انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض فيما يختص بترجمة القصيدة، وعلى الرغم من الحسنات التي تقدمها لنا الترجمة إلا أن الكثيرون يرون في الترجمة قتل لروح النص، ولا شك أن الكاتب عندما يكتب فإنه يعطي للموضوع أبعاده كما يطبع في تفاصيل النص بعضا من روحه أو الروح كلها وقد يضيف له روحا أخرى تنطلق في الهواء وتندلق مع شعاع الشمس لتعانق الحياة فكيف إذا كان النص شعرا، يقول إندري تاركوفسكي” لا أؤمن بإنتاج نسخ للوحات ولا بترجمة القصائد فالفن غيور جدا”، فهل الترجمة تضعف النص الشعري وماهي الشروط التي يجب توفرها في المترجم، حول هذه التساؤلات حاورنا ثلة من أهل الأدب فكان التالي:
استطلاع/ منى بن هيبة
للغة روح إنسانية يختص بها أهلها
أكد الناقد والشاعر المصري محمود البنا:” مهما بلغ المترجم من براعة وحس أدبي يظل فاقدا لروح اللغة المترجم عنها، ﻷن للغة روح لسانية يختص بها أهلها، فما بالكم بمبدع أدبي من أهلها، وعليه فإنه لا يكغي أن يكون المترجم ملما أو دارسا للغة فكل ذلك لا يؤهله للاقتراب منها، فالمترجم ليس ملما و دراسا أو متعمقا في الغالب، وكل ذلك يمنعه من الاقتراب من روح اللغة قيد أنملة، فالمهم هنا هو معايشة النص”.
المترجم ينقل الجسد على الورق لكن لا يستطيع نقل روح النص مع الجسد
فيما يقدم القاص والكاتب العراقي فلاح العيساوي وجهة نظره وفيها يعتقد:” للنص روح وجسد، ربما يستطيع المترجم ترجمة الجسد على الورق لكن لا يستطيع مطلقا أن ينقل روح النص مع الجسد، و المترجم الأدبي صاحب الخبرة والعمق في الفن الابداعي وحده من يستطيع الاقتراب بنسبة جيدة من نقل النص المترجم”.
ترجمة كتاب أصعب من تأليفه
تقول الكاتب الكردستانية آشتي كمال:” بداية يجب أن ندرك أن الترجمة أمانة ومسؤولية سواء ترجمة النثر أم الشعر، ونحن مازلنا في ترجمة النثر نلاحظ الكوارث فما بالكم بترجمة الشعر فحدث ولا حرج! ولذا فنحن مازلنا نقف أمام سؤال مهم وهو من المترجم؟! نعم هو من ينقل نص من لغة إلى أخرى ولكن هذا يجعلنا أمام سؤال أعمق ألا وهو ما مؤهلات المترجم؟ وردا على هذا التساؤل أقول إن إتقان اللغة المنقول منها وإليها فضلاً عن دراسة متعمقة لقواعد النحو والبلاغة والبيان ثقافة واسعة بمعناها الواسع مع خلفية علمية في كافة المجالات كالأدبِ والتأريخ والجغرافيا وغيرها، وبالتالي فإن الأمانة في نقل الأفكار الواردة في النص بلغة واضحة وسلسة ومفهومة دون كتابة بين قوسين تفسير وتوضيحات جانبية، وعليه فإن على المترجم أن ينقلَ النص روحًا ومعنًا وتعبيرًا لا فقط نقل النص من لغة إلى أخرى بل ينبغي على المُترجم أن يحاول قدر الإمكان الاقتراب مما أراد الكاتب إيصاله من شعور، وفي الشعر من الصعب جدًا التقرب مما يعتمل في جوف القصيدة وعند القيام بعملية الترجمة نجد النص الشعري عميق وترجمته يفترض لها أن تكون أعمق وأن يمتاز بالدقة لكي لا يقتل روح الشعر ولا يفسد معانيه”.
وتضيف:” مشكلتنا أن من يجيد لغة أخرى إضافة للغته يعمل بالترجمة لذا نجد أن أغلب من عملوا بالترجمة الأدبية جاءت أعمالهم فقيرة، فترجمة كتاب أصعب من تأليفه، نصوص دوستوفسكي على سبيل المثال أنا شخصيا لا أستمتع بها إلا بترجمة سامي الدروبي ﻷنه حسب رأيي أكثر شخص اقترب مما أراد إيصاله دوستوفسكي من شعور على الرغم من أن هناك العشرات بل المئات ممن ترجموا رواياته ومؤلفاته، فالترجمة إلى حد الآن لا نستطيع أن نصنفها ضمن الفنون أو العلوم حيث أنه لا بد لنا من الجمع بينهما ولكن من الممكن أن نصنف بسهولة جنس الكتابة الأدبية على أنه يندرج تحت مظلة الفنون والعلوم في الوقت نفسه”.
مترجم الشعر لا بد أن يكون شاعرا
يرى الموسيقي الليبي محمد بوسنينة أن:” من قواعد ترجمة الشعر التي تعلمناها أن المترجم لا بدّ أن يكون شاعرا، فتكون محاولته لنقل مفهوم النص فنية، ولكن الناتج في الغالب يكون النص المترجم مختلف تماما عن النص الأصلي، والفكرة في الترجمة الأدبية هي نقل ثقافة اكثر من كونها نقل كلمات، ما سيتم نقله في أحسن اﻷحوال هو المفهوم الثقافي من النص الأصلي إلى اللغة المترجم إليها، فعلى سبيل المثال لو تحدث نصا شعريا ما عن الوطنية نجد أن مفهوم الوطنية يختلف من ثقافة إلى أخرى، فبالتالي فإن المعنى العام للنص سيفقد الكثير من حمولته أثناء هذه العملية”.
القراءة باللغة الأم ممتعة أكثر
أما الكاتب العراقي ايو قرغولي فيرى أن:” ترجمة القصائد تفقدها الكثير من الجمالية، وقد لا تقترب من المعنى المقصود منها ولكن هناك بعض الاستثناءات ففي قصيدة (رباعيات الخيام) لديك الجن، أبدع المترجم فيها وهي تعد واحدة من القصائد التي لم يقترب أي مترجم من قبل، لكن تظل القراءة باللغة الأم ممتعة أكثر مع أنها متعبة لمن يحاول أن يوصل رسالتها ﻷكبر عدد من القراء، لأن المعنى يبقى في قلب الشاعر، ومع هذا وجب علينا أن نشكر محاولات المترجمين ﻷنها تحتاج إلى جهود كبيرة لا يستطيع الكثيرين إيصالها للجمهور، ومن يستطيع إسعاد أكبر قدر من الناس يستحق التقدير”.