هل ثمة سيرة حقا …؟؟؟!!!!
هو سؤال أتواجه معه، أحاول استنطاقه أو ربما هو الذي يحاول سؤالي أو حتى مساءلتي: هل هناك عيش دون غبش وخبث وحقد وحسد؟ أحداثا تسجلينها أو محاولة رصد لحكاية بنت اسمها حواء!! ما معني أنك ستقبضين على سيرتها الأدبية؟
وطبعاً نسي من يسألني أن محاولة الإجابة وردت في حلقة سابقة من السيرة، هل أستطيع أن أرصد وأكتب أحداث عيش عادي ستواجهني فيه كل ما يواجه أي كائن (حتى هذا الكوفيد 19، الذي عاث ومازال في كل قارات العالم ينشر الرعب)، إذن في هذي الفسحة الزمنية التي أملأها، حتما سأغوص واقترف ما يقترف البشر، وأيضا سأواجه الحزن وأكتوي بالمشاعر السلبية، (وهذا جهدي توه، يعني خلاص دوه).
لأني سأحاول جهدي فعلا لأصل إلى حكاية (سيرتي الأدبية) ومع مجلة الفصول الأربعة (أي أن يصدر عدد كل فصل من فصول السنة)، والتي غدت في بداية التسعينيات مجلة شهرية، وبدأت رابطة الكتاب والأدباء التي تصدر عنها المجلة، في إقامة نشاطات ثقافية، أمسيات لمناقشة إصدارات أو استضافة مبدعين، ما أتذكره هو مشاركتي التي أرسلها مكتوبة في كراسة، نعم أشارك بالنشاط ولكن أرسل ما أكتب دون الحضور الشخصي. وكانت أمسية للاحتفاء بصدور مجموعتين قصصيتين، أو ثلاث، للكتاب؛ إبراهيم بيوض، وأحمد يوسف عقيلة، والصديق بودوارة، (لم تنشر هذه المشاركات في مجلة الفصول، ونشرت في زاويتي بصحيفة الجماهيرية (قراءة)، مقالتي عن مجموعة أحمد يوسف عقيلة) ولكن الكراسة مازالت مختبئة في أحد الحقائب التي أحفظ أو أحتفظ في قلبها أوراقا وكراسات وقصاصات صحف ومجلات نشرت بها.
ولكن يا صديقاتي قارئات هذه السيرة ويا أصدقائي، سأخبركم عن حكاية (الانتحار)…؟؟؟
نعم؟؟!!، هذه البنت “حـواء” التي كتبت باكرا ونشرت، والتي قرأت ونبتت قرون الوعي في رأسها، هذه البنت التي لبست (الحجاب) حين كانت البنات في عمرها يزهون بأنوثتهن ويلبسن على (الموضة) وشعورهن فارقت الضفيرة وطارت مع النسائم، …. ما أتذكره أن هذه الفكرة راودتني أول مرة وأنا في الثامنة عشرة من عمري، حين كنت بالصف الثاني معهد معلمات، هي لحظة غمرتني مثل ظلمة، ربما استمرت الفكرة وكيفية تنفيذها (هل بتناول حبوب منومة أو الشنق أو قطع وريد ههههههه)، أنهض كل صباح أؤدي صلاتي وأستعد للذهاب للمعهد (قبل أن يصير ثكنة) وألتقي بصديقاتي وبزميلات الفصل، أواصل العيش العادي ولكن الفكرة تستحوذني.
كيف خرجت من تلك اللحظة القاتمة وشعرت بالضوء يغمرني؟
لا أتذكر، ما أتذكره هو شعور الخفة ومواصلة العيش العادي باستمتاع والفرح بكتاب جديد، والبهجة في مواصلة الاستماع لأغاني “فيروز” و”عبد الحليم”، وقراءة مجلة (العربي)، ولكن ظلت هذه الفكرة تراودني.
وها أنا لحظة هذه الكتابة، تذكرت حزني على زواج صديقة (تزوجت بعد إتمام الشهادة الإعدادية) وكنا حينذاك قد انتقلنا للبيت الجديد، ولأني أقرأ وأصادف مواضيعا تتكلم عن علم النفس وعن أمراض نفسية، وربما بعض الأفلام التي شاهدتها في (تلفزيوننا الليبي) كان بها مواضيع عن أمراض نفسية وعن قاتل لا يدري أنه قتل، هكذا صرت أنسج قصة عن تلك البنت التي تخطف البنات الصغيرات وتخفيهن وربما في أحيان تقوم بقتلهن (ياللهول!!).
وحين يتم القبض عليها وهم يتساءلون عن السر وراء هذا الفعل الشنيع من بنت مراهقة، فتجيبهم:
– لقد قتلتم صديقتي؟
هههههه!!!، غريب هذه الفكرة حقا راودتني وظللت أتفنن في إعداد قصة كل ليلة، وحين تنتهي أنام مطمئنة أني انتقمت لصديقتي من هذا المجتمع.
حين كدت أغرق….
