ما بين عام 1928م وعام 1932م حشد المستعمر الإيطالي اكثر من 100 الف ليبي فى معسكرات اعتقال جماعية، لقي عشرات الآلاف منهم حتفهم، فى ظروف بائسة من التجويع والمرض. وذلك بشهادة الدكتور ( Todesky ) مدير آلخدمات الصحية بالجيش الايطالي فى كتابه ( Cerinaia ). كان اكثر المعتقلات بشاعة هو معسكر العقيلة، الذى يقع على مسافة 275 كيلو متر غرب مدينة بنغازى.جريمة سجل وقائعها الشاعر الشعبى رجب بوحويش، فى قصيدته الشهيرة ” ما بى مرض غير دار العقيلة” والتى تحولت إلى إلياذة ليبية وصف فيها ما تعرض له شعب اعزل لأكبر عملية إبادة جماعية. القصيدة الأصلية كانت فى حدود 70 بيتا اضيف لها الكثير من قبل شعراء مجهولين عبر حقب متتالية . إليكم بعضا من ابياتها:
مابى مرض غير دار العقيلة .. وحبس القبيلة .. وبعد الجبا من بلاد الوصيلة
مابى مرض غير حد النكاد .. وشوية الزاد .. وريحة اللي مجبرة بالسواد
مابى مرض غير فقد الرجال .. وفنية المال .. وحبسة نساوينا والعيال
مابى مرض غير فقد الغوالي .. أسياد المتالي .. سماح العضادات فوق العوالي
مابى مرض غير ضرب الصبايا .. وجلودهن عرايا .. ولا يقعدن يوم ساعة هنايا
يمابى مرض. غير قول اضربوهم .. ولا تصنعوهم .. وبالسيف كل شي خدموهم
مابى مرض غير كسر الخواطر .. ودموعي قواطر .. ووشنات مادونهن من يساطر
مابى مرض غير ميلة زماني .. وقصرة لساني .. وما نحمل العيب والعيب جاني
مابى مرض غير برمة أفلاكي .. وهلبة أملاكي .. وضيق دار وشون قاعد متاكي
الفارس اللي كان يوم الدعاكي .. ذرا للعويلة .. يساسي ورا قرد مقطوع ذيلة
مضى 87 عاما على بكائية الشاعر رجب بوحويش، ولا زالت قصيدته تتداول وعلى وزنها وقافيتها يضاف اليها ابيات من شعراء جدد، كل يسجل ما كان يجرى فى عصره. وهذا الاسبوع وعلى صفحات التواصل يتم تداول ابيات جديدة على وزن مابى مرض لشاعر مجهول تقول:
مابي مرض غير خوي المهجر
و بيته المفجر
و مقلوع من الارض قلع المشجر
و ليبي على خوه قلبه تحجر
ما بي مرض غير بيتي الخالي
و جاري الجالي
و مطرود من ارضي طرد المعزل
و خو على خوه ما قدر يدبر
الغريب أن بكائية بوحويش ولدت من رحم الحقبة الاستعمارية والجهاد من أجل الوطن ضد المستعمر الاجنبى. ومن المحزن ان تواصل البكائية نحيبها علي ما يجرى فى ليبيا بعد الاستقلال عن ظلم الأشقاء وقتلهم لبعضهم البعض، وهو ظلم أشد ألماً كقول الشاعر طَرفَة بن العبد منذ أربعة عشر قرناً:
[ وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً …. عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ ]