قصة

مُحـاولة فـاشلة للانتحـار

 

( 1 )

لا أحـد يحبـك، استنتجتَ هذا مِن تعامل النّاسِ معَك ، أنت لا تحب أحداً كذلك ، كل ما ترغب فيه هُو الموتُ بسرعة كيْ لا تتسبب في مشكلة عاطفية ما …

أنتَ لا ترى أحداً سِواها ، كُنت في بادئ الأمر تحبها ..ثم أصبحت تكرهها ، فأحببتها ، فكرهتها ، ضعت في دوامة من الشعور المتصادم و كان لك الخيار في أن لا تنجذب إلى قلبِك الغبيْ و لكنّك فعلت … ذقت كل مراراتك بابتسامة ، أعجبتك … تجرّعتها و الابتسامة الحزينة لا زالت تعلوك.

لا أحد يحبك ، لست بحاجةٍ للحب … الحب للحمقى ، يُمكن أن تكون قوياً فقط إن أردت ذلك ، كُن شجاعاً و اقفز لن يسمع بك أحدهم ..

هذا أجمل ما في الرواية ، لن يوجد لك قبر أتعرف لماذا ؟ لأنّ القبور ضيّقة كعقول البشر و أنت لم تحب أن تعيش بين عقولهم ، مت نكرة كما عشت كذلك ، لا تبتئس إن مُتّ نكِرة ، لا تحزن … فالكل نكِرات يأبون الاعتراف بذلك ، أنتَ أشجع منهم … أصدق ، أنت تعترف لنفسك بأنّك فعلاً نكرة .

لا أحد يُحبك ، هم لا يحتاجونك إلا عندما يحتاجونك ، هذه ليست نظرية .. هذه حقيقة واقعة منذ متى ؟ ، منذ وُلدتَ ، احتاجتك أُختك الكُبرى مُتعللةً بمرضِك حتى ” تغيّر ” الجوْ قليلاً في حياكةِ الطُرقـات ، احتاجك أخـاك الذي يكبرك ببضعِ سنين لكيْ يشتري له أبوك دراجة يلهو بها ، احتاجك صديقك ( أ ) لكيْ تدرسه و احتاجك صديقك ( ب ) لكيْ تصمت ، أمّا ( ج ) و ( ح) و ( خ ) فلم يحتاجوك … لربما سيحتاجونك غداً أو بعد غد أو بالأمس … لا فرق ، و ( واو ) لن تحتاجك عليكَ أن تكون واقعياً كفـاية ، من ” المهبولة ” التي تحتاج أمثالك ؟ ، من أنتَ في قاموس اللغةِ العربية ؟ ، اخرج لي مستخدماً طريقة ” الفصل ” و ” الباب ” معناك في قلبها ؟ .. أنتَ من فصل ” التاء ” باب ” النون ” ، عليك أن تعترف … هذا أنت ” تاء ” في أخر الكلمة و نون في بدايتها لا العكس .. لن تكون ” تنينها ” و هي تنينة محتاجة دفءِ نارك .

أنتَ اعتدتَ أن يكون اسمك ” مجهولاً ” مثلك عند الجميع ، لم تكن يوماً ذلك الشخص الذي يتمنى الجميع في أسوءِ حال أن يمضوا ساعة أو على الأقل خمس دقائق معه ، أنت الآن تبتسم … ثم تبتسم بحرقة ، ثم تبتسم باكياً ، و لا زِلتَ تبتسم ، من علّمك الابتسامة بالضبط ؟ . من قال لك أنّها في كل الأوقات ؟ ، ما رأيك في أن تسقط مُبتسماً … سيسميك النّاس بعدك بـالعاشق المنتحر المبتسم النكرة ، و لن يضاف لقب ” البطل ” لأي سبب من الأسباب التي قد تخطر ببالِك ، لن يُضافها لأنّك احترقت لأجل شيءٍ تافه تسميه ” حب ” و هو ” بَـحْ ” ! ، كُل تبـن إذا أنتَ لا تصدقنِي ..

