محمد معتصم / المغرب
1/ القصة القصيرة (أعلام من الستينيات):
1.1 / يرى الدارسون والنقاد أن أول قصة قصيرة نشرت في ليبيا كانت نهاية الثلاثينيات من القرن المنصرم، وإبان الاحتلال الإيطالي· يقول فتحي العريبي في مقاله الثقافة في بنغازي زمن الاحتلال الإيطالي: بدأت علاقته ( الدكتور وهبي البوري )) بالقصة القصيرة عام 1936 عندما نشرت له مجلة ( ليبيا المصورة ) أولى قصصه وعنوانها (ليلة الزفاف) وتعتبر برأي مؤرخي ونقاد القصة القصيرة في ليبيا أمثال : أحمد إبراهيم الفقيه ويوسف الشريف · أول قصة ليبية متكاملة فنيا في الأدب الليبي المعاصر·
وقد جاءت نتيجة فعلية وضرورية للحركة المناهضة للاحتلال، والحركة الوطنية التي كان من أهدافها إحياء الثقافة المحلية والوطنية خوفا عليها من الاندثار أمام الغزو الثقافي والسياسي الدخيل· لكنها لم تكن قصة ذات خصائص جمالية· وهذا شأن كل القصص القصيرة في بلاد المغرب العربي· فالحماسة الوطنية كانت سيدة، وتعلو كل صوت· والغيرة على اللغة العربية، كانت من المهام الوطنية والقومية· ولكل هذا تأثيره على مسار القصة القصيرة في ليبيا·
لكن القصة الحق ذات البعد الجمالي والفني المكتمل ظهرت كما يقول الباحث الليبي عبد الله سليطان في حوار أجراه معه بدمشق عبد القادر الحصني، عكس ما قال فتحي العريبي: ·· شهد عام 1957م صدور أول مجموعة قصصية ليبية للقاص الراحل عبد القادر أبو هروس (نفوس حائرة) ومن عام 1957 حتى نهاية عام 2000م بلغ تعداد المجاميع القصصية الليبية المطبوعة (154) مجموعة، وعدد القصاصين الذين أصدروا مجاميع مطبوعة (71) قاصاً·
نستنتج من هذا القول أن عمر القصة القصيرة الفني في ليبيا، قصير جدا· لكنه في الآن ذاته يعرف حركة وتطورا وتفاعلا مع المحيط ومسار الحياة· كما يعرف تنوعا في الأصوات والتجارب، وحضورا لافتا لصوت المرأة القاصة·
2.1 / وأهمية الحديث عن قصص الرواد تأتي من خلال الوقوف على إسهاماتهم ليس فقط في بداية نشوء القصة القصيرة بل في الحياة الجديدة التي يمدون بها الساحة الثقافية، وبخلقهم إمكانية المقابلة والمقارنة والتشجيع على رفد تيار القصة القصيرة بجديدهم، وبتعايشهم واختلافهم مع من جاء بعدهم· فلا بد من قاعدة للاختلاف·
والنموذج الذي أود طرحه هنا للتدليل على البناء المتكامل للقصة القصيرة، والنموذج الذي يخضع لتراتبية الحدث والتصوير الدقيق للشخصية القصصية، والبناء المنطقي والواضح للمحتوى (المتن القصصي) هو أحمد إبراهيم الفقيه· قاص وروائي من الرواد، مواليد 1938م· ففي قصة الجراد من مجموعته القصصية الحائزة على الجائزة الأولى، البحر لا ماء فيه· يبني القاص أحمد إبراهيم الفقيه قصته على ثلاث بنيات دلالية منتظمة ومنطقية· وكأنها كتبت بمقاييس التحليل البنيوي للسرد، التي ذكرها تودوروف· ويتضح ذلك كما يلي:
* البنية الثابتة: وهي بنية هادئة، مطمئنة، تعتمد كمدخل رئيس للحكاية· يعتمد فيها على وصف المكان وصفا دقيقا· وتحديد دقيق أو غير دقيق (لساني أو غير لساني، حسب تعبير جان مشيل آدم) للزمان/ المعينات الزمنية· وعرض الشخصيات الرئيسية في القصة (امتن القصصي) بتفصيل (الوصف الخارجي للمبروك، وأفعال الحاج سالم، عمران)· ونكون بالتالي أمام عرض للحياة الهادئة لأهل القرية، ذلك المساء· إنها بنية الاطمئنان· وهي بنية تعتمد عليها القصة القصيرة الواقعية، نظرا لما تسوقه من معلومات عامة حول مكونات المتن الحكائي·
* البنية المضطربة: وهي البنية التي يتدخل فيها عنصر مشوش جديد في الحكاية، فيقوم بخلخلة الاطمئنان السابق· أي أن الخلخلة تنبني على حادثة أو خبر أو حضور شخصية جديدة تقوم بقلب النظام والرتيب لأهل القرية، في ذلك المساء (تعيين ومني عام)· هنا يلعب خبر قدوم الجراد إلى القرية المجاورة دور المحرك والفاعل في تغيير بنية الحكي ومساره· ويعبر القاص في هذه البنية عن اضطراب حال أهل أهل القرية، ونفرتهم في كل اتجاه كالمجانين، لا يعلمون ما يفعلون أمام الحادثة التي تربض على مقربة منهم بالقرية المجاورة.
