شخصيات

يونس عبد النبي بلخير

المجاهد عبدالنبي بالخير (الصورة: عن الشبكة)
المجاهد عبدالنبي بالخير (الصورة: عن الشبكة)

انخرط السيد يونس عبد النبي بلخير بملاك الدولة الليبية التي قامت عقب الاستقلال كأحد الوجهاء العائدين من المهجر. مكللا بالهالة القيادية الموروثة من والده المجاهد عبد النبي بلخير زعيم قبائل ورفلة وقائدها بلا منازع وممثلها على أكثر من صعيد والموصوف بالدهاء من مؤيديه والمختلفين معه، حتى أن غرسياني اعترف صراحة بالعجز عن معرفة نوايا عبدالنبي، وقد عُيِّنَ السيد يونس بالإدارة الناشئة وفي الداخلية تحديداً فشغل اكثر من مركز، بلغ ذروته بتسميته متصرفاً بطرابلس عندما أقام بها ودخل عش الزوجية إلى أن اجريت انتخابات الهيئة النيابية الثالثة التي خاضها وحقق فيها الفوز ليكون أحد النواب الذين يشار اليهم بالبنان إن وهو يشارك في أعمال اللجان أو المناقشات العامة أو يتقدم إلى حقائب الوزارة عندما آلت دون أي مقدمات إلى السيد محمد بن عثمان الصيد الوزير الذي دخل من باب المحاصصة ومن أقل الحصص منذ قيام دولة الاستقلال وحتى حكومة السيد عبد المجيد کعبار التي أسقطها الصراع المصلحى الذى أخذ ينشب أظافره ويهدد بأكثر من تطور، ففي هذه الحكومة، حكومة بن عثمان استلم السيد يونس بلخير حقيبة وزارة الدفاع، وقد بدأ أكثر ميلاً نحو السيد أنور بن غرسة نائب جنزور والذى استلم هو الآخر حقيبة بالحكومة المذكورة فكوَّن الاثنان ما يمكن وصفه بالمحور الذي امتد إلى ما بعد خروج الإثنين من وزارتيها ومثلهما السيد بن عثمان في التكتل الذى ناوأ حكومة فكيني، ولم يُقنَع من محمود المنتصر بالمناصرة في الانتخابات للتطلع نحو ما هو أكبر، أي الشراكة في الحكم، كما سنرى في فقرات أخرى من هذا العرض، فقد كان عضواً ومقرراً للجنة المالية، حيث الانكباب على دراسة الميزانية العامة و الاستثنائية و النقل من باب الى باب، و بند الى بند، حيث التفاصيل التي تتطلب الكثير من التدقيق والرجوع إلى العليمين ببواطن الأمور و ما لديهم عن دوافع التعديل في الابواب والبنود، والاستفادة من ملاحظات الإعفاء وما لديهم عن أسرار التخطيط والتنفيذ والاستفادات الخاصة التي كثيراً ما تكون خافية، فلا تظهرها سوى المناقشات والاسئلة المحرجة التي لا يتوصل إليها سوي من يعول على من سواه من القادرين على الفحص ومعرفة الدوافع والجوانب المتعددة، ومن هنا رأيناه يتولى وزارة الدفاع في إشارة الى أنها لم تعد حكراً على الذين طالما سوقوا لجداراتهم بها عمن سواهم منذ الاستقلال، وقد شهدت هذه الفترة  نوعاً من التحرك لهذه الوزارة إذ بدأ الحديث عن الجيش وتسليحه وزيادة عدده وإحاطة حقيبته بحزمة من الاضواء اللافتة، فإذا ما قُدِّرَ للوزارة أن تتم أجلها وتنشب أول معركة حول رئاسة مجلس النواب متجاوزة العُرف الذي طالما حضرها  في طرابلس وفي الذين ضمهم حزب الاستقلال مباشرة، وجدنا يونس بلخير في مقدمة الذين تحمسوا للدفع  برئاسة مختلفة و في كتلة عبَّرت عن أكثر من طموح، بدأ بهذه المعركة ليمتد إلى عدم القناعة بعضوية مجلس النواب في الانتخابات التي أجريت عند خروج حكومة السيد محي الدين فكيني المسنودة من التيار الناصري وحلول حكومة محمود المنتصر التي تزامن مجيئها مع الدخول في المفاوضات المتعلقة بمعاهدتي  بريطانيا وأمريكا لمرور عشر سنوات على عقدهما، ووجوب إعادة النظر في التحالف جرّاء تحول ليبيا من دولة فقيرة محتاجة إلى مساعدة الدولتين، إلى مصدرة للنفط ومساهمة في مساعدة الدول العربية التي تعرضت لحرب يونيو 67 وصارت محتاجة إلى ما اصطلح عليه دعم الصمود العربي و مساعدة مصر والاردن وسوریا، وكذلك حلول موعد إجراء الانتخابات النيابية لانتهاء مدة مجلس النواب الليبي، وإجراء الإحصاء العام للسكان، وما نتج عنه من الحاجة إلى زيادة عدد أعضاء مجلس النواب وتعديل الدوائر الانتخابية، و يومئذ خاض السيد يونس المعركة الانتخابية و حقق الفوز عن واحدة من دوائر بني وليد، و دخوله التكتل الذي جاهر بمعارضة القواعد و لم يقبل بما راهن عليه السيد محمود المنتصر من ضمان تأييد المجلس من منظور اعتباره صنيعة السلطة و إنما لطموح الكثير من إعفائه إلى ضرورة المشاركة في السلطة ابتداء من رئاسة المجلس ووصولاً إلى توزيع حقائب الوزارة، و إذ لم يظهر من السلطة ما يشير الى إمكانية العمل بهذا الخيار، كان رد التكتل المشار اليه متمثلاً في تبنى مطلب الجلاء في حين أن غطاء الحكومة بحل المجلس مرتكزاً على ما شاع عن تزوير الانتخابات، أما عندما تقرر إعادة هذه الانتخابات وظهر ليونس بلخير ما يشير الى أن السلطة بصدد محاربته كان له في التخلي عن المعركة لأحد حلفائه ما جنّب الصف من الانقسام، فلم يفقد والحالة هذه مركزه الأدبي بل لقد كان خير حليف للتكتل الذي آزر حكومة السيد حسين مازق وإفشال المخطط الذي اشتغل عليه السيد مصطفی بن حلیم بإلغاء النظام الملکي إلی جمهوري و تشکیل مجلس رئاسي من بن حليم ومحمود المنتصر و عمر سيف النصر و خالد القرقنی و محمود بو هدمة، عندما تصدى له السيد حسين مازق رئيس الوزراء مستعينا بالتكتل الذي أفلح في تأسيسه محمد عثمان الصيد وعدد من الذين تقدمهم يونس بلخير و بوربيدة و بونويرة و بن غرسة و العلاقي وغيرهم كثير، أولئك الذين سارعوا بالتوجه إلى طبرق ودعوة الملك للعدول عن استقالته و الذي ليس من المستبعد أن يكون له أكثر من مشروع. إنها الأحداث التي أكدها بشير السني المنتصر في مذکراته وأشار إليها قبله بن حليم، فيما رأينا السيد محمد عثمان يضرب عنها صفحاً لحسابات على الأرجح تتعلق باتصالاته مع نظام  سبتمبر، وقد سمحت لي الظروف بالتقاء السيد يونس بلخير مرافقاً لوالدي الذي استضافه السيد يونس وقد أعدتُ عليه ما أخذته على السيد بن عثمان فشارك في ما ذهبت اليه، لقد حافظ الرجل على توازنه إذ على الرغم من أن بعض رموز سبتمبر قد تواصلوا معه تأسيساً على الصلات القبلية، إلا أنه لم يُذكر في التواصل مع معارضي النظام و محاولة ثنيهم عن مواقفهم كما فعل غيره من المشاهير الذين طالما نشرت أخبارهم صحف المعارضة مستنكرة صنيعهم الذي مثل نوعاً من التسلق المخجل، فاحتفظ السيد يونس باحترامه الموروث، و تنزهه عن أي تزيّد إلى أن وافته المنية ليستمر مأتمه الأيام والليالي.

