يشرع كتاب ” المرأة الليبية ابداع واشعاع” للمؤلفة أمينة حسين بن عامر في رصد تفاصيل الحياة المهنية لرائدة من رائدات التعليم في بلادنا وهي السيدة حميدة طرخان التي عرفت باسم حميدة العنيزى.
قام بتقديم الكتاب الكاتب والدكتور “وهبي البوري” الذي أبدى في بداية مقدمته أسفه على التجاهل والنسيان، للسيدة حميدة العنيزى التي فتحت الأبواب المغلقة امام تعليم الفتاة الليبية، في مدينة بنغازي ويتأسف الدكتور في مقدمته لعدم ذكر اسمها، في المحافل والتنظيمات النسائية الحديثة وعدم إطلاق أسمها على أي مدرسة في مدينتها بنغازي التي أحبتها وعشقتها وبذلت كل عطائها، من أجل تعليم فتياتها في فترة وحقبة زمنية.
ولدت المربية “حميدة العنيزى” في عام 1892 م بمدينة بنغازي، وفى سنة 1911 م أوفدت إلى “المعهد النسائي العالي” بمدينة اسطنبول التركية وعادت بشهادة التعليم العالي بعد أربع سنوات دراسية درست وحفظت فيها القران وأجادت اللغة التركية إلى جانب اللغة العربية ومنذ أن رجعت إلى بلادها تطوعت لتعليم الفتيات في منزلها.
في عام 1924 افتتحت الحكومة الإيطالية بليبيا مدرسة بنات لتعليم اللغة الإيطالية واللغة العربية والقران الكريم وفن الخياطة والتطريز وكان مقر المدرسة شارع عثمان بحيح في وسط مدينة بنغازي القديمة وتولت السيدة حميدة العنيزى إدارة هذه المدرسة.
نشاطها وجهودها لفتح المزيد من المدارس
تعرض مؤلفة الكتاب لجهود المربية “حميدة العنيزى” في تولى إدارة مدارس أخرى في بنغازي، حين اسست الإدارة البريطانية أول فصل دراسي للبنات في بنغازي واسندت الى المربية ” حميدة العنيزى” مهمة مديرة تعليم ثم موجهة تربوية ثم تولت مديرة لأول مدرسة للبنات في عهد الأدارة البريطانية
افتتحت أول مدرسة ابتدائي للبنات في مدرسة أطلق عليها اسم ” الأميرة ومدرسة اخرى في منطقة البركة، ثم بدأت تعد أوائل الفتيات اللاتي تحصلن على قسط من التعليم لإدارة هذه المدارس.
أسندت إدارة مدرسة “الأميرة” الى المربية “فضيلة بومنير”، أما مدرسة البركة فلقد اسندت اداراتها الى المعلمة والمربية الرائدة بديعة فليفلة.
وفي منتصف الخمسينات من القرن العشرين وعندما كانت المربية “حميدة العنيزى تتولى ادارة تعليم البنات بنضارة المعارف راودتها فكرة التوسع بإنشاء معهد المعلمات العام ،و عرضت الفكرة على وزارة التعليم فتمت الموافقة على انشاء المعهد ، الذى كانت الدراسة فيه لمدة سنتين بعد اتمام الشهادة الابتدائية، ويذكر الكتاب بأن السيدة “حميدة العنيزى” كانت تقوم بتشجيع الأهالي والفتيات ،على دخول معهد المعلمات وخصصت منحة شهرية لكل طالبة لشراء الكتب والمؤلفات الدراسية ومن خريجات الدفعة الأولى من رائدات التعليم النسائي في ليبيا والتي أظهرتهن الصور التوثيقية في الكتاب: معيتيقة الفرجانى، نجية اليمنى، مباركة الورفلى، فاطمة الودانى، نوارة الشريف، حليمة بوراوى.
لم تكتفى السيدة “حميدة العنيزى” بالأشراف على انشاء معهد المعلمات الذي أصبحت الدراسة فيه بعد ذلك أربع سنوات، انما افتتحت مدرسة اعدادية وثانوية في الفترة المسائية، ومع أنها وجدت اعتراض من أولياء الأمور في البداية ولكن مع الوقت تحمس أولياء الأمور لمواصلة تعليم بناتهم في المراحل الإعدادية والثانوية.
وكذلك قامت المربية حميدة العنيزى بترشيح ثلاث طالبات لبعثة دراسية الى مصر وطالبتين لبعثة دراسية الى بريطانيا.
افتتاح جمعية النهضة النسائية بنغازي
تأسست الجمعية النسائية الجديدة عام 1954 برئاسة المربية” حميدة العنيزى” وعضوية 12 سيدة من النساء الفاعلات في العمل الوطني وتذكر المؤلفة في الكتاب بأن: “اجتماع الجمعية الأسبوعي كان بشكل منتظم تتدارس فيه عضوات الجمعية مع الرئيسة كل الخدمات التي يمكن تقديمها للمجتمع ففي عيد الأضحى تقدم المساعدات الى الأسر الفقيرة لشراء الأضحية وملابس العيد وفى عيد الفطر تجمع الزكاة لتوزيعها على المستحقين وفى المولد النبوي تقدم القناديل و الملابس والألعاب للأطفال المحتاجين ، وتستطرد المؤلفة عن مناشط الجمعية التي كانت تقيم ندوات ادبية وفكرية وثقافية يقيمها اساتذة معروفين بعطائهم الفكري والتربوي مثل:
المرحوم يوسف الدلنسى
المرحوم الأستاذ عبد القادر طه الطويل
المرحوم فرج الشويهدى
المرحوم طالب الرويعى.
لا تتوقف حين تقوم بقراءة الكتاب لمحاولة التقاط انفاسك وانت تسبح كقارئ في متابعة رصد فضاء النشاط والحيوية والمعرفة التي كانت تقوم به المعلمة والمربية “حميدة العنيزى”فى كافة الأوجه التربوية والإنسانية
توفيت المناضلة والرائدة ” حميدة العنيزى” في 15-اغسطس -1982م عن عمر يناهز التسعين، بعد ان قضت ما يقارب الستين عاما من عمرها وهي تهب العطاء والحب لما فيه خير المرأة من اجل تعليمها ودراستها.
حين يتملى القارئ بالصور التوثيقية المصاحبة للسرد التاريخي والنضالي للرائدة الفاضلة يرى وجوه ممتلئة حب وعزم للعلم والدراسة بثيابهن الأنيقة و تسريحاتهن الجميلة ، لم يكن محجبات الشعر ولكنهن كن محصنات الروح والقلب ومتحجبات بالقيم الداخلية ، جميلات رائعات بأرواحهن المشعة بالحب والرغبة في التعلم والمعرفة وكفاءة العمل بصدق وعطاء وناضلن تحت ظروف اجتماعية صعبة كانت تنظر إليهن بدهشة واستغراب وفى ظروف بلد يعيش تحت وطأة المستعمر ولكنهن رغم كل ذلك وثقن بأنفسهن وبحقهن في التعليم والمعرفة ونالن بعد وقت كل احترام وتقدير المجتمع الذي كان ينظر إليهن بدهشة وتعجب صورة جميلة للفتيات الليبيات هي ما نحب ان نراهن عليها دائما متحصنات بعفتهن وقيمهن التربوية ومتمسكات بحقهن في الدراسة والتعليم هن أولئك جداتنا وأمهاتنا اللواتي كن بالإضافة لكل ذلك أمهات صالحات عملن على تربية اولادهن على القيم الإنسانية والحس الوطني العالي بمحبة العمل كقيمة ورسالة وطنية قبل كل شيء ،و رغم أن الكتاب لا يورد تواريخ الأحداث بدقة الا أنه كتاب توثيقي وسردي قيم وجميل لقيمة تعليمية كبيرة في تاريخ التعليم في بلادنا.