* البنية النهائية: ويتعلق الأمر بمرحلة ثالثة من تطور الحكي (المحكي)، يبحث فيها القاص عن حل للحادث/ المشكلة· أي كيف نتخلص من الجراد ؟ وما العمل ؟ تقول شخصيات القصة· ثم يقترح الحاج سالم حلا يقبل به الجميع إلا المبروك الذي يقترح حلا بديلا· وحل الحاج سالم يتلخص في إحداث ضجة وصخب يفزع جيوش الجراد وأرجاله· بينما يتلخص حل المبروك في أكل الجراد قبل أن يأكل المحصول· وذلك قبل السحر وقبل استيقاظه من النوم تحت لفح حرارة أشعة الشمس·
إن قصة الجراد لأحمد إبراهيم الفقيه نموذج جيد لدراسة القصة القصيرة على ضوء التحليل البنيوي للحكي· أو على ضوء الخطاطة السردية/ Schéma narratif · وهي عبارة عن تعاقب منطقي للمتواليات أو تعاقب منطقي للأفعال· ويقوم المتن القصصي هنا على ثلاث بنيات أساسية تقليدية: وضعية ثابتة، وعنصر مشوش ومخلخل للوضع الثابت، ثم على عنصر الحل والبنية النهائية Dénouement ·
أما يوسف الشريف (1938م) من الرواد في القصة القصيرة الليبية، فإنه في مجموعته الأقدام العارية الصادرة عام 1975م، عن الدار العربية للكتاب· ليبيا/تونس· فإنه يبني القصة القصيرة -التي وقع عليها الاختيار- على المنوال ذاته· لكن بطريقة فيها جدة· أو أنها توهم بالجدة على مستوى البناء الخارجي للقصة· ويظهر ذلك في قصة عملية خطف علنية التي يؤشر عليها بالتوضيح التالي: جريمة في ثلاثة مشاهد·
يسمي المشهد الأول (كما لو أننا أمام كتابة مسرحية): موقع الجريمة· ويصف باختزال، وبإيحاء كذلك موقع الجريمة· يقول: الشارع كعلبة كبريت··· الباب تحطم وسقط تحت الأقدام··· نحيب متقطع يسري بين الأجساد- آثار الرصاص على الجدار بدت كنوافذ زنزانات في سجن قديم··· بأعينهم رأوا كل شيء- فجأة اهتزت الأرض والقلوب···· يتضح أن يوسف الشريف اختار الحديث عن حالة/ بنية غير ثابتة، بنية مضطربة؛ شارع ورصاص، وثقوب كالنوافذ، وأرض تهتز وقلوب كذلك· وهذا ما يسمح به الحكي على مستوى اللعب / مظهر التركيب· لكنه لا يخلخل البنية السردية التقليدية للقصة القصيرة· حيث لم يكن أثناء السبعينيات (كتب النص سنة 1970م) التجريب القصصي قد فرض نفسه بالحجم الذي يوجد عليه اليوم· ولذلك ستكون البنية الثانية نقيض الأولى·
المشهد الثاني يسميه القاص الكهف، ويبدأ كالتالي: توقعوا أن تتمرد وتستجدي···لكنها خيبت توقعهم···· هل يقصد فعلا المرأة ؟ نحن نقصد المتلقي· فماذا يفعل خاطفون بامرأة في الكهف؟ هنا أيضا تكسير أفق توقع المتلقي· وثبات المرأة تكسير آخر· لكن الأهم هو أن بنية السرد في القصة تحافظ على تراتبية الحكي (المحكي/ Récit)· اضطرابٌ فثبات، ثم اضطراب· وهذا مظهر البنية الثالثة·
المشهد الثالث، يسميه القاص يوسف الشريف الحصار· ويبدأ هكذا: هبت ريح عاصفة· تساقطت ذرات الغبار من سقف الكهف انتفضوا··· سلاحك· انطفأت شعلة المصباح· الفراغ والظلام والترقب والخوف يخنق النفاس المتلاحقة· اهتز الجبل· زلزال؟ أصوات بعيدة··· بعيدة··· بعد الأمل تلسع خفقات القلوب في دمدمة كأنما الأرض توشك أن تفجر بركانا··· اندفعوا· اختفوا خلف كتل الأحجار القريبة منهم· بقى أصغرهم معها· أرسلوا البصر خلف الجبال البعيدة لا شيء سوى الصخر والرمال والأفق الأغبر··· تذكر أحدهم زرقاء اليمامة أحسوا بالعطش القاتل· تقلصت أحشائهم··
