النقد

ظل المشواشي على الريح

قراءة قي قصيدة “المشواشي التعيس” للشاعر عبدالسلام العجيلي

سامي البدري/ روائي وناقد عراقي

S_albadri60@hotmail.com

.

لطالما توقعنا مساءات مؤجلة لأقصى خاصرة الرحلة… وأن ثمة ريح غربية ستأتينا ببريدها… وأجلنا الرثاء… وثمة من إقترح لندائها صبرا من بلور أبيض، وثمة من أعد لإنتظاراتها المتراكمة وقيعة من صيف الشجن… وثمة من يقترح عظامه حطبا لها… وهي مازالت معلقة على سينين الرجاء… ومازال الأمل يتوقع لثيابها ألوانا وحصافة لقاء.

هل هذا هو النداء الذي يفاجئ المشواشي (التعيس) في آخر الزقاق، أم تراه هو سبب تعاسته؟

لنقلب أوجه زحف المشواشي التعيس (وليس أي مشواشي) من أجل أن نتلمس (فيوض) تعاسته التي يقودنا في مسارب نضوجها وأوجه تمظهرها الشاعر عبدالسلام العجيلي وهو يجلس على الصخرة المتبقية من فنار وجع الرغبة… فهو.. ظل فاجأه النداء

تركه معلقاً في آخر الزقاق

ظل لمن؟ لوجع الرغبة في كسر قشرة البيضة التي بنيت – في غفلة من مسارب الحكاية – لتحجم عين صوص الحلم وتمنعه من اللهو غير البريء في مراح حقول السؤال؟!!

النداء قائم في (بيضة المشواشي التعيس) ويترك عيناه معلقتان في أخر الزقاق إلحاحا لا رغبة أحيانا… ورغبة في الأحيان الأخر… هل هذا هو سبب تعاسة (مشواشي) الشاعر العجيلي؟

أظن أن هذا يضعنا أمام رشق السؤال: هل إلتفت آدم وحواء خلفهما بعد خروجهما من الجنة مطرودين إلى الأرض؟

المشواشي التعيس، ومعه فصيل كامل من شعراء البزة الخاسرة للونها يقولون: لا!

وهي (؟) عاصفة هودجها الغبش

عناؤها خيط من الرمل، وسعال قديم!

وأنت يا تعيس من تكون من دون تعاستك ومن دون نافر هذه العاصفة ومن دون نهرها… ماذا ترجو من عاصفتها؟

تعيس يبحث عن جذوة لرماده؟ من أطفأ جذوتك؟ بالتأكيد ليست عاصفة أحزانك الوردية؟

وبصياغة ثانية: ما هو سبب تعاسة (مشواشي) عبدالسلام العجيلي العائد من آخر الغزلان… الفارش لبكاء العالم قلبه الطري… من ترك أغانيه محنطة في الجبال وهبط إلى الغبار… عندما فاجأه النداء وتركه معلقا في آخر الزقاق؟

أي نداء الذي فاجأك يا مشواشي وتركك معلقا في آخر حلقة لشهوة السؤال… ولشهوة آخر قفزة فوق عشب السراب… و موزعا بين المساء اليابس والتبغ الرخيص… وتستبدل نهاية العاصفة بكل ما ألف وأستطاب المترفين والمقعدين على دكة الرهبة والخوف من مجهول، يصرون على أن يروّه باللون الذي رئاه به غيرهم؟

هل هو صوت تعاستك وحسب؟ هل هو صوت لون قبة السماء الذي يظللك منذ صاح أول ديك على مزبلة انتظاراتنا، وترفض التزحزح عن لونها ولو لمرة واحدة؟ هل هو وجع ما بعد وجع ضرس العقل؟ هل هو وجع ما بعد الاستسلام لعاصفة (عاصفتها)؟ هل هو وجع آخر الزقاق… ومن أجله فقط… أم تراه وجع عجز الزقاق لأنه (ما عاد يتسع لرؤوسنا)… وحيرتها… وإلحافها في لجاجة السؤال، لأن كل (العواصف)، وليس عاصفتها وحسب، بنافرها ونهرها، تنتهي بإجبارك على إنتعال (ثقبا في الصباح) وألف ثقب عند مفترق أوجاع ما بعد منتصف الليل… وحتى لو كانت عيناها بمتناول قصائدك المرتبكة؟

أقترح عظامي حطباً لمساءات الرحلة

فاقتربي أيتها العاصفة

هذا الزقاق ما عاد يتسع لرؤوسنا

حذائي ما عاد يسمعني

بريدي بوح ثقيل

لا تحمله الريح

يسقط قبل المعارك.

ماذا ستفعل ببوحك الثقيل… وهو لا تحمله الريح (هل حقا ليس ثمة من ريح تحمله ولثقله فقط أم بسبب إنتعالك لثقوب ممنوعة من الصرف؟!) وأي وجهة ستتوجه به وهو يسقط قبل المعارك؟ هل هو يسقط قبل المعارك فعلا؟ بخيار من يسقط قبل المعارك… وقبلها قبل أي معارك يسقط؟ وهل يسقط مستسلما أم مضرجا؟

لماذا إذا تصر على إقتراح عظامك حطبا لمساءات الرحلة، وهي جولة أخرى لا تنتعل لها غير (أوزار) لهفتك لكسر قشرة البيضة؟

المدينة ضيعت قميص نوما (و)وهبت نعاسها للمترفين … ولم تترك لك غير آخر الزقاق لتعلق عليه بيوض أحلامك؟ من أي عرقوب ستعلقها وعلى أي خاصرة (وهي بلون واحد، كما تراها) وأنت سليل آلهة ترمدت (أم رمدوها؟؟) لا تنتعل لها غير (ثـقباً في الصباح)؟

ثقبك لا يراه غيرك يا مشواشي فمن سيعذرك، رغم أنه (ثـقباً في الصباح)؟!

ولكن هل مثلك من يبحث أو ينتظر أو يلتفت لمن يعذره، وأنت (ظل فاجأه النداء) الذي لا يسمعون؟

هل أمامك غير أن تنتعل (ثقبا) أيها الظل وأن تراهن عليه أيها الظل العالي؟

عالي بحساب من؟

حسبك أن بينك وبين ندائك (ملح بليغ)؛ وأن ليس في زوادتك غير التبغ الرخيص وقصائدك المرتبكة وما لا تسع أقدامهم من ثقوب… وأيضا ما لا تقبض عليه أصابعهم من غبار.

هل يشغلك أين ستكمل أغنيتك؟ لا أظن أنك ستعود بها إلى الجبال… حتى لو لم يسمعك حذائك… وحتى لو سقط بريدك قبل المعارك في جميع الجولات التي يسعفك بها تبغك الرخيص حتى لو أضطررت للابتسام لأبشع النساء!

وأنت لن تساوم.. لا على ندائك ولا حتى على تبغك الرخيص.. وفي كل مرة سترتطم برأسك (جدرانهم) ستعود لتعلق لثغ محبرتك في آخر الزقاق… ليس لأنك تعيس، بل لأنك إخترت التعاسة!

___________________________________________

× القصيدة منشورة في العدد 243 من جريدة فبرايرالصادر في 5 يوليو 2012

مقالات ذات علاقة

قراءة في مجموعة:الخيول البيض.. للقاص “أحمد يوسف عقيلة”

عبدالرزاق العاقل

الخيول البيض.. مد أسطوري يتغلغل في ثنايا الحاضر

المشرف العام

الروائية والقاصة الليبية “خيرية فتحي عبد الجليل”؛ أبداع الكلمة ووضوح الاتجاه

مفتاح الشاعري

اترك تعليق