المقالة

أوراق تحترق.. أنا طفـل

تجاوزت الآن مرحلة المهد وفطمتني أمي وأحبو بتؤدة لعامي الثالث لأبدأ مرحلة الطفولة , منذ ولادتي وحتى هذه السن الصغيرة ولم تضف ورقة مهمة لوريقاتي التي تسجل تاريخا لأحد البشر مر عابرا في هذه الدنيا ربما سيترك أثرا ايجابيا وربما سيكون هو ذاته السلب المؤجج لصغائر الأمور عائدا بشرور تبعاتها على نفسه ومن حوله .. وكم أتمنى أن لا أكونه بالتأكيد ,

لي ورقة اسمها شهادة ميلاد ستتبين أهميتها حين أكبر وهي مهمة الآن لوالديّ, إذ ازداد عدد العائلة فردا سيزداد راتب أبي , ياللسخرية يومها أتذكر حين قالتها أمي ضاحكة كم علاوة ازدياد طفل على العائلة ديناران , ولم يكن أبي أكثر جدية منها حين عبر عن استيائه بدعابة ضاحكا لا أدري من سذاجة المخطط أم المخطط لهم في المجتمع ,

خير خير ألن تزداد سلعنا التموينية مقدارا ونصف ألا تشتكي من نقص علب الزيت هاهي ستكون أربعة ونصف عبوة بدلا من ثلاثة (( وطفقا يضحكان على ضيق ذات الحال مؤمنان أنني طفل بركة ورزقي واسع وبالتأكيد بقدومي لهذا البيت سيمتلئ بركة )) لعله كذلك ..

إنني متفاءل جدا فأنا طفل محظوظ لم تنفضني امي من حجرها بعد فطامي في عامين بل ظلت تلك الغالية ترعاني بنفسها ورغم حالة مادية أسرية متردية ألمت بالبيت وشجعها والدي على العمل لمساعدته رفضت بقطعية قائلة له حتى يصل ابني الخامسة من العمر ويكون قد تجاوز سن الطفولة المبكرة ودخل المدرسة في السادسة لن أتركه وحيدا أنا من سينقش على صفحاته البيضاء كل ما من شأنه جعله معافا نفسيا وقيميا ..

يا الله كل يوم أكتشف عظمة تلك المرأة .. حقا أقف متفحصا قولا حكيما مفاده / إذا فقدت المرأة كل صفاتها يكفيها شرفا صفة الأمومة .

أنا أتشمس اليوم في باحة بيتنا الصغير هكذا تفعل أمي كل يوم كي يمتص جسدي آشعة الشمس المفيدة لبناء عظامي الصغيرة .. ولكنني أشاهد أبناء الجيران أقراني يخرجون كل يوم مع أبيهم وامهم .. لماذا لا أخرج أنا الآخر .. تقف والدتهم أحيانا تتساير مع أمي اليوم هي تشكو عرفت هذا من تجهم ملامحها .. وأمي تطيب خاطرها بهدوئها المعهود وابتسامتها ..

أخرجت جارتنا ورقتين كانتا في ملف شفاف والقصة أنها تعمل ولم تدري أين تضع صغارها طيلة فترة الصباح فجدتاهما كبيرتان في السن ولا تستطيعان الاعتناء بأطفال في هكذا سن حرج .. بحاجة للمعرفة التي تبدأ معهم منذ الولادة وطيلة سنوات نموهما الذهني والجسماني وهي تعترض أيضا على نوعية المعارف التي يمكن أن تمنحها الجدتان بسبب اختلاف نمط التربية عبر الأجيال ..

نحن الأطفال نسأل كثيرا فضولا فطريا تجاه كل مانرى من حولنا ومانسمع والإجابات قد تأتي غير متناسبة مع نمو عقلي لطفل الألفية الثالثة .. والحل أنها سجلتهما في حضانة لرعاية أطفال في سنهما وهذه وريقات إضافية إذن لا امتلك مثلها هكذا رحلة حياتي ستختلف عنهما وربما عن كثر في ذات المرحلة العمرية .. أوووووه .. عادت تشكو أيضا قائلة .. الطفل في هذه السن بحاجة للتلقين كيف يتعامل مع الكبار مع الصغار إنه يخزن تصرفات من حوله وأخلاقهم وعباراتهم وأخاف أن يكتسب من السلوكيات والقيم والمهارات مالايتناسب مع ثقافة العائلة ..