إن المسار السردي للقصة القصيرة هنا يسرد منتظما ومطردا· ولا يختلف عنه في قصة حمد إبراهيم الفقيه· لكن لا ينبغي تلافي التنوع على مستوى اللغة، وطريقة بناء الحكاية على المستوى الزمني، والفرق بين الإيحاء عند يوسف الشريف، والوضوح عند أحمد الفقيه· وتبقى قصة عملية خطف علنية نموذجا كذلك لدراسة القصة القصيرة التقليدية التي كتبها الرواد· كما أنها نموذج لبعض ملامح بواكير القصة القصيرة في ليبيا· وطبعا أقصد بواكير القصة القصيرة المكتملة فنيا وجماليا·
محمد المسلاتي، وهو قاص من جيل الرواد يكتب في قصة الوأد قصة مختلفة على مستوى اللغة والبناء والحدث· وقد اختار الكتابة عن حالة لا عن واقعة· لذلك اختار لغة الإيحاء التي تقترب من الشعر، واختار جمله قصيرة جدا، مستقلة وكأنه يكتب قصيدة شعر حديثة·
وموضوعة الحلم أو الكابوس تعبير عن الضجر الذي وصلت إليه الشخصية القصصية· وحدة الصراع بين قيم القرية/ الصحراء، وقيم المدينة· لكن أهم لحظات القصة القصيرة (المتن القصصي) تتجلى في استبداد الكابوس الذي لم يعد مجرد حلم مزعج بل أصبح حقيقة تطغى على الواقع· وكأن الضجر حول الحياة كلها إلى كابوس· وهذه حمولة الحكاية وأطروحتها·
ويبدو أن محمد المسلاتي يجرب الكتابة في أشكالها الممكنة· ونلاحظ ذلك في قصته العجوزان التي كتبت في صيغة محاورة بين عجوزين فرقت بينهما الظروف وجمعتهما في لحظة مفاجئة بعد خمسين سنة· وكأن الزمن لم يغادر مكانه في القلبين المرتعشين المتلهفين· يعرف المسلاتي كيف يصيد الفكرة، والإحساس· إنه فعلا مختلف·
وفي ختام هذا الجزء من دراسة القصة القصيرة في ليبيا أود الكتابة حول أول قصة في ليبيا، وأعني ليلة الزفاف لصاحبها الدكتور وهبي البوري· وهي فعلا قصة قصيرة من صفحتين شأن أغلب قصص الكتاب الليبيين· تتكون من ثلاث بنيات أساسية، وتعتمد على عنصر المفاجأة في النهاية، وعلى الذاكرة والاسترجاع في الوسط·
يقوم المتن القصصي على حكاية عاطفية نشأت منذ الطفولة بين خليل و زينب· لكن كباقي القصص الرومانسية فلن تنتهي الحكاية بالزواج السعيد، بل سيتعرض خليل للفقر، والعيش الذليل· بينما ستعرف أسرة زينب تقدما وازدهارا · وكباقي القصص الرومانسية تخلق تأثيرها النفسي في المتلقي من خلال النهاية المأساوية·
البينية الأولى: وهي بنية عامة ترسم الفرحة العارمة ليلة عرس زينب، وذهابها نحو عريسها وبيتها الجديد· دون أن يكدر صفو الاطمئنان عنصر مشوش· يقول النص: اجتازت السيارة المدينة وانسابت بين الحقول والمروج الخضراء في طريقها إلى (المرج) تحمل بين جانبيها العروس، وقد تبعها سرب من السيارات مشحونة بالأطفال والنساء·
وكان المساء جميلاً والهواء عليلاً وقد نفض القمر الغيوم عن وجهه وأسفر ضاحكاً كأنما أراد أن يشارك القوم في سرورهم واهتز النخيل واشرأب جريده ليحيي العروس، وقد أمتزج ضحك النساء ولغطهن بصوت المحرك وصياح الأطفال وسرورهم، فكان حقاً منظراً جميلاً أخاذاً انبسطت له أسارير الجميع···
والبنية الثانية: ستعرف حضورا مفاجئا للعنصر المشوش· إنه السائق الذي سيوصل العروس إلى بيتها وفرحتها· ولم يكن ذلك العنصر سوى خليل سائق الطاكسي· الأجير الذي يقوم بعمله· وهنا تنهال الذكريات على السائق· ويسترجع طفولته ورفقته لزينب وتعلقهما ببعض· والمفاجئ فعلا، وهنا تبرز قدرة الكاتب على اختراق حق السارد، السارد العلم بكل شيء، والذي يدير كفة الحكاية كما يشاء· يكتشف خليل أن العروس التي سيوصلها إلى غيره ليست سوى زينب التي يهيم بها وتهيم به·