إذا ظلت فكرة الانتحار تراودني مرة إثر مرة، قد تستغرق أسبوعا أو شهرا أو ساعة، ولكن تلك اللحظة القاتمة راودتني في فترات من عمري بشدة، كنت أواصل العيش وصار التسكع في شوارع طرابلس متعة، وتعرفت على مكتبة (معركة قصر حمد) وعمي “رجب الوحيشي”، والذي كان يتعجب من هذه البنت القصيرة النحيفة، التي تسأل عن كتب لرجاء غارودي ولعبد الرحمن منيف، ويقول متسائلاً: (تو انتي تقري فيها هالكتب). ميزة أن تكوني قصيرة ونحيفة فيظنونك صغيرة السن.
حينذاك كنت مغرمة بروايات (حنا مينة وإبراهيم الكوني) بين البحر والصحراء، كانت أعوام 1992/1993م أعواما مفعمة، ربما حصولي على ليسانس الآداب و صديقتي “كريمة” و مكتبة (صوت الوطن العربي)، والروايات اليابانية التي أدخلتني عوالم إبداع مختلفة، و ذاك الشعور الغامر بالحرية، التحرر من ثقل المجتمع والإحساس بأني غير عابئة برأيه فيما أفعل، تعاملي مع الأصدقاء المبدعين ببساطة؛ محمد الطاهر وعبد الحكيم كشاد ومعمر الزايدي، و(مقهي النخلة)، ونقاشاتنا في الكتابة والنقد والتفكيكية والظاهراتية وو و، صحيفة الطالب والأصدقاء؛ عادل عبد الواحد وعارف سليمان والتجريب في كتابة الشعر، مجلة (الناقد) وخواتم (أنسي الحاج) والتي جعلتني أكتب كتابة (إيروتيكية) لأنه تمنى أن تكتب كاتبة عربية بجرأة، وكدت أبعث بها، ولكن مزقتها أخيرا نتفا، وتواصلي مع الشاعر “فرج بوشينة”، الذي أقرأ نصوصه في صحيفة الطالب، وأيضا في الملحق الثقافي (الجديد)، وحديث “عادل” عن صداقتهما والكتابة الشعرية، وهكذا كتبت كراسة وأرسلتها مع “معمر الزايدي”، لأنهما يسكنان في نفس المدينة (الخمس)، و أرسل هو أيضا كراسة ردا على كراستي، ولكن لم نلتقِ إلا في سبتمبر 1994م، وتحديدا في تلك الفترة كانت فكرة الانتحار قد أخذت منحى جديا بالنسبة لي، وقمت بالبحث عن أدوية يمكن تناولها والموت بشكل هادئ، لكن كنت أنوي أن أنقذ أخريات معي، تحديدا أربعة، وقد ظهرت هذه الحكاية في قصة بعنوان (بنت السلطان تموت جوعا)، إذا في تلك الفترة التقيت أول مرة بالشاعر “فرج أبوشينة”، وفي بيت الشاعر صديقنا “جميل حمادة”.
كيف خرجت من تلك الدائرة ورحبت بالعيش من جديد، مثل كل مرة لا أدرى متى وكيف؟، ولكنّي كنت جادة حقا ولكن كيف أتحصل على دواء فعال يجعل الموت سهلا وسريعا، كان ذلك شبه مستحيل، وليس لشخصي فقط ولكن لأخريات معي (طبعا قررت أنا، أن أريحهن من مواصلة عيش لا يحمل في ثناياه أي ملمح للتغيير للأفضل).
ولكن فكرة الانتحار أطلت مرة أخرى في 1996م، وكان الفصل صيفا، وتلك الفترة وفي (مصيف السندباد) كان هناك يومين أو وقتا يبدأ من الثامنة صباحا وحتى الواحدة ظهرا، مخصص للنساء، وكنا ننتظر هذا اليوم بشغف ونجهز الشاهي والقهوة وما توفر من فاكهة صيفية وحلويات، أحيانا يضعنا (أخي) لأن بناته الصغيرات يرافقن (العمة)، وأحيانا نكون مع صديقة وأيضا لا يخلو الأمر في مرات من ركوب (الحافلة /الأفيكو).
كنت أفكر في الانتحار ولكن ليس غرقا!! وخاصة في وجود اللواتي أحبهن، ولكن ذات مرة استمتعت بالسباحة علي ظهري، استغرقت في تأمل الفضاء والشعور بالماء ورائحة البحر، انتبهت لخفوت الأصوات من حولي وأنني ابتعدت، وأن العمق ربما أكثر من ثلاثة أمتار، أصابتني رعدة ولكن تمالكت نفسي، أنا لا أجيد السباحة ولكن بهدوء غيّرت اتجاهي إلى الشاطيء، وبدأت أجدّف رويدا رويدا، وحين صار العمق قريبا، انقلبت ووقفت وبدأت أركض بحثا عن رفيقاتي وأنا أضحك بصوت عال من هذه التي تريد الانتحار، ولكن حين واجهت الغرق/ الموت تشبثت بالحياة، بالعيش اليومي ورائحة القهوة وضجيج الشاطئ والسابحات من كل الأعمار وبكل الأزياء.
الثالثة وثمانية وعشرين دقيقة
صباح الثلاثاء 14/4/2020
(وثمة حرب كونية في أجواء طرابلس)….