شارك فيه من عرف منزلة الرجل أو من دفعته المجاملة وربما من رأى في المشاركة بالعزاء ما يصفي الحساب مع النظام الذي لا يضايقه شيء مثل مآتم المشاهير الذين لم يزدهم الزمن إلا خلوداً، وبالذات عندما تتوفر النظرة التي تتناول مجموع الأعمال وتطبق عليها قاعدة التوازن ومراعاة الظروف السائدة عند حدوث أي فعل من الأفعال، كما هو حال السيد يونس بلخير الذي عاصر آخر سنوات الاستعمار وقيام الحكم الملكي ومعظم زمن النظام الشمولي وبقائه الذي دام لأربعة عقود ونيف. كُتِبَ للسيد يونس أن يقضي نحبه قبل انتهائها وحلول أحداث الحادي عشر من القرن الحادي والعشرين وبالذات 17 فبراير الذي وُسِمت المرحلة به ولقيت فيه بني وليد ما لقيت، مما لاتزال تعاني ردود افعاله مثل الكثير من أرجاء ليبيا والتي لا تخلو مجتمعة من مكون ورفلة الذي يمتاز بالفاعلية مع المكان دون التخلي عن الأصل، أما الشواهد فأكبر من أن تتسع لها هذه المقاربة، الرامية الى تسليط الأضواء على بعض ما جرى أكثر من الإغراق في التفاصيل أملاً في وجود من قد يكمل المشوار.

مقالات ذات علاقة

نوري الماقنّي… الرّجل الجامِع

المشرف العام

في ذكرى رحيل زعيمة الباروني .. التاريخ لا يُسقط أبناءه

مهند سليمان

الأستاذ محمد عاشور محمد الغراري (1940-2006م).

محمود الغتمي

اترك تعليق