أما البنية الثالثة: وهي بنية الحل، فكانت مأساوية· على غرار القصص الرومانسية في التراجيديات الخالدة· المأساة التي تستدر عواطف المتلقين وتستحلب دموعهم· ويصفها السارد في الخاتمة التالية: ورفع نظره إلى المرآة فرأى نظر زينب مصوباً إليه وكأنها فهمت ما مر بخاطره، فقرأ في عينيها بريق الحب الصادق -الحب القوي المتين الذي تمكنت جذوره في قلبها منذ الطفولة-، هل نسته؟؟·· كلا ها هي تبكي أنها تعسة وهو أتعس منها ومستقبلهما أكثر تعاسة وشقاء، إنها الآن معه وحياتها في يده – واستولت عليه فكرة مروعة هائلة ولمعت عيناه ببريق غريب، بريق وحشي ما كادت تراه زينب حتى صرخت رعباً، وكانت السيارة بأعلى (الباكـور)·
ورؤيت سيارة العروس وقد نفذت بسرعة هائلة ثم عرجت فجأة عن الطريق، وهوت بمن فيها إلى قاع الوادي، وفي نفس الليلة حملت جثث زينب وخليل ورفيقاتهما إلى نفس المنزل الذي كان ينتظر العروس··
2 / القصة القصيرة جدا (جيل الغضب):
1.2 / يقول محسن الرملي في تقديمه لمجموعة القاص محمد الأصفر (1960م) حجر رشيد : إنه ليس بكاتب تقليدي ولا حداثوي ولا ما بعد حداثوي ولا طبيعي ولا مستقبلي ولا من كل سلسلة التصنيفات المفخمة التي يشيب شعر القارئ في متاهاتها، وإنما هو كاتب (حالي) بكل معنى الكلمة، فهو ابن عصره بشكل عام وابن لحظة الكتابة في كل نص، ويستجيب لردود فعله على محيطه ويسكب انفعالاته بلا تأخير وبلا تخطيط وبلا أية عقدة من عقد الكتاب المعروفة· (ص5) ·
أثارني هذا القول الذي يدهن السم بالدسم· ويجعل الهجاء في لفافة المدح· وكأن القاص محمد الأصفر لا يكتب بل ينفعل· ولا نظام يحكم قصصه بل هي وليدة اللحظة كالخاطرة· لا يفكر فيها الكاتب في بناء النصوص، ولا في تحديد أهدافها، ولا في اختيار موضوعاته، ولا في الاعتناء بشخوصه···إنه كاتب (حالي/ مجذوب) من الحالة النفسية المضطربة، و(حالي) من الحاضر· فكأن باقي الكتاب من الماضي·
مثل هذا الكلام العام حول الكتاب يختزلهم، ويحجب عنهم القراء ولا يستغور منطق الحكي· ما دام كل حكي (محكي/ Récit) يقوم على نظام داخلي ينظمه ويجعله قابلا للتلقي وخاضعا للفهم·
وإذا وقفنا عند قصة “فواق بنكهة النعناع” المهداة إلى جان جنيه· نجد النص منظما نظاما محكما لا انفعالات مضطربة كأنها كلام مجانين· كما يوحي المقتطف أعلاه· هناك حكاية محكمة البناء، وشخصيات قصصية واضحة الملامح والوظائف والوضعية، واللغة شاعرية متأملة· الحكاية الضمنية الموحى بها (حكاية الأخ الغائب)، والصمت بين السطور· الصمت الذي خلفه غياب الأخ، ونحسه عميقا في الشخصيات (الأم، والأب، والابن)· ثم اللازمة (الكلام المكرور)· كل ذلك يجعل الحكاية بعيدة عن الهذيان·
أما قصة “أكمام مبللة” فإنها قصة هادئة متسلسلة الحكي، وتخضع لصيرورة الزمن: حتمية الموت والولادة· وهي قصة جميلة جدا (فنيا)· تحكي عن مجموعة من الشيوخ ينتظرون أمام المكتبة للحصول على جريدة الصباح، لقراءة أخبار الموتى الذين يتناقصون منهم يوما بعد الآخر· يصف السارد ذلك فيما يلي:” ···مد كل شيخ ربع ديناره والتقف صحيفته (أخبار بنغازي) بعضهم لم يصبر وفتحها مباشرة على صفحة الوفيات· وآخرون طووها تحت آباطهم وخرجوا، أحدهم يرتدي (كبوطا) تحته فرملة، داس عقب سجارته ووضع نظارته وأخذ يبحث عن إعلانات بيع الخردة···” ص·ص (16.15).
