هدى القرقني
فرحت أمي كثيرًا بتكرار ظهور ذلك الضوء من تحت الكرسي الموجود في غرفة الخزين، قالت أن هناك ولي صالح تحت جدران هذه الغرفة، خاصةً بعد أن نظرت تحت الكرسي، ولم تجد شيئًا مصدره ذلك الضوء، ثم بدأت تعتقد أنها تشم روائح زكية مسك وعنبر، وهذه الروائح لا تصدر إلا من الأولياء الصالحين، ونست إنها هي من تضع هذه الخلطات الطيبة في كل مرة تنظف فيها الغرفة، وتفتح نافذتها للشمس، وترش الأغطية والوسائد المرتبة في الخزانة، لم نكن ندخل تلك الغرفة، إلا إذا زارنا ضيف واحتجنا لتلك الوسائد والأغطية، لم تعد تسمى غرفة الخزين بهذا الاسم، بل صارت الغرفة المباركة، وأقنعت أمي كل من في البيت أن هناك ولي صالح يسكنها، وطلبت منا أن لا نخبر أحد، حتى لا نحسد وتنزع البركة من بيتنا.
كل ليلة جمعة ظلت أمي تضع البخور في الغرفة، وتفتح المسجل بعد أن تضع فيه شريط لسورة البقرة بصوت (الشيخ عبدالباسط)، وصار اسم الغرفة (بالمباركة)، لم أقتنع طبعًا بكلام والدتي، كنت أحياناً أدخل على رؤس أصابعي لأكتشف الامر، ولكن كنت أفشل في كل مرة بعد أن أجد نفسي تحت المراقبة، وتحذرني من العبث مع الأجساد المباركة النائمة بين الجدران.
اختفى الضوء فجأة كما ظهر فجأة، وظهر الخوف على ملامح والدتي، أصبحت تكرر في كل مرة تذهب إلى هناك لتطمئن على ذلك النور وأننا مازلنا في رعايته.
– لقد نزعت البركة من البيت!
وزاد يقينها، عندما قرر والدي مغادرتنا والزواج بأخرى، ظلت والدتي تبكي وتعاني، حتى أصابها المرض وشحب لونها، وأصبحت حبيسة الفراش، وتسأل:
– هل عاد النور الى الغرفة أم لا؟
قررت أن أدخل إلى الغرفة المباركة، لأكشف السر وأسحب الكرسي بعيدًا عن الجدار الصامت، لقد كان ثقيلًا فكله من خشب المنحوت وله مسندين عريضين، أصدر صوتًا عاليًا عندما سحبته على الأرضية العارية، المفاجئة أني وجدت شيئًا أسود ملقى على ظهره، قد ارتمى هناك دون حركة، أخذته في يدي تأملته جيدًا، لم يكن سوى خنفساء سوداء كبيرة الحجم، من ذلك النوع الذي يصدر ضوءً لينير ما حوله من ظلام، ولجذب فرائسها أو لإغراء شريكها، قرأت عنها يومًا في كتاب عن الحشرات يحتل مكانًا في مكتبتي، ولا أدري كيف وجدت هذه الخنفساء طريقها إلينا لتظل وحيدة، تخدعنا بنورها وتجوع وتنطفي وتطفئ معها ملامح بيتنا.