الطيوب
نظم المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بطرابلس محاضرة بعنوان (إيتالو بالبو ست سنوات في ليبيا) وذلك مساء يوم الأربعاء الأول من ديسمبر 2021م، من تقديم الدكتور “علي الهازل” وإلقاء الشاعر والكاتب “خالد درويش” الذي قدم استعراضا مفصلا لأبرز محطات التجربة السياسية لفترة حكم المارشال الإيطالي “إيتالو بالبو” لليبيا والإضاءة على معالم مشروعه العمراني الحداثوي في ضوء ما جاء في كتاب “ديل بوكا” الذي تناول فيه الكاتب أقسام مهمة من فترة حكم بالبو في ليبيا التي لم تتجاوز الست سنوات حيث يرصد الكاتب بوكا توصيفا دقيقا للعمليات العسكرية الوحشية التي قادها الطيران الإيطالي إبّان ذاك العصر والأنابيب المتفجرة وحجم الضحايا الليبيين اللذين قتلوا جراء اختناقهم بهذه الغازات، ويذكر الكاتب الإيطالي ملابسات قصف الطيران الإيطالي لقبيلة المغاربة بقيادة المجاهد”صالح لطيوش” ورجالاته أثناء سيرهم من بلدة النوفلية إلى جبال الهروج بعد إخفاق كل السبل والإغراءات لاستمالتهم لتصب تلكم الطائرات حممها وصواريخهم فوق رؤوسهم فتُصرع النساء والأطفال والحيوانات المرافقة لهم.
وأضاف “خالد درويش” وفق استدلاله بكتاب للكاتب “كلوديو سيجري” بأنه عندما احتلت إيطاليا ليبيا بدت البلد بالنسبة للإيطاليين عبارة عن قرية صيد عثمانية هادئة ومهملة قياسا بالمدائن الكبرى المجاروة كتونس والجزائر وما دفع بالإيطاللين لادخال التحسنيات الحضرية وتعبيد الشوارع ونصب أعمدة الإنارة وتوصب إمدادات المياه وتطوير الميناء البحري وسط تلكم البساتين الملآة بالنخيل من ثلاث جهات إلى أن برزت مدينة صغيرة بطابع إيطالي خارج الأسوار التاريخية لمدينة طرابلس القديمة وأوضح المحاضر إن طرابلس قبل مجيء المارشال بالبو كانت عبارة عن (قذى للعين) مع قبح المباني التي صمم الكثير منها المساحين والمهندسين العسكريين عوض المهندسين المعماريين المحترفين ناهيك عن تفشي أحزمة الصفيح البائسة التي كسنها العرب في أطراف هذه المدينة.
ويواصل الكاتب استطراده قائلا : في الأشهر الأولى من تسلم بالبو للحكم وفي خضم تحضير طرابلس لتكون عاصمة لليبيا الموحدة هاجم بالبو قبح المدينة بفرض حزمة من المعايير والقوانين الخاصة بتصاميم المباني وشروط الانشاءات والبناء ووجه الصحف لنشر المعايير والشروط الحكومية للبناء في المناطق الحضرية والريفية في طرابلس وضواحيها وتمرير أي مشروع بناء على لجنة تقييم من المهندسين المعماريين للموافقة عليه او رفضه لو خالف المعايير والشروط الفنية الحكومية.
وأردف متابعا أنه في سنة 1939 قرر بالبو إجراء امتحان عام، لاختيار عشرين ليبي لشغل مناصب سكرتيري الشئون العربية في المتصرفيات، واشترك في هذا الامتحان التنافسي الذي أجري في طرابلس، عدد كبير من الشباب المتعلم. وكان الأول على كل ليبيا يوسف بن كاطو، والثاني وهبي البوري. وكان من بينهم حسين مازق. وعبد السلام بسيكري وعبد القادر العلام، وعبد الرازق شقلوف، وتوفيق المهدوي، وخليفة الجهاني. ومن طرابلس نجم الدين فرحات ومحمد بي درنة، ومصطفى السراج. وآخرين. هذه الأسماء، جزء من جيل من الشباب الليبي المتعلم كان بداية النخبة الإدارية الحديثة في ليبيا.
وعن ملامح الإرث المعماري لبالبو في طرابلس ذكر أن هناك نوعان من المباني التي ما زالت تتذكر وجود الإيطالي وفترة بالبو: فندق Uaddan (جنبا إلى جنب مع السفارة الإيطالية اليوم) وكنيسة صغيرة في سان فرانسيسكو، والآن مقر النيابة الرسولية. كلاهما من أعمال المهندس المعماري دي فاوستو وقد تم بناؤها مع التذكير في أشكالها عناصر معمارية من التقاليد المحلية. على وجه الخصوص ، لا يزال فندق Uaddan الذي تم تجديده حديثًا يعتبر أحد الفنادق الأكثر أناقة في المدينة.
كما شارك عقب انتهاء المحاضرة بعض الحضور للإدلاء بتعقيباتهم وتسجيل ملاحظاتهم حول مضمون المحاضرة، فرأى الكاتب والدبلوماسي “حسين المزداوي” أنه لا ينبغي أخذ التاريخ من زاوية صغيرة فقط دون رؤية الجوانب الاخرى وإغفالها مؤكدا بأن إيطاليا مارست شتى ألوان القتل والتنكيل بحق الشعب الليبي طوال فترة إحتلالها لليبيا وفي المقابل لفت إلى أن المارشال بالبو ظاهرة يمكن دراستها والاحاطة بما قدمه من إنجازات لكن ليس بهذه النظرة الرومانسي حسب تعبيره، من جهة أخرى أكدت الباحثة “أسماء الأسطى” على أن الطريق الساحلي الذي أنشأه بالبو بقدر ما وحّد البلاد قسّمها قوس فليني مضيفة بأن خريجي المدرسة الإسلامية لم يتولوا المناصب في حقبة الإحتلال الإيطالي وبالتالي لم يكن لهم دور حقيقي.