قصة

أجمل بلوزة في العالم

من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير
من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير

لا شيء يبدو مثيراً في تلك الفتاة التي قابلتني عند مدخل المحل، لكن حين اقتربتْ مني لتقول لي شيئا، لمحت انكساراً غامضاً في نظرتها تحاول أن تداريه بابتسامة من النوع الذي يسبق طلب شيء ما، حتماً هي لن تطلب مالاً، فقد كانت تحمل كيس مشتريات متوسط الحجم بعلامة تجارية مُعتبرة، ومن دون مقدمات دفعت يدها داخل الكيس وأخرجت قطعة ملابس بلون سُكريّ ذات زهور حمراء صغيرة، وباغتتني بسؤالها:

– أرجوك أخبريني ما رأيك في هذه البلوزة؟

قالت ذلك بنفس النظرة الكسيرة، وبحرارة من تعني له تلك القطعة شيئاً مهماً جداً، ثم وبذات الإيقاع المتسارع، ودون أن تنتظر ردي الذي غاب تحت وقع المباغتة، جذبت البلوزة عند الكتفيتين، نفضتها برفق ثم نشرتها فوق صدرها وشدت طرفيها حول الذراعين، وحرّكت جسدها يميناً وشمالاً.. 

– ها.. ما رأيك..؟

أردت أن أقول إنها بلوزة رائعة، لابد أن نبارك الأشياء الجديدة للأشخاص الذين حسموا أمرهم وفات أوان الاختيار، هي أيضاً تعلم أنه لم يعد مجدياً هذا السؤال، لكن الإجابة تعني لها شيئاً مصيرياً أكبر من مجرد رأي في قطعة ثياب، وأمام نبرة صوتها المختنق بارتعاشة مقهورة، ونظرتها المستجدية وقد استحالت إلى غيمة على وشك أن تمطر، أصبح لزاماً أن أستحضر سيلاً من عبارات الثناء وأثمّن عالياً الذوق الرفيع الذي ألهمها لاختيار هكذا قطعة بارعة الجمال: 

– بلوزة رائعة، لاشك أنك ذواقة كيف اهتديت إلى هذا اللون الجميل وهذه الزهور الصغيرة كم هي بديعة،.. 

تهاطلت كلماتي تملأ المساحة الفاصلة بيننا وكنت على وشك أن أدير ظهري وأترك كومة الهشاشة تنتفض في حال سبيلها، لكن نظرتها ظلت معلقة بي مثل غريق لحظاته محسوبة، تنتظر أن أواسي حزناً بحجم مجرّة، ربما كان حزن فقد، أو خيبة اللقاء بحبيب، أو إحباطاً ما يجعلنا نقرر شراء شيء جديد في الغالب لا نحتاجه.. إلا أنه يثير في داخلنا شعوراً بالتعافي.

 وضعتُ يدي على ذراعها وتلمستُ بعناية الكم الأبيض السُّكري، النسيج الرخو المتماوج في نعومته، الزهور الحمراء الصغيرة التي تبرعمت فوق جسدها كالمروج، الألق الهادئ الذي عكسه اللون الأبيض على استدارة وجهها الحزين، طقطقة القماش الجديد وهي تحركه أمامي بزهو طفلة. أدركت كم كانت بحاجة إلى الفرح، وتسلل الشعور ذاته إلى داخلي وأنا أتوق إلى التعافي من كل الإحباطات التي مرت بي، همستُ لها: إنها أجمل بلوزة في العالم.. شهقتْ بضحكة مفاجئة غسلتْ عن وجهها ما كان به من حزن، ضحكنا سويا دون معنىً واضح.  وحين ودعتها لوحت لي بيدها وعادت تحتضن بلوزتها بشوق.

مقالات ذات علاقة

الحلم الذي ينأى

فتحي نصيب

شهرزاد الشاي..شهريار السيف

نجوى بن شتوان

الاعتـــــراف

محمد عياد العرفي

اترك تعليق