قصة

بأي ذنب ؟

جلنار أحمد

من أعمال التشكيلية خلود الزوي.
من أعمال التشكيلية خلود الزوي.

حياة قاسية بكل ما في الكلمة من معنى ستة أولاد دون الثامنة عشرة وأم عاطلة عن العمل إلا أنها تستيقظ قبل دجاجاتها تخبز خبز التنور تبيع بعضا منه لتطعم أولادها جبنا وخبزا ساخنا مقرمشا وزيت زيتون طازج نزفته زيتونة من الحقل لتوها.
اسمع يا رجل لم أعد أستطيع السكوت أكثرالثلاجة خالية منذ شهر وأنا أتصبح وأتمسى ببياضها سئمت هذه العادة كل يوم أصحو أفتح باب الثلاجة لعلك أتيت ببعض ما يزيل فضائها الموحش عبث اسمع خطرت ببالي فكرة نحن لانملك خزانة ملابس مارأيك أن أضع بها ملابسنا بدل أن تظل فارغة ؟!!
يلقم سيجارته بجنون تزداد تجاعيد جبينه يبرز عرق يمتد إلى وسط جمجمته الخالية من أي شيء.
تنتهي السيجارة في وقت قياسي يسعل يسعل يكاد يتقيأ رئتيه يمسك مسبحته ويتوجه ناح حضيرة الأغنام التي اشتراها من ابن خالته بالآجل يدفع الباب إحداهن تحتضر فلم يسعفها القدر أن تعمر أكثر من عشرة أعوام ! يتسايل لعاب صديقاتها اللاتي فقدن أسنانهن ينتحب الكبش العجوز ويرثي محبوبته بقصيدة مطولة يقول في مطلعها.
مااااااااااااع أعهههههههععع
يُصدم الرجل في ثروته يجثو على الأرض يحس بوخزات تشق صدره وتمنع عنه ذرات الأكسجين.
بابا
مابك يا أبي أبيييييي
أمي أمي أبي مغمى عليه أمام الحضيرة.
.ياويلي هذا ماكان ينقصني ياربي كن معي ولاتتركني في هذا العطن لوحدي.
أخذه أخوه إلى مشفى عام أعطوه سيروم وعاد مساء إلى البيت منهكا يتناول القداحة ويشعل سيجارة يلقمها بجنون ينهيها في وقت قياسي يسعل يسعل ويخلد للنوم لا يرأف بحاله مسؤول فيصرف راتبه ولا عمه الذي اتخذ وضعية واحدة منذ أكثر من خمسين عام قوام نحيل شعر أبيض وعينان غائرتان في منخفضات عميقة و عقل يرفض أن يقسم إرث العائلة.
يستيقظ على أصوات الأغنام الجائعة يدق الخبز المشمس والسجائر في فمه يعطي الأغنام فطورها يتسلق الزيتونة الوارفة تتلألأ حبيبات الندى وتكسب أوراقها لونا أسطوريا يتصاعد هطول حبيبات الزيتون في إيقاع تراتبي ينبئ عن جمال الكون على الرغم من قسوته يحس بوخزة بسيطة ينزل إلى الأرض ينزل حتى يلامس جبينه الترى الطاهر يحاول أن يقول شيئا تتغلغل حبيبات الرمل في أنفه وفمه بعد ساعات قناة إخبارية في بث مباشر مع مسؤول يعطي درسا في الإنسانية يقف عمه بقوامه الدقيق وعيناه الغائرتان وشعره الحالك البياض… ويأخذ العزاء في ابن أخيه الوحيد ! .

مقالات ذات علاقة

من قمة جبل أكاكوس إلى نيويورك .. الجزء الرابع

رمضان كرنفودة

شيشا راقوبا

محمد دربي

الغائب

المشرف العام

اترك تعليق