تقوم القصة في “أكمام مبللة” على ثلاث بنيات كذلك، لكنها غير خالصة، ولا نقية، كما في قصص جيل الستينيات· أي القصص التقليدية· بل يعمد السارد إلى تكسير ذلك النقاء بانزياحه نحو هوامش الحكاية الصغرى· كما نجد في البنية الأولى·
بنية الانتظار: انتظار وصول صاحب المكتبة· حيث نجد السرد ينتقل عبر لثلاث محطات كالتالي:
1/ المحطة الأولى: وصف الوضع (الانتظار) وحال القلق عند الشيوخ·
2/ المحطة الثانية: تهكم الشيوخ على تأخر صاحب المكتبة·
3/ المحطة الثالثة: الصوماليون في المقهى المحاذي للمكتبة·
وهذا التركيب يعد تهجينا لنقاء البنية السردية كما هي عند كتاب الستينيات من القرن المنصرم· أي أن التركيب في الحكاية يناقض الوضوح ونقاء الحكاية· وأن التعدد نقيض الواحد·
أما البينية الثانية، فتبدأ مع وصول صاحب المكتبة وتلقف كل شيخ صحيفته لمعرفة أحوال الوفيات، من بقي من بقي من زملائه وأصدقائه ومن مات· إنها بنية المعرفة القلقة· معرفة أحوال الحياة والموت· وصف للعالم المحصور والضيق لهؤلاء الشيوخ وقد بات نظرهم خارج عالم الأحياء واقفا على البرزخ في انتظار لحظة العبور إلى هنالك حيث البياض والأبدية المطلقة·
البنية الثالثة عبارة عن تأمل في حركة الحياة والموت، في إيقاعهما المتناغم ينقص واحد ويزيد واحد في عالم الشيوخ، وعالم الرتابة والترقب والانتظار·
إنها حكاية منتظمة، أحداثها مرتبة متماسكة، ليس فيها افتعال أو انفعال الخاطرة، ولا هفوات المبتدئ، ولا عبث اللامعقول، أو غرابة الخرافة العجائبية· إنها الفوضى المنظمة· علامة كتابة جيل ولد أواسط القرن المنصرم، شهد استقلال بلاده من الاحتلال، وطمح إلى بناء عالم جديد مختلف· يقف ندا للعالم، ويريد أن تكون له حرية القول، والحركة، والعمل· جيل شهد نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة· هصرته التقنية، وسحقه الظلم الاجتماعي وتفاوت الفرص في الحياة···وفي هذا لا يختلف القطر الليبي عن باقي الأقطار العربية والمغاربية·
2.2/ يكتب سالم العبار (1958م) قصة ذات بعد تأملي· لأنه لا يبني حكايته على الحدث ومكون الشخصية القصصية المتفاعلة مع محيطها· بل يكتب عن حالة تأمل وتفكير في الأشياء· في قصة “أنثى الماء” يقوم القاص بتأمل شخصي في “النار” التي يسميها “أنثى النار”، مرجع عنوان القصة القصيرة· وأهم ما يمكن رصده هنا كملمح من ملامح القصة القصيرة لدى الجيل الجديد، كما يلي:
1/ تعمية الحكاية: تعد الحكاية (المتن القصصي) مرتكز الكتابة القصصية لدى الجيل الستيني· وفي كل كتابة تقليدية تحافظ على النوع القصصي· لكن الجيل الجديد عمد إلى تكسير هذه النمطية· بأن خلخل نظام الحكاية· وترك الوصف والسرد إلى التأمل الفكري والذهني· وتخلى عن الوضوح والانسجام لصالح الغموض· وهو ما أطلق عليه هنا “تعمية الحكاية”·
2/ أسطرة الحدث: فالسرد لا يتنامى إلا عبر الأحداث· لذلك نجد القاص سالم العبار يسرح بالحادث في خياله حتى يعطيه أبعادا جديدة غير متعارف عليها· كأن يجعل من النار أنثى الماء· أي شقه الذي يحتاج إليه حتى يكتمل· كما يحتاج الرجل إلى المرأة ، والعكس· هنا تأخذ النار بعدا أسطوريا· وهو ما يتجلى أكبر في قصة “خديجار”· حيث يعلو “مديح النار”· يقول السارد:” لم أخش شيئا اسمه النار، تعجبني ألوانها المتناسقة المتعددة المتداخلة في لون واحد، فأدنو منها، أتأملها وأعجب أن يكون هذا الشيء الجميل مصدر افتراس·”
3/ شاعرية اللغة: وهي مرتبطة بكل حكي تأملي، فكري، ذهني· فالجمل القصيرة، والمعاني البعيدة، والصور الذهنية كلها توحي ولا تصرح· فلفظ “خديجار” نحتٌ، وتركيب مزجي للفظتي “خديجة” الاسم العلم المفرد، ولفظة “النار”· خديجة التي تعاني الحرمان والحاجة للارتواء· والنار التي شبت في الخارج ليست إلا تعبيرا عن نار الرغبة التي شبت في جسد خديجة ولم يرها أحد·
