أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (7)

محمد نجيب عبدالكافي

جاء عرضا في حديث سابق ذكر الثورة الجزائرية وموقف ليبيا منها. قبل الدخول في صلب الموضوع لابدّ من إيضاح كي تبين الحقيقة. استقلت ليبيا في 24 ديسمبر/كانون الأول 1951. قبل منتصف يناير/تشرين الثاني انتفضت تونس في كفاح عنيف بغية الاستقلال فكانت ضحايا ومحاكمات كان من عواقبها الفرار إلى الأخت القريبة ليبيا. نفس الوضع ساد في المغرب وبعد سنتين 1-11-54 اندلعت الثورة الجزائرية. اشتد النضال في تونس وتزايد بموجبه عدد اللاجئين كان ضمنهم الزعيم علي الزليطني ذو الأصل الليبي وله أقاربه في ليبيا، فسارع الى إيجاد طريقة يجمع ويراقب وينظم بها الشباب اللاجئ المتكاثر، فكان تاسيس مكتب تونس بعد الحصول على موافقة الحكومة ومساعدة زعماء سياسيين مثل الحاج محمد الكريكشي والحاج محمد الزقعار وعبد العزيز الزقلعي وعبد العزيز فطيس وصالح بويصير والبشير المغيربي وآخرين.

- الصورة الملك أدريس السنوسي يستقبل الرئيس أحمد بن بلة في قصر السلام بمدينة طبرق عام 1963
الملك أدريس السنوسي يستقبل الرئيس أحمد بن بلة في قصر السلام بمدينة طبرق عام 1963

– غرابة

ليس غريبا أن تستقبل ليبيا أبناء عمومتها، لكن الغريب هو تنفيذ ما تمليه المشاعر في ظروف غير عادية. استقلال لم يجف مداد إعلانه، اتخاذ قرار ذي صبغة سياسية دُوَليّة، إذ اللجوء السياسي مقنّن دُوليّا، والأكثر اعتبارا – وتقديرا – هو أنّ القرار يمسّ دولة جيشها رابض على أرض الوطن، وهي فرنسا، التي كانت طرفا نشطا في مشروع “بيفن سفورتسا” الداعي الى تقسيم البلاد بين بريطانيا في برقة وإيطاليا في طرابلس وفرنسا في فزان. رغم هذا، وبكلّ تصميم وإيمان، تقنّن اللجوء السياسي في ليبيا – وقد يكون القانون أوّل أو من أوّل القوانين في سياستها الدُّولية – وفتح المكتب أبوابه وأصبح شبه سفارة الوطنيين التونسيين.

– الكيل كيلان

لو اقتصر الأمر على تونس لهان. لكن ها هي الجزائر تنتفض وهي أشد حاجة من غيرها لجميع أنواع السند والمؤازرة، إذ هي محتلة قرابة القرن ونصف القرن، وهي في العرف الدُّوَلي وبالنسبة لفرنسا جزء من بلاد الغال، فمن مسّها تدَخَّل في شئون فرنسا الداخلية، وهذا يحرّمه التعامل الدُّوَلي. كلّ هذا عرفه المسؤولون الأوائل أثابهم الله، لكنّ الأهمّ قبل المهم والحلّ لدى المخلصين بسيط. فليتفضل الجزائريون، لكن تحت مظلة مُضلِّلة، يدخلون كتونسيّبن وكان الله في عونهم. سأسرد حدثا يؤكد قولي
بن بلة وسي مسعود…

نشرت هذا الحدث في كتابي “رحلة عبر الكفاح الوطني” وتحسّبا لخلط الأسماء والوقوع في أخطاء، سأنقل ما سبقت كتابته. كنّا في إحدى الأمسيات، نتجوّل في شارع الاستقلال بطرابلس أنا وعبد العزيزشوشان وأحمد بن بلّة وعلي محساس، وكان وراءنا والي طرابلس المرحوم جمال باش آغا ومرافقه الخاص، لأنّ الولاة والوزراء والمسؤولين كانوا ينزلون إلى شوارع المدينة راجلين ويجلسون بالمقاهي ككلّ المواطنين. جاءنا مرافق الوالي وقال لعبد العزيز (كان يرأس مكتبنا وأنا أمينه العام) جمال بك يطلبه، فذهب إليه وعاد إلينا بعد قليل ضاحكا، يعلمنا أنّ الوالي سأله إن كان يعرف أحمد بن بلّة وهل كان هذا الشخص يأتي إلى ليبيا. كان الزعيم الجزائري وقتها مسجلا تحت اسم “سي مسعود المزيان.” لنا عودة بهذا الموضوع لنعيش سويّا في ليبيا التي عرفت. للحديث بقية إن طال العمر.

– الصورة الملك أدريس السنوسي يستقبل الرئيس أحمد بن بلة في قصر السلام بمدينة طبرق عام 1963

مقالات ذات علاقة

زوجة على الورق

إنتصار بوراوي

مقتل عبدالسلام المسماري: الخوف يعود إلى ليبيا

هشام مطر

صمت الأجراف.. في رثاء داوود حلّاق

المشرف العام

اترك تعليق