها اتفقت في بنائها، فهي تعتمد ذات التقنية لعرض الفكرة أو مناقشتها. فالكاتب يفتتح المقالة عادة من خلال مقدمة هي المدخل لموضوع المقال.

من بعد تأتي العتبة الثانية، وهي مناقشة موضوع المقال، والتي تختلف في تناولها، وتتفق في مرجعيتها التاريخية والثقافية، هذا لجزء هو ما يتحكم في طول وقصر المقالة. العتبة الثالثة هي ملخص المقال أو خاتمته، والتي يجمع فيها الكاتب خيوط الفكرة والنقاش، فيما يشبه التحلية للقارئ، بعد وجبة فكرية دسمة.

مقال يوافق متطلبات القارئ الإلكتروني!!

ختاماً؛ من المهم القول إن مقالات الكاتب جمعة بوكليب، توافق متطلبات النشر الإلكتروني، ناحية؛ الإيجاز والتركيز، فلا يتوه القارئ لها، ولا يخاف الضياع، فهو بين أيدي آمنة، تحملت مسؤوليتها كمثقف عضوي، ينفد مباشرة إلى الهدف.

________________________

* جمعة بوكليب (يد التاريخ) دار الفرجاني – القاهرة، 2021م.

مقالات ذات علاقة

الجلوبة وعبدالرحيم بوحفحوف

حسين نصيب المالكي

نادرة عويتي الناقدة

ناصر سالم المقرحي

على هامش كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة لمحمد بن المختار الشنقيطي

المشرف العام

اترك تعليق