قصة

عملية خطف علني

جريمة في ثلاث مشاهد

 

المشهد الأول

موقع الجريمة

الشارع كعلبة كبريت… الباب تحطم وسقط تحت الأقدام… نحيب متقطع يسري بين الأجساد- آثار الرصاص على الجدار بدت كنوافذ زنزانات في سجن قديم…

بأعينهم رأوا كل شيء- فجأة اهتزت الأرض والقلوب…

مكتوب في الجريدة

أين اختفوا؟

لماذا تسأل؟

كيف يحدث؟

هكذا؟

الدم تحت القدم.

المشهد الثاني

الكهف

توقعوا أن تتمرد وتستجدي… لكنها خيبت توقعهم… عندما دخلوا بها الكهف لازالت أسلحتهم مشرعة… في الظلمة أشعل أحدهم المصباح الزيتي المعلق… سقطت حزمة من الضوء على جدائل شعرها فبدت كمساقط من النور. توزعت بقايا الأشعة على قاماتهم ظهروا كأشباح الأساطير- اقتربوا منها. صدرت من بعضهم تأوهات. حاول أحدهم أن ينظر في عينيها، أحس وكأنما يوشك أن يتوه في سراديب لا نهاية لها. تبادلوا أسئلة خرساء. دق أكبرهم الأرض بكعب حذائه… صرخ. احتوى فراغ الكهف صمت مريب. تقدمهم. لازال ملتصقا بهم. هز أصغرهم سلاحه في يده. تأكد أن خزانة الرصاص على ما يرام. حاول لأن يكسر الصمت بأغنية فجرتها عينيها. اكتشف أن صوته يتقهقر ويذوب- أحس بخجل قاتل… بصق على الأرض بصوت مرتفع. وأخذ يتابع تلك الفراشة الصغيرة وهي تغير على المصباح فيلسعها زجاجه فترتد فزعة لكنها تعود مرة أخرى. تساءل في صمت. ستحترق في النهاية- انتفضت أعماقه. اقترب منها- هشها بيده- ابتعدت على غير هدى… عادت. ضرب المصباح بكف يده- تألم قليلا. قبل أن يعود إلى مكانه ألقى نظرة أخيرة، جناحا الفراشة يضربان الهواء في يأس- ارتعش. أحس بالاختناق. اندفع خارجا…

ارتدت إلى الخلف قليلا. ارتفعت يدها اليسرى تزيح ذبابة حاولت استفزازها. أخذت نفسا عميقا. ألقت على أقربهم إليها نظرة متسائلة مشحونة تحديا. انتظرت الخطوة التالية تساءل في غضب ورجاء (العمل)؟ لم يتلق جوابا. رأى في عيونهم شيئا يشبه الاعتذار- المختفي في الركن البعيد المظلم من الكهف. أطلق ضحكة عالية (واحد يتزوجها) شع في العيون بريق ملتهب واختفى كلمح البصر.

عندما اجتمعوا بالمسجد القديم في ساعة متأخرة من الليل وقرروا أن ينفذوا العملية لم يضعوا حسبانا لهذا السؤال.

جميعهم مروا أمام بابها. تطلعوا إليها بحنين يائس، تابعوا نموها يوما بيوم. لم تكن هي غافلة عما يحدث حولها. تعلم أن العيون الغريبة التي تغازلها في صمت- ستنفجر يوما.

المشهد الثالث

الحصار

هبت ريح عاصفة. تساقطت ذرات الغبار من سقف الكهف انتفضوا… سلاحك. انطفأت شعلة المصباح. الفراغ والظلام والترقب والخوف يخنق النفاس المتلاحقة. اهتز الجبل. زلزال؟ أصوات بعيدة… بعيدة… بعد الأمل تلسع خفقات القلوب في دمدمة كأنما الأرض توشك أن تفجر بركانا… اندفعوا. اختفوا خلف كتل الأحجار القريبة منهم. بقى أصغرهم معها. أرسلوا البصر خلف الجبال البعيدة لا شيء سوى الصخر والرمال والأفق الأغبر… تذكر أحدهم زرقاء اليمامة أحسوا بالعطش القاتل. تقلصت أحشائهم.

في جنح الليل نختفي

إلى أين…

.. .. .. .. ..

لن يصلوا إلينا.

لن يفقدوا الأمل.

حملت الرياح صرخة عميقة حادة كأنما انشقت عن صدر إنسان مغلوب على أمره. اهتز كيانها أحست بالألم كدبيب النمل في أعماقها. فكرت لو تقاومهم. امتدت يدها تتجسس مترددة، اصطدمت بجسم. اقترب منها لاذت بالصمت، امتلأت رئتاها برائحة عرق معتق تذكرت ما قرأته عن الجنس والرجال. عادوا تباعا تخلف أكبرهم- عندما ارتفعت شعلة المصباح مرة أخرى اكتشفت أن وجوههم قد غلفتها طبقة رمادية تراجعت. أراحت جسمها في الزاوية البعيدة. فكت جدائل شعرها- تناثر حول وجهها- تذكر أحدهم ما قرأه عن القباب الذهبية. كانت تحس باللهب المتأجج في الصدور. لكن هل يجرؤ واحد منهم… لم تستبعد الفكرة. غمرتها موجة رعب قاتل. قاومت. طاقت بخيالها ذكريات بعيدة.. مؤلمة…

أصبحت الصرخة صرختين ثلاثة… عشرة… مائة… ألفا… عشرات الآلاف… وقفوا على الربوة العالية. التصقوا كتفا لكتف. اقتربت الأصوات.. صرخة واحدة مزقت شرايين الفؤاد… أصبح الجنون أملا… أطلقوا رخات متتالية من أسلحتهم… التفتوا شمالا.. اتجهوا يمينا… استطلعوا الأفق والسماء. حفروا الأرض برؤوس بنادقهم… زحفوا على بطونهم… امتزج الدمع والدم والتراب… غاب سواد العيون… لم تنه الشمس رحلتها عادت واستقرت في كبد السماء.

 

 

1970

عن مجموعته: الأقدام العارية

الدار العربية للكتاب-ليبيا.تونس/1975

مقالات ذات علاقة

الشرف

سعد الأريل

أعطاهم الإشارة

عائشة الأصفر

الرمل الخايب

محمد العريشية

اترك تعليق