مضى عام حتى الآن منذ أن أهداني الصديق العزيز الأستاذ / الهادي البكوش كتابه ” إنتاج الدراما التلفزيونية ” من إصدرات ” دار الرواد ” ، ورغم معاصرتي لزمن كتابته من حيث أنه حدثني عنه بشغف كبير وعايشت معه المخاض ، فقد جاء وقت طلب مني فيه مراجعته قبل الطبع ، إلا أنني لم أجد نفسي ملائماً وقتها للقيام بالمهمة لاعتبارات كثيرة ، لعل أبرزها ، وجود من هو أفضل مني بكثير لهكذا مهام ، واقترحت عليه الأستاذ / فتحي بن عيسى ، كونه صحفي لامع ، وعلاقته بالمنتج المقروء كبيرة ، وحماسه لتحقيق إضافة لا حد له ، وهو من النوع الذي إن أحبطته أحداث وتصرفات ، يمتلك من القدرة على امتصاصها لخوض غمار فعاليات جديدة كل مرة ” ما شاء الله ” …..
وهكذا كان، إذ تلقف الأستاذ / فتحي بن عيسى الكتاب ، وقام بمراجعته مشكوراً لتتبناه “دار الرواد” مشكورة ويحال إلى الطبع ….
لم يغب الكتاب عني كوني أعتبره إنجازاً يتأرجح بين الريادة والإضافة ، فهو إضافة الى الكتب ذات العلاقة بمهن الإنتاج التلفزيوني ” إن وجدت ” ، لكنه واقعياً يسجل ريادة في الكتب المتخصصة من الناحية الحرفية ، ولي أسبابي في هكذا حكم ، رغم أنني أفضل إطلاق عليه صفة ” الكتيب الدليل ” و الكتيب الدليل عادة ما يكون أكثر فائدة ، وأسرع فهماً ، وأيسر تطبيقاً ، ليبعد عن تلك الكتب الغارقة في التنظير ، والمتشعبة في الدروب ، بعضها قد يقود إلى فائدة ترفية ، وبعضها قد يغرق المتلقي في متاهات .
أسباب حكمي ترجع إلى تجارب خضتها قبل أعوام قليلة في كوني وجدت نفسي مضطراً لتدريس و تدريب البعض على فنون الإنتاج الإذاعي ” المسموع ” بشكل مكثف ، دون تجاهل إعطاء الجوانب النظرية ما يلزم للإحاطة بالخلفيات الإعلامية ، ولأنني اعتقدت أن تجربتي يجب أن تُأطر في شكل منهجي منظم ، هرعت لمكتبات عربية خارج ليبيا ، لانتقاء ما يمكن أن يفي بغرض تحقيق وجود منهجية ما ، وانتهيت إلى عدد يفوق العشرين عنواناً ، وعندما بدأت المراجعة للكتب ، لم أجد ما يفي بالغرض على المستوى العملي ، كون الكُتَّاب يغرقون في الأجزاء التنظيرية ، والتي هي مفيدة دون شك ” إلى حد ما ” لكنها لا تلتقي والاحتياجات الخاصة للتدريب المكثف ، الشئ الذي أجبرني على كتابة الدروس بنفسي تأسيساً على سنوات ” النضال ” الطويلة التي قضيتها بين المايكروفون والكاميرا وخشبة المسرح وحتى كواليس الصحافة .
الغريب في الأمر أن بعض من دربتهم أو درستهم كانوا خريجو كليات إعلام ، لأكتشف أن بعضهم لا يلم بالمواضيع النظرية الأساسية التي تشكل رصيداً لا غنى عنه كثقافة عامة للعامل في المجال الإعلامي ، أما الأمور التطبيقية ، فذلك أمر شبه غائب ” حينها ” ولا لوم عليهم البتة .
عندما ينقل فنان مثل الأستاذ / الهادي البكوش جزءاً من تجربته ، فإن الأمر يُعد بوحاً خاصاً ، قلما يقبل بعض المنتمين للمهنة البوح به ، وبذلك يعتبر بوحاً من فئة الكنوز ، أما إذا أخذنا بعين الاعتبار خلفيته ، وتجاربه المهمة في المسرح والتلفزيون والعملية الإنتاجية برمتها ، إضافة إلى ما يتمتع به من علاقات واسعة مع فنانين ومنتجين ومخرجين عرب في عواصم الإنتاج الكبرى ، فإن ذلك يقودني بالتالي إلى دعوته للاستمرار في التوسع في الموضوع ، بعد أن أعطى في هذا الكتاب ” الدليل ” أساسيات العملية الإنتاجية …
أنصح الزملاء الاساتذة والطلبة في كليات الإعلام أخذه بعين الاعتبار وحتى اعتماده كدليل مهم يدرس للطلبة والطالبات ، مؤكداً على أن كثير ممن هم في المجال ، لا يعلمون بكثير من التفاصيل الدقيقة لأبجديات الإنتاج ، حتى وإن كانوا قد قاموا بالإنتاج سابقاً ….
__________________________
20 / 2 / 2019