3.2/ في قصة “صناعة محلية” تبرز طريقة كتابة عمر الككلي (1953م)· والمرجعية التي يعتمدها في كتابته للقصة القصيرة· وهي طريقة تعتمد على الإيحاء بما يناسب جنس القصة القصيرة· فالصناعة المحلية التي يتحدث عنها السارد في القصة تشريح يوحي ولا يفصح للوضع المحلي· حيث الأفواه مكممة وهامش الحرية والرأي والتعبير الضيق· يقول النص:” إذا توفر هامش وقليل من الشفافية، يمكن التحايل لتعويض الآخر·
ارتضى هذه النتيجة، وأخذ الكراسة دون أن يفحصها، فهو محتاج في جميع الأحوال إلى ورقة للكتابة·· عندما جلس وفتح لكراسة للكتابة تبين أنه لا يوجد بها أي هامش·
··· إطلاقاً··”·
وفي ذلك تعبير عن تعارض حاجة السارد مع الصناعة المحلية المفصلة حسب أهواء الهاجس الأمني· فالمعنى العميق الذي يقصده السارد غياب حرية التعبير والرأي، هامش الحريات في الحياة المحلية· بينما يتم التوهم ذلك علنا/سطحيا·
أما في قصة “الطبيعيون” و”غوث” فإن القاص يحاور مرجعيته القصصية، ويعلن انتسابه القصصي· ويستعرض قراءاته التي عمقت إحساسه بالأشياء، والزمن من حوله، وإحساسه بذاته· والكتابة التي اختار أن يكتب ضمن أسلوبها وسياقها· وقليل من الكتاب يفعلون ذلك، خوفا من أن يكتشف “تناصهم” وحتى لا يقال عنهم توابع غيرهم، أو كتاب غير أصلاء·
فالكاتب المبدع كاتب غير طبيعي لا يهتم بما يهتم به الناس العاديون، بل يهتم بتلك الأشياء البسيطة المهملة· أشياء الحياة وأشياء الناس· عماء عن الحقيقة·
وفي قصة “إغراق” التي لا يختلف فيها القاص عن باقي كتاب القصة القصيرة في ليبيا، من حيث كثافة القصة، وقصر حجمها، فإنه يستعرض مشهدا وحالة· مشهد الفتاة على شاطئ البحر وقد انحنت تمسح الرمل عن حذائها، فارتفعت تنورتها القصيرة لتشعل داخل (المشاهد/البصاص) رغبة دفينة وحاجة إلى كشف المعتم واستغواره· لكن كل ذلك سيتلاشى بعد لحظة/رغبة·
4.2/ الأصوات النسائية في المشهد القصصي الليبي في اطراد· وما يميزها اختلافها وتنوعها في أساليب القص· يقول القاص الصديق بدوارة، في معرض حديثه عن المشهد القصصي الآن في ليبيا، ما يلي:” وقبل أن يتساءل أحدهم عن غياب المرأة على هذا المشهد أقول إن آمال العيادي تبدو وحيدة وبين شباب هذه المرحلة وهي تنشر بانتظام وتحاول أن تحتفظ بحضور المرأة في عالم القصة···”·
وآمال العيادي (1969م) قاصة وفنانة تشكيلية ترسم لوحاتها على الحاسوب (لوحات رقمية)، وتهيئ مجموعتها الأولى للطبع تحت عنوان “بقع ظامئة في حضني”·
في نص “بقع ظامئة في حضني” المكون من خمسة نصوص تتجلى تقنية الكتابة عندها· وتقوم في نص “هفيف أبيض” مثلا على غياب الحكاية· وهو ما شاع بين كتاب القصة القصيرة في ليبيا بعد مرحلة الريادة في الستينيات· وكأنها الثورة المعلنة للخروج من جلباب الوصاية والتقليد· وغياب الحكاية يعني الدخول باللغة القصصية في مجال مختلف هو مجال التأمل، واللغة الشعرية، والمناجاة· وتظهر قيمة “المناجاة” في نص “هذه جديلتي”· وغياب الحكاية يقود كذلك إلى حضور الفكرة الشعرية·
وتكاد تتلخص تجربة آمال العيادي القصصية في هذه الأبعاد:
* اللغة الشعرية/الشاعرية·
* التأمل الفكري·
* المناجاة·
* كسر الحواجز بين الكاتب والسارد·
* تغييب الحكاية مع الإبقاء على الحكي·
5.2/ في قصة “موت على الإسفلت” يطرح القاص عبد الرزاق العاقل (1943م) مسألة مهمة تعرفها جميع الشعوب، وجل الآداب· وهي صراع الأجيال· وتبدل القيم· وكأن القاص يعبر عن الحركة التي تعرفها الساحة الثقافية والإبداعية في ليبيا اليوم· فهيمنة جيل الستينيات ما تزال قائمة وسارية· خاصة إذا علمنا أن كتاب القصة في الستينيات نشأوا في ظل الفراغ الثقافي إبان فترة الاحتلال الإيطالي، وأن الحاجة كانت سيدة، وعدد الكتاب قليل جددا لأن الكتابة كانت نضالا وانخراطا فاعلا في حركة التحرير· وهذا ما جعل الكثيرين يحتلون مناصب متقدمة في مواقع القرار السياسي والثقافي· وبالتالي فرض طريقتهم ووصايتهم على الآداب عموما، والقصة القصيرة خصوصا· فكان من اللازم شعور القصاصين الجدد بالضيق والحرج· وبالتالي الغضب والثورة على ما سبق· وهذه ليست حال الآداب في ليبيا بل هي حالة مرتبطة في المغرب العربي والعالم· ومن الجمل السردية المعبرة عن هذه الحالة من الصراع ما يلي:
“- أتبكي يا جدي!
– ············!