( 2 )

لا أحد يحبك ، أنت أيضاً تبادلهم ذات الشعور ، أنت أيضاً لا ترى أحداً سواها … منذ أن رأيت ذلك الوجه الملائكي و ذلك الصوت الفيروزي أصبحتَ ترى كل الفتياتِ عداها عبارة عن أشكال هندسية ، عبارة عن ” مثلثات ” و ” مربعات ” و دوائر متشابهة لا فرق بين بعضها البعض سوى في الزوايا ، أمّا هي فقد كانت الإنسان الوحيد الذي يُمكن أن يُرى إنساناً  أو ملاكاً … لو لم تكن فتاة لكانت يُوسفاً أخر في نظرِك ، أنت تعتبر نفسك يعقوباً في هذه الحالة و لكن الحقيقة تقول أنّها لم تكن يوماً تبدي لك أي اهتمام فلا الشمسُ و لا القمر و لا حتى مُذنب صغير سيسجد عندها لأي سبب من الأسباب  و لن تقول لها ” احذري الجميع فإنّي أرى السوء في أعينهم ، ثقي بي أنا فقط” … و عندما تتذكر أنّ ” القمر جسم معتم ” تستبعد وجوده بين كلماتِك ، هي شمس … شمس حارقة ، مضيئة و دافئة ، هي رائعة بحق … أعجبنِي اختيارك ، و لكن ماذا سيغيّر هذا في حياتِك ؟ . لا شيء ؟ ، أتعلم لماذا ؟ ، تذكرتُ كلمة كُنتُ قد قلتها لك منذ قليل … أنتَ ” نكِرة ” .

قال لك أحد أصدقاءك الذين رددتَ له الاحتياج باحتياجك أنّه عليكَ أن ” تتنكّر ” لها ، قلت له أنّك لم تحضر أي حفلٍ تنكري منذ ذي قبل إلا في نزعِ / ارتداء أقنعة  الابتسامة و التجهم ، صاح ثانٍ يقول ” إنّ الفتاة تحبك عندما لا تهتم بها ” ، أجبته بأنّك لست تهتم بها بل إنّك هائم بها و الكلمة ” هيام ” هي أقصى درجات الحب .. تضيف موضحاً . نصحك أخر قائلاً بأنّه عليك أن تعرف الصواب من الخطأ ، قلت له أنّه ” لا شيء صواب .. و لا شيء خطأ .. لأنّه بسهولة لا يوجد شيء ” ، ضحكتُ كثيراً من تعليقك هذا … و لكنّك أثرت في نفسي يقيناً بأنّك تزداد يوماً بعد يوم اعتراف بأنّك نكِرة ، أضاف أخر أنّه عليك ” أن تمسح بقلبك الأرض متلذذاً ” … قلت له أنّ كلك تحبها لا قلبك فقط ، أضفتَ أنتَ قائلاً ” إنّه علي الانتحار إذا أردتُ أن أنساها ” … ابتسمتَ وقتها ، و أصبحت الآن توقن أنّه لا مفر ! .

هنالك طرق عديدة للانتحار ، يُمكنك أن تقفز كما أنت تريدُ الآن … لكنِّي أحب الانتحار الذي تستلذ به الذات و تصرخ به ، تتآكل به ، يعتريها شيء من جنون المشاعر ،  لا مفر من ما لا مفر منه ، الموت حق و كلنا من التراب و للتراب كلنا … ستموت عاجلاً أم آجلاً ، وبدل أن تنتظر قضاء الله و قدره فيك يوم السبت أو الجمعة لتجد نفسك ميتاً في الطرقات أو أحدِ زوايا البيت موتاً  يُمكن أن يكون حادث سيارة أو مرض أو ” سكوت ” قلبك … إلخ من الأسباب المزعجة للموت – عجّل بالأخذ بالأسباب و اغرس سكيناً في قلبك قبل أن يُغرس فيك ، أطلق رصاصة في عقلك قبل أن تصطدم بك رصاصة معمية أو مبصرة ، سمم أعضاءك قبل أن يسممك المرض ، أغدر بنفسك قبل أن تغدر بك هيْ . تذكر الكلمة ” انتحار ” مصدرها ” نحر ” أي قدم نفسه أضحية لشيء مـا … أنتَ أضحية الحُب و الكراهية و النُكران كُن كذلك و خلص نفسك من هذا الجنون الحقير المُسمى دُنيا .

