قصة

شيشا راقوبا

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
من أعمال التشكيلي عادل الفورتية

1

سقط المطر من أعالي السحائب الغائمة يدمدم واهباً من سنين عمره لسواني الجبيلة التحتية هبة الماء الرغيد في لهفٍ يلثم وجه الطين، الليل يمضي و الماء في شموخه يشتاق لسماع دعاء يغنّي في سره من وداد الأنجم الزُّهر مولد اليوم السعيد ، على ضفاف السواني جابية امتلأت بالماء الفائض وهو يندلق من حوافي الجابية الأربعة في كلّ طرفة عينٍ، لا يكتفي الماء بذلك، بل يُغادر الجابية متدفقاً إلى أسفل حتى يجتمع بماء الساقية المجاورة المعمورة بغرغرتها الهائمة في هطل المطرالمُسرج على جنبات السواقي السخية، يتسرب الماء رقراقاً من ساقية إلى ساقية ومن مشاتل إلى مشاتل أخرى، أما طيور السليوة فتغني بأحلام الشتاء وتشدو بأجنحتها وتصفق مع صفير الريح، تُشمشم رائحة خبز التنور غرير القلوب طيب المذاق.

2

 هناك، بعد أن تنفس الفجر وسكت المطر عن كلامه المباح وبعد تبتبةِ نسيم الصباح ولمعات بوارق ضيائه خرجت أم ابراهيم في بهائها من حوشها كعادتها كل يوم مرحة العينين والخطى لتهدي أحد دارويش الحي رغيفاً من خبز التنور الساخن، سيدةٌ تومض عيناها الساحرتان كرماً ونبلاً، سيدة رغم فقرها تهب العطايا والهدايا.. اِقترب منها فرحاً، شكى لها مبتسماً من الناس مرة أخرى، كما اِعتاد أنْ يشكو ويعيد الشكاية، قال لها بصوت متحسر: مازال الناس يطلقون اسماً غريباً كريهاً لي كلما قابلتهم واِقتربت منهم، يسمونني: “شيشا راقوبا” أما الصبيان في لبسٍ وفي الأزقة والشوارع فيهرولون خلفي من دون رادعْ أو عاقلٍ زاعقين: “خليفة جاك الطيار.. خليفة جاك الطيار”، نظرت أم ابراهيم بإشفاقٍ إليه وقد سال لعابه منهمراً على صدره وعيناه مُبتسمتان، ردّدت أم ابراهيم دعاءً خفيّاً أثلج صدره وأطربه، ردّد الدرويش بعدها الدعاء بأنين مُختطفٍ، نظر اِليها مُستأنساً، قبّل رغيف الخبز الساخن، انطلق مندفعاً مع مطالع الشمس الندية من زقاقً قريب من الجابية كسهم شاردٍ إلى شارع أحمد الرفاعي هارباً في كنف الأيام، فعند الدرويش في ظلمة السجن: سرّ الهروب كسرِّ طعم خبز التنور. 

مقالات ذات علاقة

ربـيـع الـزاويـة

عزة المقهور

قصص قصيرة جداً

غالية الذرعاني

أنا و أشياءٌ أخرى لا تهتمُ بي

محمد النعاس

اترك تعليق