– آه ·· يا جدي إن زمنكم لعصي عن التحديد!”·
ليس تأويلا ما أقدمه ولكن أفكار الحفيد تبدو أكبر من رأسه وسنه· يقول السارد مثلا:” دسّ الحفيد كفه من جديد في حضن كف جده، ولسان حاله يهتف دون اكتراث ·
الأشياء الصغيرة تصنع الكبيرة يا جدي! وها نحن سنصنع ما عجزتم عنه، اهتفوا لنا، وتفّوا على وجوهكم الوقحة·
حدّجه العجوز بنظرة احتجاج وهو يتلمس مخرجاً من داخل الحلقات البشرية المتناثرة ، تنهد، فتداخلت زفراته بصوت الصبي المتناغم، فارتجفت شفتاه، وانزلقت الدموع من محاجرها على ذلك الوجه الضامر·
مسح فمه وشاربيه بقفا يده، وغرس ناظريه في أفق الجمع الذي باتّ كتماثيل رخامية تستغل مساحة بعينها للنفاق والكذب والتبول ·
رفع الصبي رأسه الصغير متأملاً وجه جده ، تحجرت عيناه وانطلق لسانه:
– أتبكي يا جدي!
– ············!
– آه ·· يا جدي إن زمنكم لعصي عن التحديد!”·
3/ القصة الومضة:
1.3/ (القصة القصيرة جدا جدا):
يشهد الحقل الأدبي القصصي في ليبيا ضمن حركة التنوع والتعدد مظهرا جديدا من أنماط القص القصير، وهو “القصة الومضة”· أو هي القصص القصيرة جدا جدا· وبطبيعة الحال لها خصائصها التي تميزها عن الأنماط القصصية السابقة عليها· ومن الكتاب الذين خاضوا غمار مغامرة الكتابة في القصة الومضة كتاب من الجيل الجديد في الثقافة بليبيا، القاص محمد زيدان، والقاصة مريم الأحرش·
وقد لا تبدو القصة الومضة، أو القصيرة جدا جدا جديدة في رأي الباحث عبد الله سليطان، من خلال قوله:” ···ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن القاص الليبي عبد الله الخوجة قد كتب القصة القصيرة جدا منذ الستينيات من القرن الماضي – بمقاييس قصة المرحلة – ولديه مجموعة قصصية يتيمة بعنوان (فتاة على رصيف مبلل) غير أنه لم يصدر بعدها أي مجموعة، كما أن الأديب الليبي الكبير علي مصطفى المصراتي الذي عرف بكتابة القصة القصيرة الطويلة قد فاجأ النقاد بإصدار مجموعة (الطائر الجريح) التي ضمت مائة وخمسين قصة قصيرة جدا جدا·”
ويفيدنا هذا الرأي النقدي فيما يلي:
* أن هذه الخاصية سمة من سمات القصة القصيرة الجديدة·
* وأن القصة القصيرة أنواع؛ منها: القصة القصيرة جدا، والقصة القصيرة جدا جدا، والقصة الومضة· وهي أكثرهم اختزالا للوقائع، والشخصيات القصصية، وباقي المكونات·
* أن هذه الخاصية كانت مطمح الكتاب السابقين، ولم يجربها إلا قليلهم·
* أن هذه الخاصية راودت كل كتاب القصة القصيرة المغاربيين، وجربوها لكن الجيل الجديد وجد فيها ضالته، ونقطة تميزه، وملمحا من ملامح العصر الذين ينتمي إليه· عصر العولمة، والثقافة البصرية السمعية، وسيادة الكتابة الإلكترونية المختزلة التي ساعدت على انتشارها الرسائل البريدية القصيرة جدا جدا جدا على شاشات المحمول، أو الرسائل البريدية الإلكترونية على الحواسيب···
هنا سنقوم بتحديد بعض الخصائص الجوهرية للقصة الومضة، وتمثلها كما سلف القاصة مريم الأحرش، والقاص محمد زيدان·
تعالج قصص محمد زيدان القصيرة جدا موضوعات عامة لكن بأساليب مختلفة عن الأساليب المعروفة في القصة القصيرة أو باقي أشكال السرد القصصي· ويمكن حصرها فيما يلي:
أ) قضايا إنسانية: وفيها يتطرق، هذه ظاهرة تتكرر في كتابات القصاصين في ليبيا، القاص إلى “العنف” ضد المشاعر، والأطفال، والحيوان· والموضوعة هنا تتصل بظاهرة “العنف”· العنف الذي يعبر عن احتقان دفين في الشخصية القصصية المركزية· والقاص يرغب في التركيز على الظاهرة لتسليط الضوء عليها· وللتعبير عن درجة اللا إنسانية التي وصلها العالم المتحضر اليوم· والتردي الذي وصلت إليه القيم الإنسانية كما نلاحظ في قصة “صدمة”· يقول النص:
صدمة
نطّ من كرسيه واندفع مخترقاً الباب الخارجي··
فرّ الأولاد محمّلين بما غنموا من تفاحه الصغير·· تعثّر بأحدهم يحاول الهرب زاحفا·· أمسكه من تلابيبه ، جذبه إلى أعلى ، وانهال عليه صفعاً وركلاً و··· صرخ فيه مهددا: “يا ويلك ترجع تسرق التفاح مرة أخرى”·· ثم قذفه غير بعيد···تكوّم الجسد الصغير على التراب·· امتدت الذراعان الرقيقتان تشدّان الأرض ، تحاولان جرّ الجسد الهزيل بسيقانه الضامرة····كان مشلولاً···!!!