لا تقلق ، لن يحتاج أحد احتياجك ، أمّك ستبكي عليك دماً في السنةِ الأولى ، في السنة الثانية ستتذكرك باكيةً بدمعِ البشر ، في السنة الثالثة ستحاول أن تنساك ، في السنة الرابعة ستتذكرك كل أسبوع مرة ، في السنة الخامسة لن تتذكرك إلا في مقتطفات صغيرة لا أهمية لها … سيعتصر قلبها قليلٌ من الألم و من ثم ستتابع حياتها مؤمنةً بأنّ كل ما هو من عند اللهِ خير ، أبوك لن يتذكرك كثيراً سيوصي أخاك الأكبر أن يسمي أحد أبناءه باسمِك ، سيفعل أخوك ذلك مُكرهاً ، أختك لن يشكل موتك معها ذلك التغيير الكبير ، أصدقاءك سينسونك مع مرور الوقت و سينسون قبرك … الوفيْ منهم سيقول أنّك دُفنت في الجبّانة الفلانية و لكنّه نسيَ أين موقع قبرك بالضبط ، ” القبور على أشكالها ضيّقة ” يعلق أخر ، ” رحمة الله عليه ” يقول ثالث … ” صحيح من عنده صورة له ؟ ” يسأل أخر لأنّه نسيَ ملامح وجهك و لا يريد أن يكون في موقفٍ محرج معك يوم القيامة .

( 3 )

ها أنت الآن تتراجع ، يداك ترتجفان ، تمر بحالة من الغضب فاليأس من الحياة و الموت – في الوقت ذاته – فحالة من القبول بالاستمرار ، يتصبب عرقك ، لا تحاول منعه من ما يدل على أنّك لا تمانع و ما يدل أيضاً على أنّ شبح الرعب من كل شيء قد تخطفك .

أنت جبان ، لا تستحق الحياة … لا تستحق الموت كذلك ، لكنك لا تستحق اللاوجود أيضاً ، اهرب … ارجع أدراجك ، غص في وسادة من اللاشيء تبكي عن اللاشيء معترفاً بأنك لا شيء ، فكر في الكيفية التي ستتلاءم بها مع حياتك كنكرة ، حاول أن تستمع بالأمر لأنّ لا حل أخر لك .

عندما تعود إلى البيت لا تُحـاول أن تصنـع لنفسِك ابتسامةً نموذجيّة أمام المرآة ،لا تشد فمكْ بكلتي يديك … لتصنعُ ابتسامتِك ،لا  تبحثُ عنها في المرآة و لا تراها ، فما إن تبتعد يداكَ بعيداً عن وجهك العبوس ستشعرُ بغثيانٍ ، أنتَ ستُحـاول أن تكذبَ على نفسِك و لو باستخدام القوة و لكنّ القوة تخـونُك كما خنتها قبل قليل .

عليك أن تعتاد على عدم انتظار السمكري لتصليح صنبور المياه التالف ، لا تحاول أن تستأجر عاملة تنظيف لإزالة أوساخك ، عامل الكهرباء لن يهتم لاتصالاتك المتكررة راجياً منه أن يحضر لإشعال ” مصباحٍ ما ” ، لا تفكر في الزواج – لا أحد يهتم بأمثالك – ، لا تفكر في الأصدقاء – لا أحد يهتم بأمثالك – ، لا تفكر في الأقارب – هم لا يهتمون بأحد – ، لا حاجة لك بتغيير ملابسك دورياً – من سيهتم لمظهرك –  ، أنت غير موجود على كل حال ، عندما تقطع الطريق لا تنظر يمينك أو يسارك بل اغطس من بين السيارات ، السيارات لا تصطدم بالأشباح / النكرات ، أنت نكرة … نون ، كاف ، راء ، تاء مقيّدة كنفسك .

مقالات ذات علاقة

شيخوخة

محمد المسلاتي

قناديل

محمد المسلاتي

قصة قصيرة من قصص العرفان.. كلمات من عالم الصمت الابدي

أحمد إبراهيم الفقيه

اترك تعليق