المقالة

رمضان في بحور الشعر

رمضان شهر البركات

قديما قيل عن الشعر إنه سجل العرب وديوانهم الكبير؛ لأنه يتناول تفاصيل حياتهم اليومية بكل ما فيها من عادات وطقوس وتقاليد..، وما يعتريها من متاعب ومشاق وأحداث متنوعة.. فضلا عن توثيق الشعر لمختلف الأحداث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.. يسجل الشعـر كل تلك الأحداث والمحطات بدقة بالغة، من رحلات وأسفـار، وحـروب وغــزوات، ومجالس ومناظرات، وأعياد ومناسبات..، ومواقف شخصية من مديح وغزل، ووقوف على الأطلال، وفروسية وكرم، وهجاء ورثاء وغيرهـــا..

وشهر رمضان المبارك -لمكانته الدينية والروحية- حظي بنصيب وافر في هذا الديوان الشعري الحافل، حيث تحدث عن أجوائه الشعراء-قديما وحديثا- ووصفوا جمال أيامه ولياليه، وعبروا عما يعتري النفوس فيه من سمو روحي وأخلاقي، وذلك في صور شعرية عديدة، منها ما غلب عـليه رُوح الابتهــال والدعاء والشجن، ومنها ما طغت عليه أجواء الدعابة والفكـاهـة والمـواقـف الطــريفــة، ومـن بيـن الشعـــــراء الذين تمـيَّزُوا في الحـديـث عــن شهــر رمـضــان الأديـب مصطــفى صـــادق الرافـــعي، الذي صـــاغ قصيــدةً رمضــانيَّـةً جميـلةً في استقبــال هـــذا الزائـر العزيز الكــريــم، حيــث يقـــول فـيهــا:

فـــديتـــك زائــــرا في كـــــل عــــــــــــام ….  تحيــــــا بالســـــلامـــــــــــة والســـــــــــــــلام    
وتقبــــل كــالغــمـــــام يفيـض حينــا ….  ويبقى بعــــــده أثـــــــــر الغــــمــــــــــــــــــــام 
وكـــم في النــــاس من كــلف مشـــوق ….. إليـــك، وكــــم شـجي مستهـــــام
فــــلو تدري العــــــــوالـــم مــــــا دريـنـــــــــــــا …. لحنــــت للصـــــــــــــــلاة وللـصيـــــــــام

ويصف أحد الشعراء رمضان بأنه طبيب يزيل عن القلوب مرض الذنوب، فيقول:

من كان يشكو عـــظم داء ذنـوبـــه …. فليأت في رمضـــان بــاب طبيبـه

أما الشاعر محمود حسن إسماعيل فيحدثنا عن هذا الشهر الكريم الفضيل عبر صور شعرية أخاذة، تتنقل بين التضرع بالدعاء، والبوح بالتوبة في زمن يتوهج بقدم رمضان، حيث يقول:

أضيف أنت حل على الأنام …. وأقـســم أن يحــيــــا بـالصيـــــــــــــام
قطعــــت الدهـــر جــوابــا وفـيــــــا …. يعــــــــود مـــزاره في كـــل عـــــــــام
تخيــــم لا يحــــد حـمـــاك ركــــن …. فكـــــــــل الأرض مهـــد للخيـــــــــام
نسخت شعائر الضيفــان لمــا …. قـنعــــت من الضيـــافـة بالمقـــــام

بهذا الفيض من النفحات الروحية جادت قرائح الشعراء، ليوثقوا زخم مشاعرهم الجياشة بهذه الترانيم الرمضانية الرقيقة، التي تمتلئ بالمواعظ والتجــارب والذكريــات، وتبدو فيها بهجــة الاستقبال وألم التوديع والفراق لشهــر الخير والرحمة والعتق من النار، أخيرا، سيظل رمضان ملهما للشعراء والأدبــاء (عبر العصور والأزمان)  لمزيد من الإبداع، وما يزال ديوان الشعر العربي يتسع للمزيد..

مقالات ذات علاقة

الرسم الساخر .. الفن المغبون

إبراهيم الصادق شيتة

تحية طيبة وبعد ..

خيرية فتحي عبدالجليل

مسقط وحكاية «واتس آب»

فاطمة غندور

اترك تعليق