ب) قضايا جنسانية: وفيها يعبر القاص عن حالات جنسانية مريضة· يعج بها المجتمع· لكنه يسكت عنها، في تناقض صارخ· وتعتبر موضوعة “الجنس” مجالا خصبا لدى الكتاب الجدد، ليس في ليبيا فحسب بل في جل أقطار المغرب العربي، كاتبات وكتاب· يعبون من خلالها عن مساعيهم في الاختلاف عن سابقيهم· ولكنها، أي موضوعة الجنس، ذات جاذبية خاصة ما دامت ممنوعة· ومن القضايا المسكوت عنها اجتماعيا· كما نجد في قصة “الحمير” وهي طويلة بالقياس مع القصة الومضة· وكما في قصتي “وفاء” و “تأصيل” تاليتين:
وفاء/ “يده ، وبعد السنة العاشرة لزواجه ، ظلّت الملاذ الأشهى لديه!!”
تأصيل/ “الأب ، الأم ، الولدان وأختاهما·· لم يكن ثمة أحد في الجوار· من أين جئنا إذاً؟
لقد ضاجعا أختيهما· لا شك··!!”·
ج) قضايا حياتية: وأقصد بها تلك التي ترتبط بأنماط العلاقات داخل المجتمع· ومنها صراع الأجيال· وقوانين المدينة، وقوانين القرية· وهنا تبرز قصة “فصل رزانة”، التي يتحدث فيها القاص عن نمط الحياة المتشف، والتراتبية القبلية و “الجيلية” من الجيل، في القرية· وانفتاح العلاقات وتحررها في المدينة· ويمثل الشيخ خارج القرية/القبيلة نموذجا للانفتاح والتحرر في العلاقة والسلوك· لكنه عندما يصل مشارف القرية يتحول إلى جذوره وأصوله الدفينة والراسخة· رجل متسلط، غير متسامح· يخلص للموروث إخلاصا أعمى· ويعلو صوت القبيلة على صوت الحرية والمدنية·
وتقول القصة: ” في الباص البطيء·· كانت الخمسمائة كيلو متر المتبقية حافزاً لكليهما لقطع حبال الضجر المشدودة بين رقبتيهما والقرية·· ودون مقدمات ، فاجأه العجوز قائلا بخبث:
– كنت في العاصمة·· ايش تعمل؟ !
– سجّلت قيدي بالجامعة··
– و····؟!
دقيقتان فقط ، وانحلت العقدة· صارا يقهقهان ويخبطان يديهما بيدي بعض··
– نرجع مع بعض السفرة الجاية···
أبدى العجوز آراءه في جميلات طرابلس ، وفضح بلا تحفّظ محاولاته اقتناص غزالاتها النطّاطة·· أحرق هو نصف علبة مارلبورو ، ونفث كبته في حضرة العجوز بحرية واندفاع·
أحس بالارتياح··· وتمنى أن يتحول كل عجائز القرية إلى نموذج متحرر مثل الحاج مندوح· لاحت لعينيه القرية نائمة في جهلها وانحطاطها··· قال للحاج: خلاص·· وصلنا بقعة الخراب··
نطّت رقبة المندوح ترقب الطريق· انقلبت ملامحه ، احتقن وجهه ، اتسعت عيناه ، اسودّت شفتاه، انفتحتا ، وانفلت منهما تحذير صارخ:
– ارجع ورا·· احترم·· عيب··جيل ما يتحشم ولا يستحي !!”·
ومن الأصوات النسائية المميزة في مجال كتابة القصة الومضة القاصة “مريم الأحرش”·
2.3/ بعض خصائص القصة الومضة:
* اللغة الشعرية المكثفة·
* الشخصية القصصية، عبارة عن علامة لغوية
* هيمنة ضمير الغائب على باقي الضمائر·
* الحدث القصصي عبارة عن حالة
* اللحظة القصصية خاطفة ومفاجئة·
* الهدف من القصة خلق إحساس بالحالة لا قول المعنى·
هذه بعض خصائص الكتابة القصصية الوامضة عند القاصة الليبية مريم الأحرش من الجيل الجديد· وهي من مواليد 1968م· وصاحبة مجموعة “قصص قيد الأنملة”· والقاص محمد زيدان من مواليد 1966م· وصاحب مجموعة “الأشياء الكثيرة المعروفة”·
_________________________________________
أتوجه بالشكر للشاعر والكاتب رامز رمضان النويصري (مشرف موقع بلد الطيوب) لما أسداه لي وللقصة في ليبيا من فائدة· وقد أمدني بعدد كبير من قصص لم أكن لأحصل عليها في المكتبات· وهي تحتاج إلى أكثر من وقفة وتحليل ودراسة·
13/1/2006
تعليق واحد
دمتم ذخرا للسرد وللأدب