نحن أسرته يفترض أن نكون وعاءه الثقافي الأول وحين ينطلق للمجتمع مختلطا به مدركا يكون مسيجا كفاية بمهارات الحياة اليومية العائلية والمميزة لشخصه عن غيره من الأطفال .. لقد أصبح طفلي عدوانيا وأخته أصابها الرهاب من كل ماحولها ومن حولها يفزعها صوت مرتفع , باب يغلق بعنف , بل أصبحت لايمكنها النوم إلا بجانبي تاركة فراشها مذعورة , واستطردت في نهاية حديثها كيف سأعالج أطفالي إذا أصابتهم عقد نفسية , أشعر أنني جنيت عليهما .. ولكنها ظروف الحياة ولأجلهما نحن نكدح ونجد .

أنا إذن كطفل عادي وفي الثالثة من العمر أحتاج عددا إضافيا من الوريقات فكل مايقدم لي من أشياء جميلة غذاء وأمان أسري وترفيه سيعد منقوصا إذا لم يقترن بمطابقة ماأتعلمه في محيطي الصغير الضيق هذا الذي يشعرني أحيانا كثيرة بالملل لدرجة أنني ابكي بتواصل ولايدركون مطلبي فينهرونني أو يقدمون لي اشياء لا أريدها .. مطابقته مع المحيط الخارجي , ربما أختلف مع غيري حين أدخل الروضة وأنا في الرابعة والخامسة من عمري ولكن علي أن أفعل وأن تضاف لإضبارة حياتي ورقة تقول أنني طفل في الصف الأول من رياض الأطفال ثم الثاني ثم في المدرسة .. ولن أعيش ازدواجية تناقضية بين النظرية التربوية التي تعلمتها في بيتي الصغير وممارستها في روضتي أو في شارعي أو مع أطفال من أقربائي وفي سني ..

هل سأكون إيجابيا ياترى إذا تقولبت هكذا أم سأكون نافعا مستقبلا حين تصاغ لي القيم والثقافة والأخلاق بأشكال وأساليب مختلفة تارة قصص وحكايات وأخرى لعب وتصويب للخطأ وثالثة مشاهدات وحتى بنزاع بسيط بيني وبين احد زملائي وقد سرق لعبتي أو أكل من طعامي دون إذن مني أو حين ألوث ثيابي ..

حين أتعلم سبابا نابيا وتصرفا فادحا فألام عليه , تطبيق القيم بين الصواب والخطأ وتجربة كل ما سمعته ورايته واقعا .. بأن أنهر وأضرب بغير ضرر, أن أمنح عاطفة تثبت شعورا بالرضى على نفسي ومن حولي , أن أسمع كلمة شاطر .. وأكافأ أحيانا , أن أتبارى مع أندادي على فعل حسن فأفوز بجائزة لن .. يتعارض مع نوازعي كطفل ومن هنا أكون طفلا سليما أيجابيا تجاه محيطي وحين أنمو لمرحلة من عمري قادمة لن أستصعب نموي , متقبلا الاوامر والنواهي والدراسة والجدية في الحياة مع كثير من الترفيه المحبب فأحقق سعادة ومتعة وثقة في النفس ..

أعتقد جازما أن عددا إضافيا من وريقاتي كطفل ستهيؤوني .. لمرحلة أو مراحل قادمة , كشخصية سوية أفيد نفسي وغيري .. حتى وإن أحرقت تلك , لتبدأ ورقة جديدة في السرد المؤرخ لإنسانيتي أو ربما عددا منها يسجل لسنوات حياتي المقبلة .

_________________

نشر بموقع إيوان ليبيا

مقالات ذات علاقة

حاتم

عبدالرحمن جماعة

كيف تقاوم بيئة نابذة طاردة!!

فاطمة غندور

جدليات فكرية فلسفية – ديالكتيكاياتي (200/40)

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق