قصة

قصة كلب…. حقيقية

ذات يوم كنت أنام في شرفة بيتي،وذات يوم كنت أسترخي في النهار على أريكة في فضائها أرقب من فوق السور الذي لا يرتفع عن الأرض سوى بمتر واحد،الصغار يلعبون،أحيانا تأخذني الطفولة فألعب معهم،وفي الليل وعندما تضيء النجوم السماء،يحلو النوم أيضا هناك،لكن عندما بدأ الخوف يغيّب النجوم نجمة بعد نجمة،رفعت قضبان الحديد في فضاء نافذة،كلما غابت نجمة رفعت قضيبا،وفي النهاية غابت نجوم السماء ورفعت القضبان في كل نوافذ بيتي ولم أعد أنام في شرفته،صرت أنام خلف القضبان،خائفا من لصوص النهار قبل لصوص الليل،ثم رفعت سور البيت ثلاثة أمتار وزرعت قمته بقطع الزجاج، جاري فعل مثل ما فعلت،ومثله فعل جاره،ولم يمر عام إلا واختفى فضاء النوافذ،كل النوافذ خلف القضبان، وارتفعت الأسوار حول كل بيت،ولم أعد أرقب الصغار يلعبون،ولم أعد أرى وجوه جاراتي أمام الأبواب المشرعة يتبادلن الحديث عن الزوج والأولاد ووجبة اليوم وهلال رمضان،وفي الليل أفزع من نومي كأرنب مذعور،أنام كما ينام الدجاج،لكن خوف زوجتي كان أشد من خوفي،لا تنام إلا بحبوب النوم،وفي ساعات عملي لم أعد ذلك الرجل المشتعل وهجا بالفرح،ولم أعد ذلك الرجل المفعم بالأمل،وفي يوم من الأيام قال لي جاري:عليك بكلب حراسة..كلبا أصيلا مدربا،ينذرك بصوته المفزع إذا اقتربت حتى نملة من سور بيتك..

قلت له:أين أجد هذا الكلب..؟

قال:عليك بكلب من بلاد الكفرة..كلابهم لها منتزهاتها ومدارسها ومستشفياتها،ولا تنسى شهرتها في أجهزة الأمن العربية.

استجبت لنصيحته،بعد تفتيش دقيق في الإنترنت استقر قراري على كلب أصيل من بلاد الكفرة،أحضرته لي صديقة أجنبية،مرفقا بشهادة ميلاده وشهادته الصحية وأسماء أسلافه،مع دليل مكتوب بلغات أجنبية وبالعربية أيضا يطلب وبأسلوب مهذب أن أحترم حقوق الكلب لكي يكون كلبا صالحا يحبني ويحمي بيتي بما فيه من منقول وثابت،ومن هذه الحقوق قرأت:

1.سكن لائق.

2.فحص دوري على صحته كل ثلاثة أشهر.

3.توفير العلاقة مع الحيوانات من جنسه،خاصة الإناث

4.نزهة أسبوعية بحديقة الحيوان.

5.مراقبة ما يقدم له من طعام.

6.حرية النباح وعدم معاقبته جسديا.

7.تعليمه بما يؤهله ليكون كلبا صالحا ومفيدا.

بعدما قرأت ما ورد في الدليل،أخذتني حيرة،كيف يمكنني توفير كل هذه الحقوق،ففي بلاده يحق له أن يتدلل ويجد من يستجيب،وفي بلاده لا يجرؤ أحد على مصادرة حقوقه المذكورة أعلاه أو ينقص منها واحدا،أما هنا وفي بلاد العرب فهي ضرب من الخيال ولا توجد إلا بين صفحات الكتب وبرامج الإذاعة،ومع ذلك يمكن توفير بعض الحقوق الأساسية،صديقي النجار أعد له بيتا من خشب مضغوط لأنه الأرخص من بين أنواع الخشب،وطبيب الهلال الأزرق فحصه وأكد أنه خال من أي عيب أو مرض،كان ذلك لمرة واحدة،يكفي مرة واحدة،أما النزهة الأسبوعية فقد اعتبرتها خطأ مطبعيا،الطعام الخاص رفاهية غير متوفرة،عودته على أكل كل شيء حتى بقايا النفايات،تحقق ذلك بعد رفض دام أسبوعا ثم خضع وبدأ يأكل وبعيون مقفلة،بقيت حرية النباح،وحرية النباح لم تكن من شواغلي ولم أفكر فيها ولم أتوقف عند أسئلتها،ولم أتخيل يوما أن للكلاب حرية،فبعد يوم من وصوله في رحلة جوية قادمة من بلاد الكفرة،ولأني دفعت فيه رقما على يمينه ثلاثة أصفار،فقد خفت أن يتوه إذا خرج،لأنه يجهل جغرافية الشوارع العربية،ولم يتعلم بعد لغة الكلاب العربية،صديقي الحداد صنع له طوقا فولاذيا موصولا عبر سلسلة فولاذية طويلة بسكنه،هذا جيد،فأنا لا أطلب منه سوى أن ينبح إذا أحس بعدو يقترب من أسوار بيتي،وحتى لا يحدث معي كما حدث لجاري،وما حدث لجاري له حكاية أخرى وصفتها عندما سمعتها بأنها مرعبة،أما عن كلبي فقد جرت معي الأحداث كما يلي: في الأسبوع الأول لم أسمع منه صوتا،كذلك في الأسبوع الثاني وبعده الثالث،وعندما سألت صديقا عارفا بعالم الكلاب قال: كلاب الحراسة لا تنبح لأن نباحها يوقظ المعتدين،إنها تغافلهم في لحظات اطمئنانهم، لكن في الأسبوع الرابع أطلق في وجهي < نبحة > هزت كياني أرفقها بنظرات نارية من عينيه،لم أفهم،ثم أعادها في اليوم التالي مرتين فيما أنيابه تحاول أكل السلسلة،ولم أفهم لماذا كل هذا الغضب،فأنا لست ملزما بتدليله بما يعتقد أنها حقوق.لأن الغرب غرب والشرق شرق،في المرة الأخيرة وقف على قائمتيه الخلفيتين نبح كوحش خرافي ثم أفرغ كل غيظه في خشب مسكنه حتى جعله حطاما،ولم أفهم،إلى أن كان صباح،وجدته قد لف السلسلة حول عنقه وانتحر..ولم أفهم.

لكن..لو فك الطوق..هل كان سينتحر..؟

مقالات ذات علاقة

النملة

أحمد يوسف عقيلة

غرفة الجدة

خديجة زعبية

مـحــطـات

عطية الأوجلي

اترك تعليق